«شت داون» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

محمد كمال سالم
محمد كمال سالم

الأجراس والمآذن ترفع وجهها للسماء, تصلي لربها داعية: اللهم بلِغنا الأعياد.

صورة من اشتقت إليه, رأيتها كالطيف من خلف غيمات الزمن العتيق فوق ربوة خضراء, صورة مشوشة سرعان ما تغيب وتتركني لحيرتي.

ولما فرغت؛ انتهيت من حيث بدأت, أجر طاولتي إلي حيث نافذتي الباردة, كما كنت أفعل صغيرًا عندما تعرفت للمرة الأولى علي قلمي, وأوراق أسراري البريئة.

هأنا أعود إليها أتدثر ببعض حكاياتي القديمة, أصطحب حاسوبي بشاشته الزرقاء التي سأدون عليها خواطري.

 ولكني اشتقت لأوراق تدويني ورائحتها التي تركت ذاكرتها في عقلي وتوارت مع أيامها الخضراء, لقد قاسمتني حلو خلجاتي ومرها, حتى فنجان قهوتي قاسمتني فيه لما اهتزت يدي وهي في طريقها لفمي, وظلت بقعتها عليها عالقة كما ذكرياتي الباهتة.

وبقيت فقط شاشتي الزرقاء بدون رائحة, أخافها أحيانًا, لعلها تحمل فيروس نهايتي.

أجلس هنا وحيدا, أحدق في الأفق البعيد, لعل السماء تمطر مفردات جديدة غير التي مللتها, أكون أول من يلتقطها.

لكن علي البعد مازالت تلك النجمات غائبة, لم يكتمل برجها الفضي بعد, يقولون:

إنها تظل علي الرؤى حتى بعد موتها!

أين ذهبت إذًا؟

كانت بوصلتي التي تهديني, والأنيس الخليل كلما غاب النديم. خضت حياتي في خضم نهر من البشر, أجلس الآن وحيدًا بلا نديم.

 

كان لابد أن أبحث عن خاتمة طالما تمنيتها, عمن اشتقت إليه فوق تلك الربوة.

أرشدوني: طريقك طويل إلي هذا الناسك,  لكنك أوشكت بلوغ غايتك, توجه إلي حيث تذهب الشمس عند كل أصيل.

درب طويل متعرج, سهل ثم تل ثم درج مرتفع, نال مني الجهد, وبرح بي التعب, وفقدت الأمل في وجود ربوتي الخضراء, ربما كنت واهمًا, أو لعلها أحلام اليقظة.

جلست أركن ظهري لصخرة, أتأهب لطريق عودتي الطويل.

ومع انحدار قرص الشمس ينتوي الرحيل،، رأيتها !!!

هي غايتي, هاهي الربوة الخضراء يسكنها من اشتقت إليه.

غززت السير إليها والصعود, فوجدته يجلس هناك, أمام كوخ من البوص والقش, شيخ يعلوه الوقار والسكينة، تكسو لحيته شديدة البياض معظم وجهه وبعض من صدره, تضفي عليه البهاء.

 توقفت أنامله عن حصى مسبحته, ونظر إلي نظرة فيها سؤال؟

قلت: أعلم أنك تعرف ما مررت به في طريقي إليك ؛ فلا تؤاخذني.

أطرق ناظرًا بين قدمي, ثم قال:

طال انتظاري قدومك,  كان أدعى لك أن تأتي مبكرًا.

قلت: غابت عني الفطنة طويلًا, ولما وجدتها, وجدتني أسير إليك.

أشار إليَ بالاقتراب, دنوت منه ثم دنوت, ذاب كفص ملح واختفى, وصرت أنا هو, وسمعت من يناديني حينها: اطو حاسوبك واسترح.