بعـد طوفـان الأقصى| «غزة - لبنان - سوريا».. مخاوف إسرائيلية من «وحدة الساحات»

الدخان يتصاعد بعد القصف الإسرائيلى لمنطقة شمال قطاع غزة
الدخان يتصاعد بعد القصف الإسرائيلى لمنطقة شمال قطاع غزة

توقف كثير من المراقبين السياسين والعسكريين عند النداء الذى وجهه القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكرى لحماس محمد ضيف بعد ساعات من بدء العمليات ودعى فيه (اخواتنا فى المقاومة بلبنان وإيران واليمن وسوريا الى الالتحام مع المقاومة الفلسطينية) مما يومي بان حماس قررت العملية دون تنسيق او اعداد مسبق مع اى من هذه الجهات وقد يبدو هذا منطقيا مع حالة السرية التامة التى احيطت بالعملية لدرجة ان بعض المسئولين فى القيادة السياسية للحركة لم تكن على علم بها قبل بدئها ولكن الاهم ان النداء اثار حالة من الترقب والسعى الى الاجابة عن السؤال الاهم حول ماذا كانت المواجهات ستظل فى نطاقها الفلسطينى الإسرائيلي ام تستجيب تلك الدول والجماعات التى استهدفها محمد ضيف بندائه خاصة وانها تتوافق مع مبدا (وحدة الساحات) وهو التعبير الذى استخدمه للمره الاولى حسن نصر الله زعيم حزب الله.

لم يمر النداء مرور الكرام فالامر كان محل اهتمام وتحذير على اعلى مستوى منذ البداية وجاء على لسان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لاطراف آخرى من انتهاز الفرصة لفتح جبهة جديدة على الحدود الشمالية بالاخص حزب الله وهو ما سار على نهجه الداعم الامريكي حيث حذر بايدن من فتح جبهات آخرى معلنا دعم امريكا الكامل لامن اسرائيل والاستعداد لتقديم المساعدات العسكرية اللازمة لاتخاذ ما يلزم لاعادة هذا الامن وهذا التقرير محاولة لمناقشة الامر مع استعراض الوضع فى تلك الساحات.

 الطوفان 

ودعونا نتحدث فى البداية عن الساحة الاساسية قطاع غزة الذى قامت بفعل عملية طوفان الاقصى فقد كشفت المعلومات شبه الرسمية على ان عددٍ المشاركين فى العملية حوالى ١٠٠٠ من النخبة وقد وصلوا عبر الانفاق على درجات بخارية بالاضافة الى عناصر محمولة جوا مع توفير اطار كبير من السرية التامة وتشير المعلومات انه حدث اجتماع قبل العملية بساعات فى غرفة العمليات المشتركة وتم الاتفاق على مشاركة كل الفصائل بما فيها الجهاد لضمان انضمام وحدات سرايا القدس وحركة فتح والتى سقط منها بعض الشهداء اثناء عملية اقتحام بعض المواقع وتم اتباع نموذج التنظيم العنقودى بالتدريب فى مجموعات صغيرة على دور بعينه دون معرفة تفاصيل العملية كاملة للحفاظ على السرية ودون معرفة المجموعات الاخرى واثناء العملية تم استخدام الصورايخ بكثافة وتحييد انظمة الانذار والقبة الصاروخية والكاميرات وكان هذا السبب الرئيسى فى نجاح فى العملية والتى مثلت فشلا ذريعا للاجهزة الامنية الاسرائيلية سواء الاستخبارات العسكرية «أمان» والمخابرات العامة «الشاباك».

ودعونا نناقش كل ساحة من الساحات التي ذكرها محمد ضيف فى ندائه ولنبدأ بايران فقد ترى ان طوفان الاقصى يمثل رد بشكل او بأخر على عمليات اسرائيلية سابقة داخل ايران فى السنوات الاخيرة استهدفت اغتيال مسئولين وخبراء فى المجال النووى وتفجير بعض المناطق الحساسة ولكنها على نفس المستوى تحاول خلق مسافة بينها وبين العملية فقد بادر المتحدث باسم الخارجية الايرانى الى نفى اتهام طهران بالضلوع فى العملية المباغتة لحركة حماس ضد اسرائيل وقال انه يستند الى دوافع سياسية وان ايران لا تتدخل فى قرارات الدول الاخرى بما فيها فلسطين) كما كان هناك نفى رسمى ايرانى من اعلى المستويات لما تردد فى الاعلام الغربى خاصة صحيفة وول ستريت جورنال حول ان هجوم حماس تم اتخاذ قراره فى بيروت بحضور ممثلين على الحرس الثورى وبضيافة حزب الله وبالتوازى فهناك حرص من مسئولين على اعلى مستوى ومنهم وزير الخارجية انتونى بلينكن من نفى أى مسئولية لطهران عن عملية طوفان الاقصى ويمكن فهم الموقف الايرانى من مخاوف من ان تؤثر مايتم انجازه على صعيد تطبيع العلاقات مع واشنطن ومكاسبها ومن ذلك الافراج عن بعض ودائعها المالية والتخفيف غير المعلن للعقوبات والخطوات التى تم اتخاذها باتجاه التوصل الى الاتفاق النووي.

وتبدو الساحة اللبنانية اكثر تعقيدا فالتاريخ يقول ان اخر حرب بين حزب الله وإسرائيل مر عليه ١٧ عاما وقرار مشاركة الحزب اليوم قد يكون الاصعب ويمكننا ان نرصد هنا الموقف اللبنانى من العملية فهناك خلاف ومخاوف من تبعاتها صحيح ان هناك اشادة بما قامت به المقاومة الفلسطينية وتقديم التحية لها ومن قيادات بوزن وليد جنبلاط والنائب تونى فرنجية ابن المرشح الرئاسي.

وعلى نفس المستوى جاء الموقف الرسمى فى بيان الخارجية محملا اسرائيل مسئولية ماحدث نتيجة مباشرة لاستمرار الاحتلال والامعان فى الاعتداءات على المقدسات وحرمان الشعب الفلسطينى من اقل حقوقة.

وعلى المستوى العسكرى بادر الجيش اللبنانى الى زيادة مراقبة الحدود واغلاق الطريق الموازى للحدود بين البلدين ودخلت قوات اليونفيل على الخط لتعلن انها على تواصل بين الطرفين لتجنب اى تطور سلبى على الجبهة التى تشهد هدوءا ملحوظا بعد حرب ٢٠٠٦ بين اسرائيل وحزب الله نتيجة توسيع مهمة قوات اليونفيل التابعة للامم المتحدة مع مناوشات حدودية محدودة وحرص من الطرفين على الحفاظ على قواعد الاشتباك بعد استهداف اسرائيل لاحد مكاتب حزب الله فى الضاحية الجنوبية وتهديد حسن نصر الله على استهداف العاصمة تل ابيب.

ويفسر حرص حزب الله على الالتزام بالهدوء وابقاء ورقة توسيع نطاق العمليات كورقة مساومة يتم التهديد بها دون تنفيذها بالفعل فالحزب ليس فى احسن احواله على الصعيد السياسى داخليا على الاقل نتيجة حالة الشغور الرئاسى وتحميله من قبل اطراف سياسية آخرى مسئولية ذلك وليس فى ورد تحمل مسئولية دخول لبنان فى مواجهة من هذا القبيل فى ظل حالة الشلل السياسى الذى يعيشه لبنان وقد يفسر ذلك تلك الاشتباكات المحدودة التى تمثلت.

فى اطلاق ثلاث قذائف صاروخية استهدفت مواقع عسكرية اسرائيلية تم اختيارها بعناية داخل منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وتلال كفر شوبا فردت تل ابيب بتوجية قصف مدفعى لمصادر النيران واستمر التراشق حوالى ساعتين مع اصابات محدودة فى الجانب اللبنانى دون اعلان اسرائيل عن خسائرها وتكرر الامر فى اليوم التالى قبل ان يعود الهدوء ولهذا تبدو تل ابيب اكثر حرصا حتى من جانب حزب الله على الحفاظ على الهدوء فى الجبهة اللبنانية فهى حتى الان لم تستوعب ماجرى على صعيد الساحة الفلسطينية وتحاول جاهدة اعادة السيطرة عليها كما ان هناك مخاوف من تصاعد الاحداث باتجاه انتفاضة فى الضفة ينضم اليها فلسطين الداخل.

 وماذا عن سوريا 

من المعروف ان سوريا كانت عرضة للعديد من الهجمات الاسرائيلية طوال الازمة التى تعيشها منذ مارس ٢٠١١ وقد تكون احداث طوفان الاقصى فرصة للانتقام ولكن الواقع يقول بان جبهة الجولان هى الاكثر هدوءا منذ حرب اكتوبر ١٩٧٣ ولهذا فقد اقتصر الموقف الرسمى السورى على نشر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية فور بداية العملية خريطة فلسطين ومن خلفها المسجد الاقصى فى رسالة تأييد للعملية واحتفى بيان الخارجية السورية بالعملية وقال ( ان فصائل المقاومة فى فلسطين المحتلة سجلت سطرا جديدا على طريق انجاز الحقوق الفلسطينية الثابته وربط بين موعد العملية والاحتفال بذكرى انتصار اكتوبر العظيم داعيا الدول العربية الى تقديم الدعم للشعب الفلسطينى وكل المناضلين من اجل الحرية والاستقلال فى العالم.

ويرى المراقبون ان سوريا قد تتعاون مع الفصائل وايران ضمن خانة الحرب على إسرائيل ودعم ولكنه لن يصل الى الانخراط فى المواجهة واقتصر الامر على اطلاق قذائف من الجانب السورى ردت عليه اسرائيل ومع استمرار القصف الإسرائيلى تم الاعلان عن خروج مطارى دمشق وحلب من الخدمة.


ونتوقف عند الساحة العراقية التى تعج بمجموعات شيعية لها مواقف من الولايات المتحدة وبالطبع اسرائيل ولهذا لم يكن غريبا ان قيادات داخل ائتلاف دولة القانون الداعم لحكومة السودانى او فى احزاب الاطار التنسيقى ومنهم نورى المالكى وقيس الخزعلى وحيدر العبادى وهادى العامرى قد سارعوا الى تأييد العملية والاعراب عن دعمهم وتاييدهم للهجمات حتى قبل ظهور موقف رسمى من الحكومة ووزارة الخارجية وكل التنظيمات السابقة لها اذرع عسكرية قد تستهدف المصالح والوجود الأمريكى فى العراق.

موقف جماعة الحوثى

كشف زعيم حركة انصار الله عبدالملك الحوثى عن وجود تنسيق تام مع محور الجهاد والمقاومة لفعل كل ما نستطيع واكد ان التنسيق فيه مستويات معينة للاحداث وخطوط حمر من ضمنها اذا تدخل الامريكى بشكل مباشر نحن مستعدون للمشاركة بقصف صاروخى والمسيرات والخيارات الاخرى ) وهكذا فان مشاركة جماعة الحوثى سيقتصر اذا حدث على استهداف مصالح امريكا واسرائيل فى البحر الاحمر وكذلك الوجود الامريكى فى منطقة الخليج ولكن الثمن الذى ستدفعه الجماعة لن يقتصر فقط على امكانية الرد. المباشر ولكنها قد تضحى بما تم انجازه فى طريق انهاء الحرب عن طريق الحوار مع السعودية.

 وماذا بعد 

ودعونا نتفق فى الاخير ان هذا رصد للمواقف الحالية والقابلة للتغيير فى حال استمرار العدوان الإسرائيلى لفترة طويلة او اقتحام غزة بريا فامكانية توسيع نطاق المواجهات مطروحة وبقوة ودخول امريكا على خط المواجهة وقد سبق لزعيم حزب الله حسين نصر الله ان هدد امريكا وقال (ان استمرار امريكا فى حصارنا وتجويعنا سنرد عليه بالتسبب بالفوضى لدى ربيبتها اسرائيل).

وسبق له ان رد على رسالة للوسيط الامريكى آموس هوكستين فى ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل بعد اطلاق الحزب مسيرات فوق حقل كاريش الاسرائيلى قال ان الحزب (مستعد للتصعيد ضد اسرائيل مقابل مواصلة امريكا الضغط علينا).