«كتالوج» بيريز

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭  ‬تتفاعل‭ ‬الأحداث‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فى‭ ‬تسارع،‭ ‬تتغير‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والولاءات‭ ‬وتتولد‭ ‬المصطلحات‭ ‬التى‭ ‬تحاول‭ ‬طلاء‭ ‬الحقائق‭ ‬الصادمة‭ ‬والثابتة‭ ‬بألوان‭ ‬وردية،‭ ‬تتقافز‭ ‬المشروعات‭ ‬فى‭ ‬حلبة‭ ‬السيرك‭ ‬السياسى‭ ‬الدولى‭ ‬مابين‭ ‬ممرات‭ ‬خضراء‭ ‬وصفراء‭ ‬وحمراء‭ ‬محاولة‭ ‬أن‭ ‬تضفى‭ ‬البهجة‭ ‬على‭ ‬المشاهدين‭ ‬بألوانها‭ ‬الزاهية‭ ‬ولكنها‭ ‬تخفى‭ ‬داخلها‭ ‬ماتخفى‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬قاتمة‭ ‬وسوداوية‭. ‬

لامانع‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬التفاعلات‭ ‬الصاخبة‭ ‬أن‭ ‬تشن‭ ‬حملات‭ ‬الهجوم‭ ‬وتدوى‭ ‬أصوات‭ ‬مدافع‭ ‬الشائعات‭ ‬والتشكيك‭ ‬وتتشكل‭ ‬دوائر‭ ‬الحصار‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬ماهو‭ ‬شريف‭ ‬وثابت‭ ‬ووطنى،‭ ‬وتتساءل‭ ‬هل‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬يشن‭ ‬ويدوى‭ ‬ويتشكل‭ ‬أصدقاء‭ ‬الأمس‭ ‬أعداء‭ ‬اليوم‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬الجميع‭ ‬أنهم‭ ‬الأعداء‭ ‬فى‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭ ‬والغد‭ ‬أيضا‭. ‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬حدوث‭ ‬هذا‭ ‬الصخب‭ ‬الأوسطى‭ ‬مفاجأة‭ ‬غير‭ ‬سارة‭ ‬متمنيًا‭ ‬الاختباء‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭ ‬حتى‭ ‬تمر‭ ‬العاصفة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يسلم‭ ‬مقدراته‭ ‬لصانعى‭ ‬الصخب‭ ‬والسير‭ ‬فى‭ ‬ركابهم‭.‬

بالنسبة‭ ‬للأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬العريقة‭ ‬فى‭ ‬حضارتها‭ ‬فهى‭ ‬لاتعرف‭ ‬ولا‭ ‬تعترف‭ ‬بهذا‭ ‬التسليم‭ ‬ولن‭ ‬تصفق‭ ‬للصغار‭ ‬صانعى‭ ‬الصخب‭ ‬بل‭ ‬معاركها‭ ‬وتاريخها‭ ‬شاهدين‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬دائمًا‭ ‬صاحبة‭ ‬الكلمة‭ ‬والمواجهة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ليعود‭ ‬بعدها‭ ‬الصغار‭ ‬إلى‭ ‬هدوئهم‭ ‬وينهى‭ ‬السيرك‭ ‬ومن‭ ‬يديرونه‭ ‬دوليًا‭ ‬ألعابهم‭ ‬بعد‭ ‬دفع‭ ‬الصغار‭ ‬ثمن‭ ‬التذاكر‭ ‬أضعاف‭ ‬مضاعفة‭ ‬متخيلين‭ ‬أنهم‭ ‬مشاركين‭ ‬فى‭ ‬اللعبة‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنهم‭ ‬هم‭ ‬اللعبة‭. ‬

نعود‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬‭"‬الفجأة‭ " ‬التى‭ ‬يتصورها‭ ‬البعض‭ ‬ظانين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬الصاخبة‭ ‬قذفها‭ ‬علينا‭ ‬طقس‭ ‬سياسى‭ ‬دولى‭ ‬عاصف‭ ‬دون‭ ‬مقدمات‭ ‬ولاحيلة‭ ‬فيمن‭ ‬تورط‭ ‬فيها‭ ‬تعفيه‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬لماذا‭ ‬تشارك‭ ‬فى‭ ‬الصخب‭ ‬بل‭ ‬وتفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬للعواصف‭ ‬كى‭ ‬تتوجه‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يضعونك‭ ‬فى‭ ‬خانة‭ ‬الأصدقاء؟

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شارك‭ ‬ويشارك‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الصخب‭ ‬ذهب‭ ‬بإرادته‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بالذهاب‭ ‬لكنه‭ ‬تزاحم‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬مدركًا‭ ‬جيدًا‭ ‬حجم‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬ومدى‭ ‬التأثير‭ ‬الضار‭ ‬لفعله‭.‬

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬سرية‭ ‬أو‭ ‬اللقاء‭ ‬بمصادر‭ ‬مطلعة‭ ‬عليمة‭ ‬ببواطن‭ ‬الأمور،‭ ‬تكمن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحقيقة‭ ‬كلها‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬قديم‭ ‬صدر‭ ‬قبل‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬بعنوان‭ " ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ " ‬تأليف‭ ‬شيمون‭ ‬بيريز‭ ‬التلميذ‭ ‬النجيب‭ ‬لبن‭ ‬جوريون‭ ‬مؤسس‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومدير‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وأخيرًا‭ ‬رئيس‭ ‬إسرائيل‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬2016‭.‬

تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لأن‭ ‬بيريز‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شخصًا‭ ‬عاديًا‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬المخطط‭ ‬لكافة‭ ‬القفزات‭ ‬الكبرى‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬تم‭ ‬زرعها‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬لعام‭ ‬1948‭ ‬ويؤمن‭ ‬بأن‭ ‬اسرائيل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سواء‭ ‬بالحرب‭ ‬أو‭ ‬مايسمى‭ ‬بالسلم‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬جوهره‭ ‬هيمنة‭ ‬استعمارية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬فرض‭ ‬نظام‭ ‬إقليمى‭ ‬بالمعاهدات‭ ‬والاتفاقات‭ ‬السياسية‭ / ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬خاصة‭ ‬التى‭ ‬تتركز‭ ‬فيها‭ ‬الثروات‭ ‬الريعية‭.‬

فى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬بيريز‭ ‬وقت‭ ‬استخدام‭ ‬الحرب‭ ‬لفرض‭ ‬الهيمنة،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬شابًا‭ ‬وعضوًا‭ ‬فى‭ ‬منظمة‭ ‬الهاجناه‭ ‬تم‭ ‬تكليفه‭ ‬بجمع‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬مكان‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬استعدادًا‭ ‬لحرب‭ ‬48‭ ‬وخاصة‭ ‬الطائرات،‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬مهندس‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬1956‭ ‬مع‭ ‬الانجليز‭ ‬والفرنسيين‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬الخطة‭ ‬كاملة‭ ‬لهذا‭ ‬العدوان‭ ‬فى‭ ‬بلدة‭ " ‬سيفر‭ " ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬باريس‭ ‬بمشاركة‭ ‬حلفائه‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬يبدأ‭ ‬العدوان‭ ‬بالهجوم‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬على‭ ‬سيناء‭ ‬يعقبه‭ ‬تدخل‭ ‬انجليزى‭ ‬فرنسى‭ ‬بحجة‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬القناة‭.‬

يقفز‭ ‬بيريز‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬العدوان‭ ‬إلى‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬إسرائيل‭ ‬للقوة‭ ‬النووية‭ ‬حتى‭ ‬تردع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬ويستطيع‭ ‬باتفاق‭ ‬فرنسى‭ ‬وتمويل‭ ‬من‭ ‬أثرياء‭ ‬اليهود‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬إنشاء‭ ‬مفاعل‭ ‬ديمونة‭ ‬بصحراء‭ ‬النقب‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بيريز‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬كعامل‭ ‬سلمى‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامه‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬المحيطة‭ ‬بإسرائيل‭.‬

نظرة‭ ‬بيريز‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬التقليدى‭ ‬والنووى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحليلات‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬وثائقى‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬نتفيلكس‭ ‬عرضته‭ ‬العام‭ ‬الماضى‭ ‬وضم‭ ‬حوارات‭ ‬مسجلة‭ ‬معه‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬ودائمًا‭ ‬ماتفاخر‭ "‬رجل‭ ‬السلام‭" ‬أثناء‭ ‬هذه‭ ‬الحوارات‭ ‬بهذه‭ ‬القدرة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فى‭ ‬الهيمنة‭ ‬والتى‭ ‬أسهم‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬صناعتها‭. ‬

عندما‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬شيمون‭ ‬بيريز‭ "‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ألجديد‭" ‬أو‭ "‬الكتالوج‭" ‬المفسر‭ ‬للصخب‭ ‬الحالى‭ ‬والممرات‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬الخضراء‭ ‬والحمراء،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬فى‭ ‬النسخة‭ ‬العربية‭ ‬يضع‭ ‬تحذيرًا‭ ‬قبل‭ ‬القراءة‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬قراءة‭ ‬مابين‭ ‬سطور‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭ ‬وأن‭ ‬طرح‭ ‬بيريز‭ ‬الموضوعى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬والبضاعة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الدبابة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تشبعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالسلاح‭ ‬ولكن‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬أصبح‭ ‬مكلفًا‭ ‬على‭ ‬الأجيال‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحالية‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬ترفض‭ ‬دفعه‭. ‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬الذى‭ ‬جعل‭ ‬بيريز‭ ‬يضع‭ ‬هذا‭ " ‬الكتالوج‭ " ‬للهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بأسلوب‭ ‬جديد‭ ‬فيتعلق‭ ‬بسقوط‭ ‬مفهوم‭ ‬العمق‭ ‬الاستراتيجى‭ ‬نتيجة‭ ‬لتطور‭ ‬الصواريخ‭ ‬البالستية‭ ‬التى‭ ‬تستطيع‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬مكان‭ ‬فتسقط‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلى‭. ‬

عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬كنصيحة‭ ‬المترجم‭ ‬تظهر‭ ‬أول‭ ‬التفسيرات‭ ‬لحالة‭ ‬التحركات‭ ‬العدائية‭ ‬الدائمة‭ ‬تجاه‭ ‬مصر‭ ‬والتى‭ ‬تكون‭ ‬إسرائيل‭ ‬وداعميها‭ ‬خلفها‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬إدارتها‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الستار،‭ ‬فبيريز‭ ‬فى‭ ‬خبث‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬كتعايش‭ ‬ولكنه‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬سلام‭ ‬تحقق‭ ‬نتيجة‭ ‬عجز‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أى‭ ‬مكاسب‭ ‬بالحرب‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬يجب‭ ‬تجنبها‭ ‬أو‭ ‬تجنب‭ ‬مصر‭ ‬بالكامل‭ ‬وتحييدها‭ ‬ففى‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬بعنوان‭ (‬على‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭) ‬يقول‭ ‬يجب‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬والسلاح‭ ‬إلى‭ ‬المعاهدات‭ ‬والاتفاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬والمتعددة‭ ‬والتي‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬وتغطي‭ ‬كافة‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬تصله‭ ‬الصواريخ‭ ‬القاتلة،‭ ‬السؤال‭ ‬هنا‭ ‬ماهى‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬تجاوزها‭ ‬يالمعاهدات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الثنائية‭ ‬؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬الإجابة‭ ‬معروفة‭. ‬

تتضح‭ ‬الصورة‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬يتكلم‭ ‬بيريز‭ ‬بغيظ‭ ‬ومرارة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬بصلابتها‭ ‬فهى‭ ‬من‭ ‬أنهت‭ ‬أوهام‭ ‬القوة‭ ‬والغطرسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فبيريز‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬القوة‭ ‬المصرية‭. ‬

فحرب‭ ‬يونيو‭ ‬67‭ ‬التى‭ ‬يعدها‭ ‬بيريز‭ ‬انتصارًا‭ ‬وانتظرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعدها‭ ‬تحقيق‭ ‬المكاسب‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬كارثى‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬نتيجة‭ ‬رفض‭ ‬مصر‭ ‬للهزيمة‭ ‬وكان‭ ‬الرد‭ ‬الأول‭ ‬باللاءات‭ ‬الثلاث‭ ‬فى‭ ‬مؤتمر‭ ‬الخرطوم‭ ‬أغسطس‭ ‬67‭ ‬وبعدها‭ ‬أطلق‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬عبارته‭ ‬الحاسمة‭ ‬ما‭ ‬أخذ‭ ‬بالقوة‭ ‬لايسترد‭ ‬إلا‭ ‬بالقوة‭ ‬يقول‭ ‬بيريز‭ "‬جاءت‭ ‬اللاءات‭ ‬الثلاثة‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬الخرطوم‭ ‬لا‭ ‬للاعتراف‭ ‬بـِ‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬للتفاوض‭ ‬لا‭ ‬للصلح‭ ‬ولم‭ ‬تكد‭ ‬تمضي‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬حتى‭ ‬أطلق‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬القول‭ ‬المعروف‭ ‬ما‭ ‬أُخذ‭ ‬بالقوة‭ ‬لن‭ ‬يسترَد‭ ‬إلا‭ ‬بالقوة‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كسبت‭ ‬لنفسها‭ ‬مشكلات‭ ‬أمنية‭ ‬جديدة‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬أما‭ ‬النفير‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬الظهيرة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬المصيرى‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬فقد‭ ‬أنهى‭ ‬عهد‭ ‬السكينة‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬وفجر‭ ‬فقاعة‭ ‬ثقتها‭ ‬بالنفس‭ ‬وتعرضت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬ودفع‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬المجندين‭ ‬حياته‭ ‬ثمنًا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬وطننا‭". ‬

الغريب‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬يأتى‭ ‬صهيونى‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬جاريد‭ ‬كوشنر‭ ‬صهر‭ ‬ترامب‭ ‬ومهندس‭ ‬ماسمى‭ ‬بالاتفاقات‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬وهى‭ ‬الخارجة‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬شيمون‭ ‬بيريز‭ ‬ويبدى‭ ‬غضبه‭ ‬الشديد‭ ‬فى‭ ‬مذكراته‭ "‬‭ ‬انكسار‭ ‬التاريخ‭"‬من‭ ‬قمة‭ ‬الخرطوم‭ ‬واللاءات‭ ‬الثلاث‭ ‬بزعامة‭ ‬مصر‭ ‬ويرى‭ ‬كوشنر‭ ‬أن‭ ‬دخول‭ ‬السودان‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬بالاتفاق‭ ‬الابراهيمى‭ ‬يحمل‭ ‬قيمة‭ ‬رمزية‭ ‬هامة‭ ‬لأنه‭ ‬ينهى‭ ‬عهد‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬البغيضة‭ ‬كما‭ ‬يصف‭ ‬كوشنر‭ ‬إعلان‭ ‬اللاءات‭ ‬الثلاث،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللاءات‭ ‬الثلاث‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬عقدة‭ ‬نفسية‭ ‬عميقة‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬الصهاينة‭.‬

بالنسبة‭ ‬لحديث‭ ‬الممرات‭ ‬الخضراء‭ ‬والصفراء‭ " ‬فكتالوج‭ " ‬بيريز‭ ‬أو‭ ‬شرق‭ ‬أوسطه‭ ‬الجديد‭ ‬يحمل‭ ‬كافة‭ ‬التصورات‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الصخب‭ ‬الحادث‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬وخطوط‭ ‬مواصلات‭ ‬وممرات‭ ‬لنقل‭ ‬البضائع‭ ‬محورها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تكون‭ ‬برعاية‭ ‬أمريكية‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬إقامة‭ ‬كونسرتيومات‭ ‬دولية‭ ‬تتولى‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬برأسمال‭ ‬مفتوح‭ ‬وهائل‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ " ‬ممر‭ ‬بايدن‭ " ‬أو‭ "‬الممرات‭ ‬الخضراء‭ " ‬وبالتأكيد‭ ‬فهذه‭ ‬المشاريع‭ ‬محورها‭ ‬قيادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬لها‭ ‬والتى‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬المحورى‭ ‬بتعالى‭ ‬وغرور‭ ‬ولكن‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقات‭ ‬خالصة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬التى‭ ‬تراها‭ ‬تحقق‭ ‬مصالحها‭.‬

إن‭ ‬حالة‭ ‬الفرح‭ ‬التى‭ ‬يصنعها‭ ‬الصاخبون‭ ‬متصورون‭ ‬أنهم‭ ‬ابتكروا‭ ‬ماهو‭ ‬جديد‭ ‬وأن‭ ‬كافة‭ ‬المعادلات‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سيغيرها‭ ‬هذا‭ ‬الصخب‭ ‬وتتبدل‭ ‬داخل‭ ‬السيرك‭ ‬الإقليمى‭ ‬لعلهم‭ ‬يكتشفون‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الآوان‭ ‬أن‭ ‬مايظنونه‭ ‬جديدًا‭ ‬ومبتكرًا‭ ‬ماهو‭ ‬إلا‭ ‬أمر‭ ‬قديم‭ ‬معد‭ ‬مسبقًا‭ ‬فى‭ "‬كتالوج‭" ‬بيريز‭ ‬لتفصيل‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬إسرائيل‭ ‬دون‭ ‬اي‭ ‬مكاسب‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التفصيل‭.‬

تبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬الفرحون‭ ‬بصخبهم‭ ‬أن‭ ‬تغيير‭ ‬المعادلات‭ ‬والوقائع‭ ‬والتاريخ‭ ‬تقف‭ ‬وراءه‭ ‬الأمم‭ ‬الكبرى‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬داخل‭ ‬الحفلات‭ ‬وبالدعاية‭ ‬أو‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬أزرار‭ ‬تطبيقات‭ ‬الموبايل،‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬تصنعه‭ ‬أرواح‭ ‬ودماء‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬وقفوا‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬الحرب‭ ‬فحققوا‭ ‬النصر‭ ‬وأجبروا‭ ‬عدوهم‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬بصيغة‭ ‬السلام‭. ‬


 

;