فريدمان: غزو غزة خطأ جسيم والتدخل البري يجر أمريكا لحرب في الشرق الأوسط

ارشيفية_حرب غزة
ارشيفية_حرب غزة

في مقال نشر قبل يومين في النيويورك تايمز الكاتب توماس لفريدمان قال: إذا كنت تعتقد أن إسرائيل مجنونة الآن، فذلك لأن حماس لطمتها على وجهها.  واليوم يقدم فريدمان نصيحة غالية إلي بني إسرائيل، عنوانها لماذا يعتبر غزوغزة والتفكير النهائي خطأ لإسرائيل.

اقرأ ايضا|واشنطن تحث تل أبيب على تقديم مساعدات إنسانية إلى غزة للحفاظ على الدعم الدولي

يفند فريدمان الحجج والبراهين الواحدة تلو الأخرى، ولما لا، فهو ذو خبرة عالية بالشرق الأوسط، حيث عمل كمراسل صحفي في بيروت عام 1982 ثم مراسل لمكتب القدس 1984. كما أن دراسته أيضا كانت عن الشرق الأوسط، حيث حصل على درجة البكالوريوس في دراسات البحر الأبيض المتوسط من جامعة برانديز في عام 1975. وفي عام 1978 حصل على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط الحديثة من جامعة أكسفورد.ف

ويعارض فريدمان مقولة نتنياهو بأن الهدف من غزو غزة القضاء نهائيا على حماس مرة واحدة للأبد، فيقول فريدمان، أنه تعلم على مر السنين أن أربعًا من أخطر الكلمات في الشرق الأوسط هي "مرة واحدة وإلى الأبد “والتي تعني الحل الجذري، ويدلل على كلامه بأن تلك النظرية خاطئة، لأن كل الحركات الإسلامية الجهادية من طالبان، حماس، داعش، القاعدة، الجهاد الإسلامي الفلسطيني، حزب الله، الحوثيين، لها جذور ثقافية واجتماعية ودينية وسياسية عميقة في مجتمعاتها. ولديهم القدرة على الوصول إلى الشباب، الذي لا يعمل أو سلطة أو لديه علاقة رومانسية، وأن تلك النوعية من الشباب دائما نجدهم فريسة سهلة من السهل وتعبئتهم من أجل الفوضى. ولهذا السبب، حتى يومنا هذا، لم يتم القضاء على أي من هذه الحركات "مرة واحدة وإلى الأبد".

روشتة العلاج

القضاء على تلك الآفة من وجهة نظر الكاتب يكمن في الصبر والدقة والكثير من الحلفاء والبدائل التي تتمتع بالشرعية داخل المجتمعات التي يخرج منها هؤلاء الشباب. ومن هنا يتم عزل تلك الجماعات، وتقليص حجمهم، ونزع الشرعية عنهم، وقطع رؤوسهم، كما فعلت أمريكا مع داعش والقاعدة. 

لهذه الأسباب من الخطأ غزو غزة

ويتفق الكاتب مع الرئيس الأمريكي في أنه من “الخطأ الكبير” أن تقوم إسرائيل “باحتلال غزة مرة أخرى”.

لأن هذا التحرك قد يحول الهزيمة التكتيكية المذلة التي منيت بها إسرائيل على أيدي حماس، إلى أزمة استراتيجية أخلاقية وعسكرية طويلة الأمد.  كما إنها حرب يمكن أن توقع إسرائيل في غزة، وتجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط وتقوض ثلاثة من أهم مصالح السياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الحالي: مساعدة أوكرانيا على التحرر من روسيا للانضمام إلى الغرب؛ ثانيا الصين؛ وتشكيل كتلة مؤيدة لأميركا تضم مصر وإسرائيل والدول العربية المعتدلة والمملكة العربية السعودية، والتي يمكنها موازنة إيران ومحاربة التهديد العالمي المتمثل في الإسلام الراديكالي.

حرب إسرائيل يزعزع استقرار الحلفاء مصر والأردن

ويستطرد الكاتب في تحليله موضحا الأمر الثالث، إذا دخلت إسرائيل إلى غزة الآن فسوف تنسف اتفاقيات إبراهيم، وتزيد من زعزعة استقرار اثنين من أهم حلفاء أمريكا (مصر والأردن) وتجعل التطبيع مع المملكة العربية السعودية مستحيلاً - وهي نكسات استراتيجية ضخمة. 

ولا تتوقف رؤية فريدمان عند هذا الحد، إنما توضح المكاسب التي ستعود علي حماس، لأنها ستمكن من إشعال النيران في الضفة الغربية بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين.

وكل هذا سيصب إجمالا في مصلحة إيران واستراتيجيتها المتمثلة في جر إسرائيل إلى التوسع الإمبراطوري المفرط، وبهذه الطريقة إضعاف الديمقراطية اليهودية من الداخل.

ويلخص فريدمان، الهدف الاستراتيجي الأول بالنسبة لإيران مع إسرائيل في ضمان بقاء إسرائيل محاصرة في الضفة الغربية، وانجرافها إلى إعادة احتلال جنوب لبنان، وإعادة احتلال غزة.  كل هذا سيجعل من إسرائيل ضعيفة أخلاقيا واقتصاديا وعسكريا، ولن تتمكن أو تنتبه أبدا من تهديد البرنامج النووي الإيراني وطموحات الهيمنة.

ويستنكر الكاتب الموقف الإسرائيلي من تعبئة 360 ألف جندي احتياطي إسرائيلي مصابين بصدمات نفسية لشن حرب مدن في واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم. وهذا سوف يسحق الاقتصاد الإسرائيلي ومكانته الدولية.

وهنا يلتفت فريدمان للرئيس بايدن ويوجهه كلماته موضحا أن بنيامين نتنياهو، غير مؤهل لإدارة هذه الحرب كلاعب عقلاني. والتصرف العاقل الذي يمكن لنتنياهو أن يفعله هو الدعوة إلى انتخابات إسرائيلية جديدة في غضون ستة أو تسعة أشهر، وبالتالي يستطيع الإسرائيليون أن يثقوا في أن أي قرارات سيتخذها الآن بشأن غزة وحماس لن تضع في الاعتبار سوى المصلحة الوطنية الإسرائيلية. وليس مصلحته الخاصة في البقاء خارج السجن بتهم الفساد، وتمسكه بالمجانين اليمينيين في حكومته. 

إذا أعلنت إسرائيل اليوم كما يقول فريدمان، أنها قررت في الوقت الحالي التخلي عن غزو غزة، والبحث عن وسائل لحل أزمة الرهائن فهي لن تتجنب فقط المزيد من الصدمة لمجتمعها، وكذلك المدنيين الفلسطينيين في غزة، بل ستمنح إسرائيل وحلفائها الوقت للتفكير في كيفية بناء بديل مشروع لحماس مع الفلسطينيين.

المكاسب من وراء وقف الغزو 

ويسرد الكاتب المكاسب التي ستحققها إسرائيل إذا تراجعت عن الغزو سيكون على الدعم العالمي وتمكن العالم من رؤية حماس على حقيقتها: داعش في الأراضي الفلسطينية.

ويؤيد فريدمان ما ذهب إليه جون أركويلا، أستاذ الاستراتيجية في كلية الدراسات العليا البحرية: من أن كل ما يحدث في ساحة المعركة يمكن أن ينقلب رأساً على عقب في عالم المعلومات.  لذا فإن معركة القصة مهمة بقدر أهمية المعركة على الأرض". 

إذا بالغت إسرائيل في رد فعلها في غزة، فسوف تستنزف أي مشاعر طيبة متبقية تجاه إسرائيل، وهذا هو رهان حماس الكبير. إن المخاطرة في عمل انتقامي أو غضب لن يغير بشكل جذري معضلاتها الاستراتيجية هو أمر غير حكيم على الإطلاق.

ولكن، كما قلت، إذا كانت إسرائيل لا تزال تقرر أنها يجب أن تدخل غزة للقبض على قيادة حماس وقتلها، فلا ينبغي لها أن تفعل ذلك إلا إذا كانت لديها قيادة فلسطينية شرعية تحل محل حماس، حتى لا تترك إسرائيل تحكم هناك إلى الأبد.

 إذا حدث ذلك، فإن كل يوم لا تشرق فيه الشمس في غزة، ولا تتدفق المياه، ولا تعمل الكهرباء، وينتشر الجوع أو المرض على نطاق واسع، سيكون خطأ كل إسرائيلي وحتى كل يهودي في العالم.  فهل إسرائيل مستعدة لتحمل هذا العبء؟

وعلى بايدن أن يحصل على إجابات واضحة من نتنياهو الآن، قبل فوات الأوان: بمجرد أن تطيح إسرائيل بحماس، فمن سيحكم غزة؟ إذا كانت إسرائيل تنوي حكم غزة، فهل ستدفع تكاليف إعادة بناء البنية التحتية التي تدمرها؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فمن سيفعل؟ إلى متى تنوي إسرائيل السماح للأزمة الإنسانية بأن تتكشف في جنوب غزة؟ هل تخطط إسرائيل لبناء مستوطنات في غزة ؟ هل تحترم إسرائيل حدود غزة؟ هل لديها خطة للمساعدة في إعادة بناء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟

ويرى فريدمان أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بقيادة الرئيس محمود عباس، ضعيفة وغير شرعية، ولا تستطيع إدارة الضفة الغربية، ناهيك عن غزة – وهذا ما أراده نتنياهو، حتى يتمكن دائماً من القول إنه ليس لديه أي شريك للسلام.

ولكن بعد كل ما قيل، يتعين على إسرائيل أن تعيد التفكير بالكامل في كيفية علاقتها بالفلسطينيين في الضفة الغربية - وبالتالي حركة الاستيطان بأكملها أيضًا - إذا أرادت أن تحل محل حماس في غزة. إذا استمرت حركة الاستيطان في تحديد شروط ما هو مسموح به في السياسة الإسرائيلية، فإن كارثة أخرى تلوح في الأفق في الضفة الغربية.

القول الفصل 

خلاصة القول؟ فقط اطرحوا هذا السؤال: إذا أعلنت إسرائيل اليوم أنها تتخلى، في الوقت الراهن، عن غزو شامل لغزة، فمن سيكون سعيدا ومن سيرتاح ومن سينزعج؟ وسوف تشعر إيران بالإحباط التام، وسيشعر حزب الله بخيبة الأمل، وستشعر حماس بالدمار - فقد فشلت خطة الحرب برمتها - وسوف يُسحق فلاديمير بوتين، لأن إسرائيل لن تحرق الذخيرة والأسلحة التي تحتاج الولايات المتحدة إلى إرسالها إلى أوكرانيا. وسوف يغضب المستوطنون في الضفة الغربية.

وفي هذه الأثناء، سوف يشعر آباء كل جندي إسرائيلي وكل رهينة إسرائيلي محتجز، وكل فلسطيني في غزة عالق في مرمى النيران، وكل صديق وحليف لإسرائيل في العالم - بدءاً بجوزيف بايدن - سيشعر بالارتياح. . انهيت قضيتي.