"الكاف".. أسرار مدينة الأساطير التونسية التي يعشقها السياح

صورة موضوعية
صورة موضوعية

عندما تطأ أقدامك مدينة "الكاف التونسية" التي يعشقها السياح من مختلف الجنسيات وتستنشق "نسمة الكافية " كما يطلق عليها من قبل الزوار، تشعر أنك انتقلت إلى مدينة أساطير جبلية آسره محافظة على تراثها القديم.

تحاط مدينة "كاف" بالجبال والهضاب المرتفعة من كافة الجهات ويتخللها سهول شاسعة يكسو اللون الأخضر هذه اللوحة الفنية، فأنعم الله على هذه المدينة طبيعة خلابة جعلها محط أنظار للجميع للاستمتاع بمناظر طبيعتها الخلابة، ولاستكشاف معالمها السياحية والأثرية التي تجعلها مقصدا للزوار من مختلف أنحاء العالم. 

فعندما تتجول في البلدة العتيقة للكاف سترى احتضانها لمعالم تاريخية وأثرية هامة تعود إلى ملايين السنين تشابكت واجتمعت من جميع العصور وجميع الأديان ، بداية من القصبة والقلعة وجامع القصبة الذي يقام على أعلى منطقة في الكاف وتم بناؤها في العصر العثماني وتعتبر رمزا تاريخيا وعسكريا هاما في المدينة وكانت حصن الأمان قديما ، وعلى مقربة من القصبة ستجد ضريح سيدي مخلوف ذا القباب البيضاء والمأذنة المزينة بالخزف الأخضر، والتي تعتبر من أهم المزارات السياحية ،وبساحة سيدي مخلوف يوجد سوق للمنتجات المحلية والحرفية التي ذاع صيتها في الكاف.. مرورا بالحمامات الرومانية،وفي محازاتها كنيسة قديمة للقديس بطرس، والمعبد اليهودي القديم الذى يعود انشاؤه إلى القرن 18 إلى جانبه ضريح سيدي ابى الوفاء وضريح سيدي الملاحي في مكان واحد يجعل منها مدينة تلاقي الأديان والحضارات المختلفة.

اقرأ أيضًا | شارع المعز.. متحف مفتوح لرحلة في القاهرة التاريخية | صور وفيديو

من جانبه، قال حاتم الدريسي خبير في التراث بتونس ، في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، إن مدينة كاف التونسية تعتبر من أهم المدن السياحية في تونس وتقع في الشمال الغربي للبلاد بالقرب من الحدود الجزائرية وتقام على ارتفاع 750 مترا.

واستعرض الدريسي تاريخ نشأة الكاف والتي مرت بـ 3 مراحل تاريخية بدأت بمرحلة عبادة الحجارة ويليها مرحلة تعدد الألهه "الوثانية" واختتمت بالوحدانية "الأديان السماوية"، وظهر ذلك من خلال نقوش وروسومات في أقدم مدينة يطلق عليها " ملاج " ويعتبر أقدم معلم سياحي بها عبارة عن طبقة جولوجية، ويليها منطقة سيدى منصور والتي شهدت تجمعات سكانية تعود إلى 5 قرون ما قبل الميلاد وظهر ذلك واضحا فى اللوحات الكهفية والتي أظهرت السكان الأصليين لمدينة الكاف ويطلق عليها " الحضارة النوميدية".

وأضاف أنه خلال تلك الفترة انتشرت عبادة آلهة الخصوبة في ذلك الوقت " عشتار "، وبعد أن أصبحت المدينة ولاية رومانية تأثرت بالحضارة الرومانية وعبادة آلهة الجمال والحب "فينوس " في القرن الأول الميلادي ثم تلاها دخول المسيحية وصولا إلى الفتح الإسلامي .

وأكد الدريسى أن "المصلى" تعتبر أعلى منطقة بالكاف ولها شهرة كبيرة وهي معبد روماني قديم ويعتبر من أهم المزارات وله مكانة تاريخية خاصة .. مشيرا إلى أنه قديما كانت تقام فيه صلاة الاستسقاء في الوقت الذي تندر فيه نزول الأمطار .. لافتا إلى أن كل شخص كان يصلي صلاته وفقا لديانته في نفس الوقت ويمارس طقوسه الدينية بحرية تامة مع تواجد أقدم معبد يهودي وأقدم كنيسة وجامع في مكان واحد مما يدل على مدى التسامح والتعايش والترابط والحب الذي جمع بين الأديان الثلاثة.

ونوه بأن "كاف" تعتبر مدينة زراعية من الدرجة الأولى معظم سكانها يعملون بالفلاحة وأشهر الأكلات هناك مصنوعة من القمح المنتشر زراعته في المنطقة مثل البيسيسة والكسكسي .. لافتا إلى أن هناك توجها إلى تحويل المنتجات الزراعية والحيوانية إلى منتجات كاملة الصنع مما يزود القيمة المضافة للمنتج المحلي.

وأشار إلى أن هناك اهتماما بالصناعات التراثية حيث أن معظم النساء يقومون بصناعة الإكليم التونسي وصناعة الزيوت والصابون ويلقى ذلك رواجا كبيرا من السائحين.

من جانبه ، قال محمد علي رجبى رئيس إحدى جمعيات المجتمع المدني التونسي المختصة حاليا بإعادة وتطوير المناطق السياحية والتراثية بالكاف بتمويل من مؤسسة "دروسوس"، إن برنامج التطوير والتجديد بلغ قيمته مليار دينار خصص لترميم وتجديد المعالم التاريخية الموجودة بالاستعانة بنخبة من الخبراء.

وأضاف في تصريح خاص لـ "أ ش أ" أن مشروع تطوير مدينة الكاف يعتبر من مشروعات العربي التراثي الذي يهتم بالتراث الشعبي إلى جانب الاهتمام بتوفير فرص عمل للشباب خاصة وأن هذه المدينة مشهورة بالصناعات اليدوية والتراثية .

وأكد رجبي اهتمام الجمعية بالتدريب المهني وعمل ورشات العمل لتدريب أهل المدينة الراغبين في التعلم والعمل بالقطاعات التراثية المختلفة كصناعة المعجنات والأكلات التراثية والحلويات التقليدية وإعادة بيعها بجانب صناعة الشمع والصابون بالإضافة إلى ورش تعلم الزراعة . 

وأوضح أن الجمعية احتضنت 20 مشروعا متنوعا معظمها مرتبط بالمنتجات الغذائية وصناعة الزيوت العطرية والصابون والأعمال اليدوية والتراثية كالفخار والمنتجات التذكارية المصنوعة من الأخشاب والأسلاك الحديدية ، بالإضافة إلى صناعات الإكسسوارات النحاسية، والتي ساعدت على إحياء التراث الشعبي بالمدينة.

وأشار رجبي إلى أن هذا ساهم في توفير فرص عمل للنساء والشباب .. منوها بأنه تم عمل مهرجان لعرض هذه المنتجات ونظمت الجمعية مهرجانا لمدة 3 أيام وتم خلاله تنظيم مسارات سياحية للمدينة للتعرف على التراث الشعبي لها مما يساعد على جذب السياحة.

ونوه بأن المنظمة قامت بإعداد خريطة رقمية لمدينة كاف لتسهيل الزيارة على السياح والتي تضمنت توضيح أهم المناطق الأثرية والمطاعم والمتاجر والأسواق والفنادق المشهورة بها .

بدوره، أكد مدير المركز الثقافي "الهادي الزغلامي "فى منطقة رأس العين بالكاف فؤاد الزغلامى، أن الكاف تعتبر ملتقى للثقافات المختلفة خاصة وأنها تأثرت بشكل كبير بالحضارات المختلفة .. موضحا أن ثقافة الغابة هي الغالبة هنا وهي ثقافة منفتحة على البيئة وتقدس الأنثى ولها وجود حاضر في مجتمع. 

واستعرض رمزا كانت تلبسه المرأة في لباسها قديما يطلق عليه " سام بلو " وهذا الرمز يعبر عن التكامل بين الرجل والمرأة ويعكس قوة وحضور المرأة الكافية من القدم حتى الآن. 

وقال الزغلامي إن الكاف تشتهر بربوع القمح والماء وهنا أطلق الرومان عليها "هنا فريجا"،أي إفريقيا ومن هنا أعطت الكاف التسمية لتونس وتونس أعطتها للقارة، ومع التبادل التجاري والثقافي مع الساحل الأفريقي وبواقع الاختلاط والتصاهر والنسل كونت الثقافة والتراث بالكاف وتنقلت عبر الأجيال. 

ونوه بأن الكاف تكثر بها مقامات لأولياء صالحين وتعتبر مقصدا هاما دينيا لهذه المزارات وباعتبارها مدينة الفن فإن الكاف تنظم عددا كبيرا من المهرجانات الثقافية على مدار السنة تضفي بهجة على المدينة ومن أهم المهرجانات مهرجان سيدي بومخلوف الثقافي المنسوب إلى الولي الصالح سيدي بومخلوف الذي تشتهر به الكاف، والموسيقى والغناء الصوفى يعتبر جزءا من تراثها.

وأضاف أن المركز الذى تم انشاؤه في 2011 يحاول أن يكون منارة للثقافة التونسية بشكل عام وللكاف بشكل خاص .. موضحا أنه تم تنظيم عدد كبير من المهرجانات والأمسيات الثقافية والتي بلغت خلال عامين 53 مهرجانا كما تم تقديم 14 كاتبا تم نشر وعرض كتاباتهم من خلال المركز الثقافي.

وأكد الزغلامي أن المهرجانات الثقافية لها دور في جذب السياحة إلى هذه المدينة العريقة والتعرف على ثقافتها من خلال ندوات وأمسيات شعرية وفن مسرحي ،منوها بأن الثقافة ممتدة وليست مرتبطة بوقت أو زمن معين ولذلك فإن المركز يعمل بكامل طاقته لتقوية علاقاته بجمهوره.

ولفت إلى التعاون المستمر مع الجهات الحكومية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بأهمية المركز ودوره في جذب السياحة سواء محليا أو خارجيا حتى تعود الحركة الثقافية إلى نشاطها المعهود مرة أخرى .. داعيا الفرق الشعبية والتراثية المصرية في الاشتراك بمهرجان "فنون ملتزمة" الذي يستضيفه المركز في ديسمبر المقبل بمشاركة عدد من المثقفين من عدة دول.

وأشار الزغلامي إلى أن المركز مفتوح ويستقبل كافة فئات المجتمع تحت شعار الثقافة للجميع خاصة وأن مكان المركز يتوسط مدينة الكاف في منطقة رأس العين المكان الذي يحتوي على حكايات وأساطير مرتبطة ممتدة منذ العصر الروماني، فهو عين للمياه الجوفيه ممتدة وتصل إلى أعلى مكان يدعى القصبة وبجانبه مزار لسيدة تونسية تدعى "لى منى" إحدى الشخصيات الأسطورية والتي كانت تأتي لها النساء قبل الزفاف وتقوم هذه السيدة بتزيينهن ومباركتهن في الزيجة.

وأخذ يسرد العديد من الحكايات والذكريات لهذا المركز والذي يأتي إحياء لمنطقة رأس العين ولذكرى والده الفنان الراحل الهادي الزغلامي ليجمع المكان بين التاريخ والفن.