«الشحات».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني
قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

غشت سحابة من الدمع عينيه وهو يرتدي ملابسه في بطء لتشكل شاشة بيضاء تتحرك عليها صور ورسوم سرعان ما تبين أنها شريط حياته.

 فها هو والده يحكى له أنه أطلق عليه اسم عبد الجواد تيمنا بالسيد عبد الجواد الشهير في ثلاثية نجيب محفوظ التي رصدت جزء من تاريخ مصر.. والتي حفرت في وجدان كل المصريين صورة الرجل الشرقي في ذلك الوقت.. القوى.. المهاب.. المسموع الكلمة.

 

ويمر الشريط سريعا ليرى يوم زفافه.. تتابع ميلاد أولاده.. مراحل تعليمهم وما صاحب كل مرحلة من تصاعد الأعباء الملقاة على كاهله.. وما يستتبع ذلك من أعمال إضافية بعد عمله الرسمي.. إلى أن انتهى به المطاف حاليا للعمل في قهوة شعبية بعد خروجه من العمل حتى منتصف الليل.. لكي يستطيع أن يلبى احتياجات زوجته التي لا تنقطع.. وإن كان يذكر لها أنها ليست كلها طلبات شخصية إلا أنها طلبات خاصة بالبيت والأولاد.

 

وهي في الحاحها لا تهدأ ولا تنام ولا تراعي الأولويات أو الحاجة إلى الصبر لحين ميسرة.. فهي لم تؤمن بأن عليها أن تدير المنزل بقدر الدخل الوارد بل عليها أن تحدد الاحتياجات وعليه التدبير والتنفيذ.

 

ويزداد العبء يوما بعد يوم.. ويزداد الشجار بينهم مع كل طلب لدفعة مالية أو عند تقديم لائحة طلبات.. حين يطالبها بالانتظار لحين تدبير المبلغ المطلوب لشراء الكل أو جزء من الطلبات.

 

وهكذا تتقارب فترات الشجار وتزداد حدتها الى أن كانت أحداث اليوم.. التي وصلت الى ذروتها حيث أنها تطالبه باستيفاء الطلبات كلها دفعة واحدة وإلا الويل كل الويل..  تنطلق الحناجر بكلمات لاذعة كأنها عقارب سامة أو ثعابين تدخل تحت جلده تطالبه بأن يدبر المطلوب ويعمل المستحيل وإلا تركت له البيت والأولاد لترتاح منه ومنهم.

 

يحاول أن يذكرها أنه يعمل فترتين من الصباح حتى منتصف الليل لكي يلبي الطلبات وليس بيده أكثر من ذلك.. فتصرخ في وجهه ماليش دعوه تسرق، تنهب، تبيع مخدرات، تمد إديك للناس طلبا للإحسان.. المهم تجيب فلوس وتوفر الطلبات.

 

وانهالت كلماتها على رأسه وكأنها مطارق تدق عنقه وتدق معها كل تحكم للعقل وتنهار بداخله كل ما تربى عليه من قيم وأخلاق وعرف سائد.

 

يكمل ارتداء ملابسه.. يخرج مسرعا من البيت.. يتتابع توافد المصلين لأداء صلاة الجمعة بالمسجد المواجه للمنزل.. ينظر بعضهم لبعض في دهشة عند عبورهم الباب الرئيسي للمسجد بعد انتهاء الصلاة.. حيث رجل تركت السنين على وجهه علامات لا تخطئها العين بقدر ما مر به من أحداث جسام.. جالسا القرفصاء.. ويده ممدودة للمصلين طلبا للإحسان.. وخادم المسجد يميل على أحد المصلين قائلا لا حول ولا قوة إلا بالله.. الأستاذ عبد الجواد أصابه الجنون...!