رحيق السطور| الحرب العالمية.. وما وراء القبو

كتاب "ما وراء القبو"
كتاب "ما وراء القبو"

كتب: محمد عبد الواحد

تتوقف أحيانًا كثيرة أمام عنوان مكتوب بحرفية يلفت انتباهك وخصوصًا إذا كنت مختصًا.. وتحاول أن تقرأ هذه السطور التى دوّن لها هذا العنوان، حيث كانت قصة الشاب زياد عاطف (ما وراء القبو) التي جذبني عنوانها، فأخذت أقرأ سطورها وفصولها؛ لأصل إلى المقصد من العنوان المثير..

وبينما وأنا أقرأ، توقفت لحظة لأسأل نفسي كيف لشاب عشريني يكتب عن الحرب العالمية الثانية، وكيف بدأت بتهورٍ من بولندا بإطلاق النيران على ألمانيا، حيث عزفت مدافع بولندا على أوتار هتلر، فأثارت ما بداخله من جنون العظمة، والتعطش إلى الدماء ليروي بها كل أرض فكرت لحظة أن تُثير غضبه، وهو على رأس ألمانيا العظمى، وتدور آثار الحرب وتخسرها ألمانيا وينتحر هتلر، لكن الشاب اختزل الحرب وآثارها وما خلّفته في معاناة (استيفاني)، تلك الشابة الألمانية التي تركها زوجها وهي حامل حتى يشارك في الحرب، وهنا يعود بك إلى «الفلاش باك» بوصف تلك الفتاة وما كانت عليه من جمال لدرجة جعلت كثيرًا من الشباب يتمناها ولكنها ارتبطت برافيل.

وتتوقف على إثر نشوب الحرب ومشاركة زوجها فيها من تحضير الدكتوراه فى «التكنولوجيا» بعد تعيينها معيدةً فى الجامعة الألمانية، نظرًا لتفوقها لتستطيع أن تتفرغ للحمل والاعتناء بالطفل فى ظل غياب زوجها، ثم يعود ليصف حالة الناس وما تُعانيه أثناء الحروب من نقص فى الغذاء وقلة الموارد وآثار خراب ودمار هنا وهناك، ويؤكد على أن الحروب تجعل من بعض الناس أثرياء، والبعض الآخر يصل به الحال إلى البحث عن بقايا الطعام، كى يبقى على قيد الحياة وفى وسط حى من الأحياء يُخيم عليه السكون تسمع صراخ طفل يبكى وأم تحاول أن تُسكت طفلها لكن يزداد صراخه وبكاؤها، فهى لم تقو على إسكاته، خصوصًا أنها لم تتناول طعامًا يجعل من لبنها يُدر كما كان عليه، وتنظر فى أركان بيتها، فهى لم تعد تملك شيئًا له قيمة تستطيع التصرف فيه إلا قلادة تعتلى صدرها، وبينما تعيش المأساة يأخذك إلى وصف الأنثى، ورقبتها التى علقت بها،وكيف كان النمش يداعب هذا البياض الذى عليه، ويعود ليصف القلادة، وما تحتويه بداخلها، صورة لها، وفى الوجه المقابل لها صورة لزوجها مكتوبًا عليها «رافل» و«استيفانى» معًا إلى الأبد، وهنا تتذكر زوجها فهى لم تنسه لحظة وأنها على يقين بعودته، وتتذكر كيف تركها وهو يضع قبلة على جبينها ويقول لها لا تنس أن تروى للطفل قصتنا، وأننى تركتكما من أجل كرامة ألمانيا، ثم تبكى بحرقة على حالها، وما وصلت إليه، وكيف تحملت كل ذلك من آلام حمل ووضع وهى وحدها ويوقظ انتباهها صراخ طفلها فتحتضنه وتحاول أن تبحث عن مكان يساعدها لإطعام طفلها، وكيف كانت قسوة التاجر وهى تطلب مساعدته وكيف نهرها، وبينما وهي تبكى تسمع صوتًا لسيدة تحاول أن تشد أزرها، وتشاركها محنتها، فتسألها عن سر بكائها وهى تشكى حالها لا تنسى أن تصف لك جمال تلك السيدة السبعينية التى ربطت على كتفيها، وكحال الناس فى المواساة تشكو حالها، وكيف كان زوجها يعاملها بقسوة ورغم ذلك تركها ورحل عنها منذ ٧ أعوام، ولكى تبعث إلى قلبها الطمأنينة لا تقلقى يا فتاتى اسمي «روزاموند» وأسكن على بعد ٥٠٠ متر، وهنا اطمأنت «استيفانى»، فهى تعرف المكان؛ لأن به المستشفى الذى يُحوّل إليه مصابو الحرب، وهى لا تتوانى عن الذهاب إليه للسؤال عن زوجها، وتدعوها «روزا» للذهاب معها إلى بيتها، حيث تمتلك ما يكفيها من الطعام لها ولطفلها، ودون أن تُفكر ذهبت معها؛ لأنها وجدت ما ينقذ طفلها، وتصف البيت، وجمال جدرانه ونقوشه، وما علق على جدرانه من «براويز» لرسومات فنانين، ويوجد وسطها صورة معلقة لزوج السيدة «روزا»، وتصف كرمها بأنها تركتها تُحضّر طعامها، وبينما تحضره اتصلت بالصيدلية لإحضار بعض الأغذية الخاصة بالطفل، وتقضى وقتها بعد أن عادت إليها بسمتها، بينما يشغلها حال هذا البيت الذى تقف عنده كثيرًا وهى فى طريقها للمشفى، وتفكر كيف لهذا البيت أن يسيطر عليه الهدوء وكأنه مهجور، وتصل إلى بيتها، وهى في حالة من السعادة المؤقتة، التى تعلم أنها لن تبقى معها طويلًا، فمع نفاذ طعام الطفل يسيطر عليها حزنها، وبالفعل ينفد الطعام ويعود الطفل للصراخ مجددًا، فتصرخ بأعلى صوتها أين أنتِ يا روزا، وتستيقظ على أحدٍ يطرق الباب مسرعًا وينصرف ويترك لها الكثير من الطعام لها، وللطفل، وبعض الملابس الجديدة، خصوصًا أن ثيابها التى كانت عليها، وهى فى صحبة «روزا» كانت رثة، وفى وسط فرحتها بما حصلت وقبل نفاده أخذت تبحث عن المحلات والصيدلية التى أحضرت منها الألبان، ولا أحد يعطيها جوابًا شافيًا عن تلك الرسالة التى وصلتها، وتقول «استيفاني»، وأنا فى شدة التفكير من نفاد الطعام يأتينى صراخ «روزا» تستنجد بى، وكلما حاولت أن أبحث عنها لا أجدها، وكلما طرقت الباب لا أسمع صوتًا، وإذا بحثت عن أحد على علاقة بها أجده مقتولًا، حتى الصيدلي عندما سألته عنها صدمني برده بأنها ماتت من زمن، وعندما سألته مَنْ يسكن هذا البيت؟ أخذ يرتجف، وعندما ضيقت الخناق فى السؤال، أعطانى هاتفه ليحدثنى وعندما تأخر وجدت تليفونه لا يرد، ذهب للصيدلية وبابها مفتوح دون أحد، وعندما حاولت الدخول إلى مكتبه أجده مقتولًا واتهم فى قتله، وهنا أترككم بعد أن أطلت عليكم لتكتشفوا لغز الجريمة وما وراء القبو.