منى عبد الكريم تكتب: فى أعمال عماد إبراهيم وهانى فيصل  بطولة الإنسان العادى

لوحة للفنان: عماد إبراهيم
لوحة للفنان: عماد إبراهيم

على الرغم من اختيارهما لخامات تتسم فى ظاهرها بأنها جافة أو صلبة، إلا أن كلاً من الفنان عماد إبراهيم وهانى فيصل تمكن من استنطاق الخامة التى وظفها لتسجيل حالات من الوصل الإنسانى والمحبة تمس القلب فى أعمال معرضيهما الفرديين «لحن النور» و«أنا وحبيبى» اللذان أقيما فى نفس التوقيت بقاعتى جاليرى الزمالك للفن.

فى معرضه «لحن النور» قدم الفنان عماد إبراهيم ما يقرب من 25 لوحة بالأسود الجاف، ليسجل على الأبيض بعضًا من حكايات البشر العابرين فى حياتنا.. أولئك الذين يخرجون من ظلام الحياة وقسوتها إلى النور بطاقة الصمود والاستمرار والعطاء. حكاياته تكشف عن شخصيات حقيقة محملة ب المشاعر الإنسانية.. أياد خشنة.. وقلوب مرهفة.. ومشاعر متداخلة تتسلل إلى قلب الفنان الذى يعود بقوة إلى التشخيص فى معرضه الحالي.

اقرأ أيضاً| «يوبيل النصر» بمركز الجزيرة للفنون

اعتاد عماد فى أعماله الفنية على تسجيل يومياته، تاركا نفسه لطاقة التعبير التى تقوده فى تجربته الفنية، ومن تأملاته فى وجوه البشر وتفاصيل حياتهم اليومية فى السوق والريف والقطار، إذ ينطلق هذا المعرض من حكايات العمال الذين جاءوا لتجديد بيته.. أصوات الهدم المتكررة.. ثم ذلك الغبار الذى يغلفهم ليخرجوا منه بملامح جديدة.. يتماهون من خلالها مع الجدران التى يهدمونها، يتحولون لتماثيل حجرية تنبض بتفاصيل الحياة.. كلها أشياء تداخلت فى مخيلة الفنان.

أما عن اختيار مفردة لحن لترافق النور فى عنوان المعرض، فذلك لأن لهذا المعرض موسيقى خاصة يتذكرها الفنان بحركة الأقلام الجافة تشق بياض المسطح، تلك الأصوات التى تذكره بصوت المنشار، تتداخل مع أصوات الهدم، وكذلك مع صوت أم كلثوم الذى لا يغيب أبدا عن العمال أثناء عملهم الشاق ليؤنسهم.

والحقيقة أن الفنان عماد إبراهيم تمكن من بناء شخوصه ببراعة، إذ تبدو الأجساد ككتل حجرية صلبة، تفر منها الوجوه المرسومة من نور، والأيادى التى تمتد بالمحبة والاحتواء.. أياد هاربة من عتمة الأسود ووجوه تدهشك بصوفيتها وحالة السكينة التى تعبر عنها، إنها وجوه من نور تتطلع فى كثير من الأحيان إلى السماء، وأبطال هذا المعرض تم اقتناصهم وتسجيلهم على المسطح فى لحظة سكون تكشف بقوة عن مشاعر عميقة متأصلة، حالة تكشف فى ذات الوقت عن صمود وعن إصرار على الاستمرار فى فعل الحياة رغم المشقة.

أما الفنان "هانى فيصل" فقد قدم منحوتات بخامة الجرانيت، وهى خامة عنيدة، ورغم ذلك فقط استطاع أن يفك أسرارها ليسجل فى أعماله حالات متنوعة من الوصال بين أبطاله، ليطلق من كتل الجرانيت حالات إنسانية متنوعة من الألفة والمحبة، ليس فقط بين رفاق الحياة وإنما كذلك بينهم وبين الكائنات الحية، فى صيغ تجنح للخيال أحيانا كتلك الحالة التى امتطى فيها الزوجان أحد الطيور، أو التى وقفت فيها القطة لتتمسح بصديقها بينما هو غارق فى أفكاره.

وإذا كانت ثمة قواسم مشتركة بين الفنان هانى فيصل وعماد إبراهيم، فبخلاف تمكنهما من التكنيك وسيطرتهما على الخامة ببراعة لتطلق هذا الكم من التعبير، فإن المشترك الأهم هو اهتمامهما بالإنسان بشكل عام والمصرى بكل تفاصيله، وبحالات الوصل والمحبة.

وربما لهذا السبب اختار فيصل عنوان معرضه «أنا وحبيبي» الذى يقترب من ثقافة الإنسان العادى ويحمل كذلك دلالات متنوعة، ومنذ الوهلة الأولى يمكن أن تلمح تأثر الفنان بالشخصية المصرية فى أعماله، تأثرا يصل بين الحاضر والماضي، فبين الشخصيات العادية التى تقابلها يوميا، تحمل بملامحها ووقفتها وتفاصيل الجسد ما يؤكد أنها مصرية صميمة، وصولا للمصرى القديم بفلسفته فى النحت التى تلمح أثرها فى أعمال هانى فيصل.

وقد استغرق هانى فيصل سنوات عديدة فى فك أسرار خامة الجرانيت التى اعتدنا رؤيتها فى الأعمال الضخمة، ليستنطقها بما يسكن مخيلته، وقد بدأت علاقة هانى فيصل بخامة الجرانيت، من خلال مشاركته فى سمبوزيوم أسوان للنحت فى دورات عديدة منذ بدايته، وصولا لتوليه منصب قومسير السمبوزيوم لثلاث سنوات متتالية.

وبين البورتريهات الفردية والعلاقات الثنائية والثلاثية، يقدم الفنان مجموعته الحالية التى تعكس تطور رحلته الفنية، بداية من البورتريهات الأفريقية التى شغلته من خلال رحلته إلى كينيا للتعرف على قلب القارة الأفريقية.. وصولا لناس أسوان الذين قضى بينهم كثير من الوقت سواء بحكم تعدد أسفاره إليها للمشاركة فى سمبوزيوم أسوان للنحت أو لروابط عائلية..

ينتقل الفنان هانى فيصل من فكرة لأخرى فى كل عمل، فتارة يحتفى بالجسد الإنسانى برشاقته وتارة أخرى يحتفى بالإنسان مهما كان شكل جسده، فحتى الأجساد البدينة المترهلة لها جمالها الخاص.. تارة يسجل لحظة شرود أو الإحساس بعزة النفس، أحيانا يميل إلى كلاسيكية العمل كما فى تمثال الراهب، وأخرى للمبالغة الكاريكاتيرية، لاسيما فى علاقات الأفراد بالطيور والحيوانات، كذلك الرجل الذى يحمل قردا فوق رقبته كابنه.

كذلك يترك الفنان فى عدد من الأعمال جزءا من الخامة على خشونتها، ليبدو عمله الفنى وكأنه ينبثق كزهرة من قلب الجرانيت، وبين الأسود الذى يمنح الفرصة للتأكيد على ملامح الوجه ودرجات الرمادى التى استخدمها الفنان فى الملابس وفى قواعد التماثيل، تنوعت الأعمال التى نراها فى معرضه الحالي.

يضم المعرض ما يقرب من عشرين عملا بخامة الجرانيت الأسود، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال تتنوع بين البرونز والخشب والبازلت وكوارتزيت، وتأتى أعمال المعرض كنتاج عشر سنوات من العمل الفني، إذ استغرقت بعض القطع ما يزيد على عام ونصف حتى ينتهى منها بالشكل الذى يرضيه.