طلقات

أشرف رمضان يكتب: الهاربون إلى حفلات التخرج

أشرف رمضان
أشرف رمضان

أشتهي الجلوس أمام البحر وحدي، لا أسمع أصواتًا سوى خرير أمواج البحر، ونغمات قلبي، هذا ما فعلته قبل يومين على شاطئ الإسكندرية «الحبيب»، وفجأة صوت عالٍ ممزوج بأغان مهرجانات صاخبة يخترق صمتي، ويكسر لحظات عشقي، صوت يسمعه من به صمم.

نظرت حولي متعجبًا، متسائلاً، ما هذا؟، وهممت أن أسال من بجواري الذي أبدى انزاعجه مثلي، لكن لحظات، وسمعنا وسط هذا الصخب صوتًا ناعمًا ظننته في البداية لفتاة في مقتبل عمرها، لم يشغلني هوية الصوت بقدر انشغالي بهوية الحدث نفسه.

بعد إثارة وتشويق من هذا «الصوت المختلط»، إذ به يعلن أن الجميع على موعد مع حفل تخرج مجموعة من الطلاب، هنّا هدأ بركان غضبي، وتمنيت لهم السعادة، فمن حقهم الفرح حتى لو على حساب الآخرين، عيناي دارتا في محجريهما لتفقد هذا الحفل الصاخب، رأيت به العجب، ديكورات رهيبة، وملابس أنيقة «يونيفورم موحد» أبيض اللون، اعتقدت أنهم مجموعة من الأطباء حديثي التخرج، يريدون الاستمتاع بالتخرج قبل الدخول في دوامة «البنج والنفتالين»، هذا حقهم بكل تأكيد. 

سددت أذناي بسماعتين لا أستخدمهما كثيرًا، في محاولة للعودة إلى صمتي الداخلي، واستكمال لحظاتي الخاطفة على «شط إسكندرية» قبل العودة إلى قاهرة المعز، لكن القدر يأبى تحقيق حلمي الصغير ولو لدقائق، عندما ألقى «الصوت المختلط» قذيفة استقرت في قلبي بعدما اخترقت كل حواسي، وهو يقول: «رحبوا معانا بأشطر ناس في الدنيا اللى اتخرجوا من معهد فني تجاري....... »، ولم أنتظر سماع باق الجملة، وانتفضت من مكاني وكأن الدنيا وضعت كل أوزارها على رأسي الذي كاد أن ينشق لنصفين من هول ما سمع!.

قدماي قادتني، دون إرادتي إلى مكان الحفل، وقفت مشدوهاً، وقد تسمرت عيناي أمام هذا الجمع الرهيب، يقتربون من 300 شابًا وشابة، لم أنطق بكلمة، عيناي تدوران في كل اتجاه، ترصدان الحدث العظيم، وترسلان تساؤلات إلى «المخ» الذي يأبى التصديق.. لم أنكر عليهم فرحتهم، وذهبت في صمت مثلما جئت، وأقنعت نفسي بأنهم عصافير هاربة إلى عالمهم الخاص.