يوميات الاخبار

لحظة بكل العمر

السيد النجار
السيد النجار

السيد النجار

اقرأوا.. واسمعوا.. وشاهدوا.. ما قاله قادة العدو، جيشا وساسة.. جنودا وباحثين.. حتى لا يتوهم البعض أن ما نقوله تمجيدا لأنفسنا

نسائم العزة والكرامة التى تهل علينا هذه الأيام لنصر أكتوبر، لم نكن فى حاجة لمرور ٥٠ عاما ليكون يوبيلا ذهبيا.. ولا ٧٥ عاما ليكون ماسيا.. ولا قرنا.. ولا قرونا.. هو كذلك منذ اللحظة الأولى للنصر بعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الذى قال العالم قبل إسرائيل إنه منيع على أى خطط عسكرية وأى قدرات قتالية.. هى لحظة بالعمر كله.. لجيل عاشها.. وجيل حاضر.. وكل أجيال مصر القادمة.. هى لحظة غيرت تاريخ مصر.. المنطقة.. والعالم.. بكل معانى التغيير الكبير.. هى لحظة كل المجد المصرى والعربى.. هى لحظة المجد للجيش المصرى.. مجد لشعب كان السند الداعم لجيشه.


اقرأوا.. واسمعوا.. وشاهدوا.. ما قاله قادة العدو، جيشا وساسة.. جنودا وباحثين.. حتى لا يتوهم البعض أن ما نقوله تمجيدا لأنفسنا.. أو مناسبة مدح وإشادة فى مسابقات سوق عكاظ.. اقرأوا ماذا قالت لجنة التحقيق الإسرائيلية «أجرانات» التى كلفتها الحكومة الإسرائيلية للتحقيق فى أسباب هزيمة جيشها.. وماذا قالت مراكز الأبحاث الإسرائيلية.. ومعاهد الاستراتيجية العسكرية العالمية.. وهنا أشير فقط إلى شذرات متناثرة.. لنعى الحدث.. ونعرف بطولات جيشنا.. لن نقول نحن ماذا حدث.. لنترك لهم.. هم.. ماذا قالوا:
الحقونا.. إسرائيل تضيع.. ستفنى من الوجود.. الجيش المصرى سيدمر إسرائيل.. كانت هذه صرخة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل للرئيس الأمريكى نيكسون فى اليوم الثانى للحرب ٧ أكتوبر.. طالبة زيارة عاجلة لأمريكا.. ولكن الداهية هنرى كيسنجر وزير الخارجية.. قال لها لا تتركى إسرائيل الآن.. هذا دليل للعالم أن المصريين ألحقوا بكم هزيمة قاسية.. لا تأت ونحن نتعهد لإسرائيل بما تريد.. ولكنها ألحت فى الزيارة.. لم تكفها صرخات النجدة فى التليفون.. أرادت أن تكون الصرخة مدوية فى وجوه الأمريكان.. قالوا إن كان لابد.. لتكن زيارة سرية.. وهذا ما حدث زيارة لعدة ساعات تعهدت فيها أمريكا بتعويض كامل الأسلحة التى دمرها المصريون.. قال كيسنجر بعد ثلاثة أيام أدركت أن إسرائيل على حافة الكارثة.. كنا فى السادسة صباحا.. أيقظت الرئيس وعقدنا على الفور اجتماعا

شاملا.. كان لحظة فارقة فى دعمنا لإسرائيل.. وبالفعل.. لأول مرة فى التاريخ الأمريكى يتم نقل السلاح مباشرة من المصانع عبر جسر جوى بطائرات الجيش الأمريكى إلى أرض المعارك بسيناء.. وفى نفس الوقت تمارس الدبلوماسية الأمريكية مراوغتها لوقف اصدار قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار، حتى تتمكن إسرائيل من تحقيق تقدم عسكرى على الأرض يقوى موقفها التفاوضى، وهو ما تخيلوا أنه حدث مع اختراق ثغرة الدفرسوار.. الثغرة التى قال عنها شارون قائد العمليات فيها، إنها كانت خطأ جسيماً لم يكن لها داع، ولا قيمة لعبورنا غرب القناة، قال كيسنجر كنا نفعل كل ذلك فى ظروف صعبة حتى لا يبدو بوضوح تواطؤ الموقف الأمريكى للعالم، وخاصة السوفيت.
من قال كل هذا.. وغيره الكثير.. هم من قالوه كتابة فى مذكراتهم.. وصوتاً وصورة فى حواراتهم التليفزيونية.. قالوا.. المصريون محوا عار هزيمة ٦٧.. وكسروا أنفنا وذراعنا الطولى.. وأرجلنا أيضا وحققوا معجزة عسكرية.. ألحقوا الذل والعار بالجيش الإسرائيلى.
النسبة الأعظم من الشعب المصرى لم تعش لحظة العمر فى حرب مصر المقدسة التى انطلقت ضد العدو الإسرائيلى فى الثانية ظهر ٦ أكتوبر ٧٣.. من حق هذه الأجيال أن تعيش إحساس هذه اللحظات.. وأن تظل بطولات الآباء والأجداد فى جيشه العظيم حية فى الوجدان.. هنا.. حق التحية والتقدير «للمجموعة ٧٣- مؤرخين» التى وضعت هذا هدفا لها بإحياء ذاكرة النصر وبطولاته بالتوثيق والشهادات الحية.
المبدع اللامع ياسر رزق.. كان قديرا خلال توليه رئاسة مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم.. الإعداد لاحتفالات ضخمة تنظمها المؤسسة فى ذكرى مرور ٥٠ عاما على انتصار مصر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ لتحرير سيناء المقدسة من العدو الإسرائيلى قال إن حربا غيرت مفاهيم الاستراتيجية العسكرية فى العالم، لابد أن يكون الاحتفال باليوبيل الذهبى لها على مستوى يرقى إلى العالمية.. لذا يجب البدء فى الإعداد قبل المناسبة بسنوات.. تكون شاملة ومتنوعة.. مؤتمرا علميا عن انتصار الجيش العظيم وبطولات أبنائنا فى الحرب.. مباراة كرة قدم بين فريق عالمى والمنتخب المصرى.. بطولة بين الأندية المصرية لكأس النصر.. سلسلة ندوات.. حفلات فنية.. وغيرها كثير.. ويخصص دخل كل هذا لصالح صندوق رعاية أسر الشهداء.. أراد ياسر رزق شيئاً.. وشاءت أقدار الله شيئاً آخر.
الهند.. تضىء القمر!
اعتدت أن أقرأ كثيرا عن أى دولة أزورها.. ورغم ذلك لا يسلم الأمر من سؤال ليس فى محله.. عام ١٩٨٤ زرت الهند مع وفد صحفى فى اطار تبادل ثقافى مع مصر.. ولاحظت انهم يتحدثون الانجليزية فى مواقع العمل.. الوزارات.. عامة الناس بالشوارع.. سألت المرافق لنا.. لماذا لا تتحدثون اللغة الهندية.. ابتسم الرجل ضاحكا.. كيف.. نحن أمة تتحدث ٧٢٠ لغة ولهجة، منها ٥ لغات رسمية.. لن نفهم بعضنا أبدا لو كل تحدث بلغته.. ابتسمت محدثا نفسى.. سيكون فعلا حوار الطرشان.. وأكمل الرجل.. لذا.. اللغة الرسمية للدولة هى الهندية.. ولكن فعليا الانجليزية هى السائدة حتى فى المكاتبات بين الوزارات والولايات.
كانت رحلتى للهند ثرية.. شيقة.. رغم متاعب الترحال بالطائرة من ولاية لأخرى.. هذا تجمع متعدد الأديان والأعراق والثقافات والعادات والتقاليد.. وفى تحقيق صحفى نشرته بالأخبار.. قلت.. لا تنخدعوا.. قد تبدو المظاهر أن الهند فقيرة ولكنه مظهر خادع.. فالهند كدولة.. قوية.. وجدا.. انتظروا.. الهند قادمة وبقوة على الساحة العالمية.
لم يفاجئنى نجاح التجربة الهندية على مدار السنوات الماضية.. والجديرة بالاهتمام.. بعد رحيل الاحتلال الانجليزى.. وانقسام القارة الهندية إلى الهند وباكستان عام ١٩٤٨.. أعلنت الجمهورية عام ١٩٥٠.. اعترض مسار حياتها كثير من الحروب الخارجية والصراعات الداخلية، خاصة الطائفية الدينية منها، حتى استقرت الأحوال عام ١٩٩٠.. وبدأت الهند مشوار انطلاقها وعلى مدى ٢٠ عاما أصبحت سادس أكبر قوة عالميا.. وخامس اقتصاد عالمى وثالث قوة عسكرية.. وغيرها من الأرقام المتقدمة فى الكثير من المجالات.
ولكن ما كان مفاجئا.. وللعالم كله.. تاريخ صنعته الهند.. حققت اختراقا مدويا فى غزو الفضاء.. نجحت مركبة فضاء هندية فى الهبوط على القمر، لتكون الدولة الرابعة.. ولكنها الأولى بالهبوط على القطب الجنوبى المجهول فى القمر والذى يسمى الجانب المظلم.. الذى لا نراه.. ولا تراه الشمس.. أضاءت الهند القمر «المضلم» بعد اسبوع من تحطم مركبة الفضاء الروسية وفشل هبوطها فى هذا الموقع.. أهمية السباق العالمى للوصول إليه.. اعتقاد العلماء بأنه المستقبل الحقيقى لاستثمار الفضاء بإمكانية وجود حياة، ووجود ثروات معدنية نادرة وثمينة.. ومهمة لاستخدامات الطاقة النووية والأجهزة الذكية.. كل كان يهرول للوصول قبل الآخر.. أمريكا.. روسيا.. الصين.. اليابان.. ونجحت الهند!
جانا الهوى.. بالمغربى
فى المغرب.. تتواصل أغانى عبدالحليم حافظ من كاسيت سيارة الوفد المصرى.. تصورت أنها مجاملة لنا.. ولكن الملاحظة المدهشة.. أغانى عبدالحليم وأم كلثوم وغيرهما من أغانى مطربى مصر الكبار.. تتردد فى المقاهى.. السيارات.. البيوت.. حتى اللهجة المصرية يتحدثونها بطلاقة.. سألت.. قالوا.. نحن عشاق للفن المصرى.. غناء.. سينما.. ونتابع مواعيد الدراما.. ومنه تعلمنا العامية المصرية.. وأخذ بعضهم يردد مقاطع بتقليد أبطال بعض الأفلام والمسلسلات.. والمفاجأة التى اثارت فى نفسى البهجة فيديو شاهدته مؤخرا لحفل فى ستاد رياضى يحضره آلاف المشاهدين.. فرقة موسيقية «فرقة أمين بودشارد» يقودها شاب.. يقدم موسيقى أغنية جانا الهوى لعبدالحليم.. الفرقة تعزف والجمهور يغنى.. اطفالا.. شبابا.. كبارا.. فتيات ونساء ورجالا.. كل الأجيال.. لم تنقرض حالة العشق المغربى للفن المصرى، لتكون بين الكبار فقط.. أدرك أن الجمهور المغربى ذو ذوق فنى رفيع واحساس راق.. ولكن هذه الحالة فى فيديو «فرقة بودشارد».. تأكيد لما هو مؤكد.. الفن الراقى باق.. الكلمات الجميلة محفورة فى الوجدان.. اللحن الشجى خالد.. الفنان.. المطرب المحب لفنه لا يموت.. أما جيل يدعى انه من أهل الفن.. عاش بحثا عن الشهرة والمال فلا فن أبقى.. ولا ذكرى له.. تحت الثرى!
رحمة المفترس!
كثير من الأقوال المأثورة.. والأمثلة فى حياتنا تحتاج إلى مراجعة أو تدبر.. كثير منها توارثناه بالخطأ.. وهى كثيرة.. ولسنا فى صدد الحصر، وانما الاشارة إلى مثال منها «إنها غابة.. يأكل القوى فيها الضعيف».. أو «انهم مثل السمك يأكل الكبير فيها الصغير».. وغيره كثير.. والغريب أنها تدور حول القوة والضعف.. وفحواها غياب الرحمة والعدل.. شاهدت على فضائية ناشيونال جيوجرافيك لقطة لم تتعد دقيقتين.. فهد مفترس يصطاد فريسته.. ينأى بها بعيدا كعادته لبدء التهام الفريسة.. وإذ بها قرد صغير السن.. وإذ بالفهد يمتنع عن افتراسه.. وأخذ يحنو عليه ويربت على جسده.. ثم يتركه ويذهب لحاله.


هل ممكن أن تتغير طباع الانسان.. ممكن.. ولكن فقط بالعدل والرحمة التى وضها الله فى قلب الحيوان المفترس.. ولله فى خلقه شئون!
همس النفس
سيدتى.. احتفلى كما تشائين.. بيوم مولدك.. احتفلى بلحظة خفقان قلب وابتسامة عيون خجلى.. واحاسيس هزت الوجدان.. احتفلى بذكرى كل من دق عليك الأبواب.. احتفلى بذكرى تنم وترانيم عشق وشوق وحنين.. احتفلى بكل أيام.. وكل مواقيت سعيدة.. احتفلى كما تشائين.. أما أنا.. لا ذكرى لى.. ولا احتفال لدى.. إلا أول لقاء.. ترفقى.. أصبح الحال.. يحول من حول إلى حول.. وذات الحسن عن اللقاء غائب.