«هدية عيد الميلاد» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني
قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

اقتربت منه في حركة انسيابية، بدأ يشعر بلفح أنفاسها تقترب من أذنه، تلاقت الأجساد وهمست في دلال، سألته فجأة: أنت فاكر تاريخ ميلادي؟ أصله قرب.

تلاحقت ضربات قلبه وهو يجيبها: طبعا مش ناسي.

أحاطته بساعديها ونادرا ما كانت تفعل ذلك، وسألته: أنت ناوى تجيب لي هدية؟

أجابها ببطء ومازالت ضربات قلبه تعلوا: إن شاء الله.

اعتدلت قليلا ورفعت رأسها ناظرة إليه لترى تعبيرات وجهه أثناء حديثها وقالت: ناوي تجيب إيه؟

لاحظ تحركاتها الناعمة وفهم مغزاها فرسم ابتسامة على وجهه وهو يجيب: اللي أنت عايزاه

اعتدلت فجأة جالسة وهي لا زالت في التصاقها وقالت: أنا عايزه خاتم ذهب يكون على ذوقك. اتسعت ابتسامته لتخفى لمحة حزن كادت ترتسم على وجهه.

هل هي جادة في طلبها؟ هل نسيت حديثهما منذ ساعات قليلة عن الأزمة المالية التي يمر بها، والحمل المادي الذي يحمله حتى كاد أن يسقط في منتصف الطريق من الإعياء وثقل الأعباء، الديون يرتفع منسوبها حتى كادت أن تغرقه، مواسم الأعياد، ودخول المدارس زادت من وطأة الديون، وهي لا تفكر سوى في طلباتها.

استمر ينظر إليها في شروده حتى احتواه الصمت فتصنع النوم ليوقف هذا الحوار الذي لن يجني منه سوى المتاعب، تلك التي بدأت منذ لحظات، وفى كل صباح لا تنسى أن تذكره أن عيد الميلاد يقترب، ينظر إليها مبتسما ويخرج مسرعا إلى عمله ناسيا كل شيء ما عدا تلك العشرة جنيهات اليتيمة الساكنة جيبه ويحرص على ألا تمتد إليها يده، فهو يدخرها ليوم عيد الميلاد حتى يدخل السرور على قلبها وقلب الأولاد بشراء تورته صغيره تؤدى الغرض.

يأتي يوم عيد الميلاد، وقد صمد ونجح في الحفاظ على العشر جنيهات لهذا اليوم على الرغم من الطلبات التي كانت تلاحقه بها يوميا من أجل البيت، واشترى التورتة، وركب الأتوبيس وهو يحيطها بذراعيه خشية أن تلمسها يد الركاب بسوء.

ودخل المنزل دخول الظافر المنتصر للمدينة، تستقبله، فيبادرها: كل سنة وانت طيبة، تنظر إليه متسائلة فين الخاتم؟  ينشغل عنها بإبعاد الأولاد عن التورتة لكيلا يفسدوا زينتها إلى أن يتم إشعال شموعها، تلاحقه بتساؤلها: فين الخاتم؟ لا يجيب.

تستكمل حديثها الساخط: أنا خدمتي ليك ولبيتك ولأولادك السنين دي كلها ما تستحق خاتم بخمسين جنيه؟

يبتسم لها في آلم وآسى، تستطرد والدموع تملأ عينيها: افتكر لي يا أخي أيام كويسه تخليني استحق الخاتم، وانهمرت دموعها وهى تغادر الغرفة باكية لاعنة الأيام التي خلت من الوفاء والتقدير.

خرج من فوره إلى الشارع، ليصل الى محل الذهب القريب من المنزل، نظر إلى المعروضات، مد يده في جيبه ليتأكد من أنه فارغ، وفى هدوء خلع دبلة زواجه الثمينة وقدمها إلى الصائغ طالبا منه مقارنتها بخاتم رقيق، واستكمل قائلا: أصلها أصبحت ضيقة على إصبعي.