30 عامًا على رحيل «اللحن الحلو»

وردة تسمتع إلى لحن أغنية العيون السود من زوجها بليغ
وردة تسمتع إلى لحن أغنية العيون السود من زوجها بليغ

■ كتب: عصام عـطية

ثلاثون عاما مرت على رحيل الموسيقار الكبير بليغ حمدي، لكنها لم تبعد التواصل مع موسيقاه وأغنياته، بل راكمت زمنا من التأمل فى عبقريته الفنية الفريدة وغزارة ألحانه، فى شخصيته وطيبته، فى غربته وآلامه.

لعل مرور هذه الأعوام الطويلة على رحيل بليغ حمدي، أفضت إلى رؤية كيف صنع عبر ألحانه الرائعة، جزءا كبيراً من تاريخ الموسيقى العربية، وكم كان هذا الفنان يعيش بأفكاره وسط الغيوم، وبقدميه فى واقع صاخب، حيوي، متنوع.

■ بليغ اكتشف عفاف راضي

كان لبليغ تجارب فنية ثرية ممتدة مع كثير من الفنانين، لا تقل روعة عن تجاربه مع وردة وحليم، مثل أغنية «عدوية»، و«متى أشوفك» لمحمد رشدي، و«بهية» لمحمد العـزبى، ومجموعة كبيرة من الأغانى مع صباح، لعل أشهرها: «يانا يانا» و«زى العسل»؛ أيضاً أغنيات شادية المميزة من ألحانه، مثل «آه يا أسمراني اللون»، و«قولوا لعين الشمس»، «يا حبيبتى يا مصر»، كما لحن لها كل أغنيات فيلم «شيء من الخوف»، بتأثير الأغنية المستلهمة من التراث الصعيدى «يا عينى يا عينى ع الوله».

ترك بليغ بصمته على أغنيات نجاة الصغيرة، كما فى «الطير مسافر»، «ليلة من ليالي»، و«أنا بستناك»، و«نسي» وغيرها. كما لا يمكننا أن نغفل فى مسيرته الفنية، تجربته الصوفية مع الشيخ النقشبندي، حين لحن له أغنية «مولاى إنى ببابك»، وعدة تواشيح دينية أخرى. 

◄ اقرأ أيضًا | أوبرا الإسكندرية تحتفل بذكرى رحيل الموسيقار بليغ حمدي

■ بليغ يلحن لحليم

جاءت ألحانه نغمه توحى بذاك الشغف والهيام العاطفى الشجي. ولعل إحدى ميزات موسيقاه أيضاً، وما جعلها أكثر حضورا بين أجيال الشباب حتى الآن، هى الحيوية التى تسكن معظم مقطوعاته، فينتقل بسلاسة عذبة من الشجن إلى إيقاع راقص يدفع الأجساد إلى الحركة، بينما فى أغنيات أخرى توجد جمل موسيقية تحمل توتر الأغنيات الحماسية. وهذا نجده للمفارقة، فى بعض الأغانى العاطفية كما فى أغنية «أنا كل ما قول التوبة»، التى غناها عبدالحليم حافظ، من كلمات عبدالرحمن الأبنودي.

أحب بليغ وردة وتزوجها من 1972 حتى 1978، وشكلت قصتها معه، حكاية الحب الأساسية فى حياته، وما أشيع عنه من حكايات بعد وردة لم تتجاوز حيز المغامرات العاطفية الشاردة، لكن تبدو أغنيات وردة مع بليغ مزيجا معبرا عن قوة الحب بينهما بكل مراحله، إنها أغنيات متوهجة نابضة بتدفق عاطفى جعلها قوية التأثير والحضور منذ ظهورها وحتى الآن. وما زالت أغنيات مثل: «العيون السود»، «خليك هنا خليك»، «اسمعوني»، «دندنه»، «مالى وأنا مالي»، «وحشتوني»، «احضنوا الأيام»، «عايزة معجزة»، «حكايتى مع الزمن»، «لو سألوك عليا» وغيرها، حاضرة فى كل المناسبات، ويستلهم منها الفنانون كوبليهات يرددونها فى حفلاتهم.

حين وقع الفراق بين بليغ ووردة، وامتد سنوات، كتب لها أغنية «بودعك» وهو نادراً ما يكتب كلمات أغنياته، وقيل إنه فعل هذا أيضاً مع مطلع أغنية «العيون السود»، التى دون أول كلماتها ثم أعطاها لصديقه الشاعر محمد حمزة ليكمل كتابتها، أما «بودعك»، فقد كتبها بليغ كلها.

تبدو هذه الأغنية، التى ختم بها بليغ حياته اللحنية مع وردة، أشبه برسالة عتاب معبرة بعمق عن قسوة الجرح العاطفى الغائر، الذى لم يتم تجاوزه حتى بعد مرور سنوات عدة، حتى ليصف بليغ حاله، هو العاشق الوله الذى يدعو لمحبوبته بالحماية على رغم قسوة التخلى والفراق، مؤمناً أن حبه الكبير سيحميها وهى تمضى فى طريقها بعيداً منه.

وردة بدورها حكت عن بليغ أنه كان عاطفياً جداً، حتى أنه ظل يرسل لها الورد كل صباح طوال سنوات زواجهما، التى استمرت سبعة أعوام. وقد تركت علاقة وردة مع بليغ بصمة فى حياتهما، على رغم التنوعات الفنية الكثيرة التى مضى كل منهما فى مسارها للعمل مع مبدعين آخرين، إلا أن اقتران اسميهما إبداعياً يحضر إذا ذكر اسم أى منهما.

فى ألحان بليغ مع الفنانة ميادة الحناوي، ظل خيال وردة حاضراً فى الخفاء، سواء عبر الكلمات أو اللحن، رغم صوتها الذى يمتاز بالعذوبة والاتساع. المستمع إلى أغنيات مثل «الحب اللى كان»، و«حبينا واتحبينا»، و«فاتت سنة»، «وأول حبيب وآخر حبيب»، وغيرها، ينتابه إحساس أن وردة حاضرة فى مكان ما من اللحن، أو أن الأغنيات رسائل لها، وقد منحت الألحان ميادة شهرة كبيرة وانتشاراً واسعاً، وقدمتها للجمهور على أنها مطربة الجيل.