مندوب مصر في الأمم المتحدة: انسداد الأفق السياسي بسبب التعنت الإسرائيلي كان بمثابة الوقود للأحداث

مندوب مصر لدي الأمم المتحدة يقدم رؤية لما يتعين أن يتخذه مجلس الأمن من تدابير لحل الأزمة

السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدي الأمم المتحدة
السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدي الأمم المتحدة

قال السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدي الأمم المتحدة، إن القصف الإسرائيلي على المستشفى المعمداني بقطاع غزة، والذي اُرتكب في إطار خطة ممنهجة تهدف إلى قتل وتهجير الشعب الفلسطيني، ومحاولة اقتلاعه من أرضه وجذوره، وتصفية قضيته.

وأضاف أن جريمة السابع عشر من أكتوبر تأتي كفصل من سلسلة طويلة من الانتهاكات، لم تبدأ في الواقع يوم الثامن من أكتوبر، وإنما عمرها من عمر الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يستلزم تباعا أن يتوقف المجتمع الدولي عن سياسة غض الطرف، والبدء في إنفاذ المساءلة السياسية والقانونية الجنائية لكل من تسبب وأمر وشارك وحرض على هذه الجريمة الشنعاء. 

جاء ذلك في البيان جمهورية مصر العربية خلال جلسة الاحاطة لمجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية

وكان مندوب مصر الدائم قد هنئ مارتن جريفث نائب السكرتير العام للشئون الإنسانية على تولي رئاسة المجلس الأمن لشهر أكتوبر، وتور وينسلاند المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام بالشرق الأوسط. كما قدم خالص الشكر لدولة الإمارات وروسيا الاتحادية والصين، على طلب عقد هذه الجلسة لمجلس الأمن، وذلك على خلفية القصف الإسرائيلي على المستشفى المعمداني بقطاع غزة، وأكد علي أن الأحداث الجارية في فلسطين المجلس أعباءً جسيمة، إلا أننا على ثقة في قدرة دولة البرازيل الصديقة، وقدرة رئاسة المجلس وأعضائه، على تولي هذه الأعباء، وتلك المسئولية.

واستطرد السفير أسامة عبد الخالق مؤكدا أن الواقع يحمل أعباء جسيمة لأن الأحداث خلال الأيام الماضية تحمل في طياتها، على نحو غير مسبوق، أخطاراً لا يمكن تصورها على أمن المنطقة، وعلى السلم والأمن الدوليين، وإن كانت أخطارا غير مستبعد وقوعها، وسبق التحذير منها، والعمل مرارا من جانبنا على تلافيها، جراء احتلال لا يمكن استمراره بأكثر من ذلك وجرائم لا يمكن التغاضي عنها بالمرة.

وأضاف السفير أسامة عبد الخالق، إن استمرار ذلك الاحتلال الإسرائيلي، والإجراءات الأحادية خاصة ما يتعلق ببناء وتوسيع المستوطنات غير القانونية، والاستفزازات والجرائم المتكررة من جانب المستوطنين ومن يدعمهم، والتدنيس المستمر للمقدسات الدينية، وانسداد الأفق السياسي بسبب التعنت الإسرائيلي والتعالي على الشرعية الدولية، كل ذلك كان بمثابة الوقود الذي ينتظر أن تقترب منه النار لكي يشتعل، وحتى لا تختلط الأمور على البعض، أو يتصيد أحد ما تقدم من قول لاستخدام سردية مرفوضة لاتهامنا بـ "تبرير الإرهاب"، فإننا نعيد التأكيد هنا، وأمامكم وأمام هذا المجلس الموقر وأمام العالم أجمع، رفضنا القاطع وإدانتنا الصريحة له، ولأي استهداف للمدنيين، كل المدنيين وهو الموقف الذي سبق وأن عبرنا عنه بوضوح، وعبرت عنه كافة الدول العربية من خلال قراراتها الصادرة عن الاجتماع الوزاري لمجلس جامعة الدول العربية يوم الحادي عشر من أكتوبر الجاري.

وشدد مندوب مصر لدي الأمم المتحدة قائلا: نعم قد أدنا استهداف المدنيين، وأدنا وندين أيضا مجدداً سياسة الكيل بمكيالين، كما ندين استهداف المدنيين من أشقائنا في فلسطين المحتلة، وشدد على رفضه وإدانته التامة لكافة الجرائم التي ارتكبت من جانب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وآخرها، استهداف المستشفى المعمداني أمس. 

كما نشدد على عدم قبولنا ورفضنا التام لمحاولات التنصل الإسرائيلية من المسئولية، ومحاولات بعض الأطراف الدولية توفير الغطاء لها لذلك بأعذار واهية، فهي التي أفضت لوضع مستحيل في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، ووصلت الأمور لمرحلة قصف المدنيين في منازلهم ومستشفياتهم، وذلك بسبب رفضها المستمر لكافة المبادرات الرامية لتهدئة التصعيد واستئناف المسار السلمي، اعتقاداً منها بقدرتها على إطالة أمد الاحتلال وإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيا.

وقال إن ما نراه حاليا، على بشاعته، ليس بنهاية المطاف، إن لم يضطلع المجتمع الدولي وهذا المجلس الموقر فوراً بكافة مسئولياته تجاه الأوضاع المتفجرة، وفي هذا الإطار فإن لمصر رؤية واضحة لما يتعين أن يتخذه مجلس الأمن من تدابير:

أولا: يتعين الوقف الفوري غير المشروط لإطلاق النار. وإذ نستغرب، إن هذا الإجراء، وإن كان الإجراء الطبيعي المعمول به والمعتاد في كافة حالات الصراع المسلح، فإننا لا نلمس نفس القدر من الالتزام بالعمل على إنجازه اتصالا بالأحداث الجارية في غزة، على الرغم من خطورة توسع الصراع الدائر. إن على الدول التي لا ترى عجالة في وقف إطلاق النار، أن تدرك أنها ليست بمنأى عن أخطار النزاع، ناهيك عما يكتنفه هذا النهج غير المسئول من مساهمة في تأجيج الصراع.

ثانيا: ضرورة العمل على ضمان حماية المدنيين، وإمدادهم بالمساعدات الإنسانية. وإننا لنستغرب كذلك، أن ما تقدم، وهو من أبسط مبادئ الإنسانية، بات محل نقاش، وجدال، ومساومة، بينما تعد حماية المدنيين في الصراعات المسلحة أحد أعمدة القانون الإنساني الدولي، بل جزءا من الفطرة الإنسانية السليمة. 

كما أنه يتعين الكف فورا عن استهداف المنشآت الطبية، إعمالا لقرارات مجلس الأمن ومن ضمنها قراره رقم 2286 لعام 2016 الذي أدان بشكل لا يحمل اللبس كافة أعمال العنف والهجمات والتهديدات الموجهة ضد المستشفيات والمنشآت الطبية، كذلك يتعين الرجوع فورا عما وصفته إسرائيل بإنذار الإخلاء، الذي يمثل أحد أقبح صور التهجير القسري في زمننا المعاصر، هذا وقد أثبت مقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، زيف المبررات الكاذبة لهذا الإنذار، والتي ادعت إسرائيل إصداره لحماية المدنيين.

ثالثا: حتمية وقف خطاب الكراهية، والشيطنة، والتحريض، وتبرير الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. إن استخدام وصف "حيوانات بشرية" من جانب مسؤول رسمي في دولة تدعي الديمقراطية، قد مر مرور الكرام على العديد من الدول المتشدقة بمبادئ الإنسانية، رغم أنه يرتبط بخطابات الإبادة الجماعية، لأنه يسمم العقول، ويأجج الكراهية العمياء.

رابعا: أهمية بذل كافة الجهود لإطلاق سراح كافة الأسرى والرهائن والمعتقلين، وضمان معاملتهم بموجب القانون الدولي ووفق مبادئ الإنسانية.

وقد عملت مصر منذ تفجر الصراع الأخير، وفي إطار دورها التاريخي الداعم للشعب الفلسطيني والحريص على إحلال السلام، على التصرف وفقا لهذه الرؤية، من خلال محاولة إرساء وقف لإطلاق النار، واتخاذ إجراءات ناجعة من شأنها ضمان النفاذ الإنساني إلى قطاع غزة، وحشد المساعدات الإغاثية الضرورية. كما دعا السيد رئيس الجمهورية أيضا إلى قمة دولية عاجلة تعقد بالقاهرة يوم 21 أكتوبر الجاري، بمشاركة الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، وذلك في هذا التوقيت الدقيق من تصعيد النزاع، بهدف تجاوز الأزمة الراهنة، ونزع فتيلها، ومحاولة التحرك إلى آفاق تسوية شاملة وعادلة ومستدامة، اقتناعا من مصر بأن اقتصار التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية على جهود إدارة الأزمة، أو احتواء تطلعات الشعب الفلسطيني عبر سياسة المسكنات، إنما بات نهجا قد تجاوزه الزمن، والأحداث.

واختتم السفير أسامة عبد الخالق إن الشعب المصري والعالم العربي بأسره، وكافة الشعوب المحبة للسلام، تتطلع إليكم اليوم، وإلى مجلس الأمن، للنهوض بمسئولياته نحو وقف هذه الحرب التي تشنها إسرائيل المحتلة للأراضي الفلسطينية ضد شعب أعزل متطلع إلى أبسط حقوقه في الحرية والعيش بكرامة في دولته المستقلة كغيره من شعوب العالم.