زهران القاسمي الحائز على «البوكر»: تأثرت بـ«نجيب محفوظ» و«صبري موسى»

محررة الأخبار مع الفائز بالبوكر
محررة الأخبار مع الفائز بالبوكر

 قام الروائي والشاعر زهران القاسمي بجولة أدبية داخل مصر الأسبوع الماضي، بعد عدة أشهر من حصول روايته «تغريبة القافر» على الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر العربية»، وصدور الطبعة المصرية للرواية عن دار صفصافة للنشر، وقامت «الأخبار» بإجراء حوار معه أثناء جولاته بين القاهرة والمنصورة والإسكندرية ولقاءاته مع قرائه.

فى البداية يتحدث القاسمي عن تفاعل القارئ المصري مع أعماله قائلا: «من قبل ترشيح الرواية للجائزة وأكثر من تقبلوها وتواصلوا معى كانوا مصريين، وحين وصلت للقائمة الطويلة كان قد صدر منها عدد من الطبعات، ثم زادت القراءات والتواصل بسبب الجائزة والتقيت بالقراء عبر مجموعات القراءة على مواقع التواصل الاجتماعي، فكان لابد من القيام بهذه الجولة لكى أكون قريبا منهم، عادة أكون انطوائيا فى التجمعات، لكن فى مصر لم أشعر بذلك بل صرت جزءا من الوسط الثقافى».

تتبع الرواية التى حظيت بعديد من المناقشات الأسبوع الماضي حياة بطلها «سالم» الملقب بـ«القافر» أي مقتفي الأثر منذ ميلاده، وهي الرواية الرابعة للأديب بعد «جبل الشوع»، و«القنّاص»، و«جوع العسل»، و«سيرة الحجر»، إلى جانب مجموعات قصصية، وأكثر من 10 دواوين شعرية، فى بداية حوارنا معه نتساءل عن ارتباط الأدب العمانى فى الأذهان بالشعر أكثر من السرد فيقول: «لأننا أساسا مجتمعات تقليدية فى الخليج العربي، ودائما المجتمع التقليدى العربى يحن للماضى، ولدينا مصطلح الشعر ديوان العرب، ربما لا يعرف الكثيرون أن فى عمان شعراء على مستوى التاريخ حتى من قبل الإسلام، وتجارب شعرية معروفة ومدونة وكان أصحابها يقارنون بأصحاب المعلقات والفرزدق وابن جرير، ومنهم ابن دريد و الخليل بن أحمد الفراهيدى، هذا التراث الكبير كان مقروءا حتى فترة قريبة فى بيوتنا، والأسر القروية أسر مثقفة ومنتمية لتراثها القديم وكانوا قارئين للشعر والفلك والطب الشعبي». «زهران ومن سبقوه فى الثمانينيات والتسعينيات بطبيعة الحال اتجهوا فى بدايتهم الأدبية إلى الشعر متأثرين بهذا التراث، لكن القراءة والاطلاع على الثقافات الأخرى والتلاقح بين آداب العالم أدى إلى تنوع المشهد الأدبى العمانى بين الشعر والسرد».

عاش القاسمى حياته فى قرية عمانية واستفاد من مفردات البيئة المحيطة واختلافها عن الحياة فى المدينة، من العادات والتقاليد والمحكيات الشفاهية والموروث الثقافى والأساطير المتعلقة بالمكان، لتكوين مشروعه الخاص، وتماس مع كل ذلك فى رواياته، لكن نظرة أهالى القرية لبطل روايته «تغريبة القافر» سالم تتبدل وفقا لقدرة البطل على مساعدتهم للحصول على الماء وهو ما يعلق عليه الكاتب قائلا: «كل أسطورة هى حكاية عادية فى زمانها ومع الزمن زيد عليها وتبدلت طرق سردها، نظرة المجتمع للقافر ليست نفعية ولكن نظرة لهذا المختلف عن السائد، كل الأنبياء حين أتوا برسالتهم كان ينظر لهم باعتبارهم مجانين، أو سحرة، نحن نصم أى إنسان مختلف عنا بغرابة الأطوار، حين اختلف سالم فى سلوكه من خدمة المجتمع إلى خدمة ذاته تغيرت علاقته بمجتمعه».

يبدأ القاسمى فى كل رواياته من الموضوع أو العالم وليس من الحكاية، وفى هذه الرواية بدأ برغبته فى الكتابة عن «الأفلاج» وهو نظام مائى يعتمد على حفر بئر فى الأرض بعيدا عن القرية ثم بناء قناة تحت الأرض قد تكون على أعماق مختلفة، قد تصل إلى 50 مترا تحت الأرض، وتبدأ هذه القنوات فى الانحدار شيئا فشيئا على مستوى متوازن حتى يصل الماء إلى سطح الأرض عند القرى، ويضيف زهران: تتبعت الحكايات التى تمس الموضوع الذى أرغب فى البحث عن الخيال الذى وراءه، واحتاج الأمر للبحث قبل الكتابة وقراءة العديد من الكتب العلمية والتاريخية المتعلقة بالأفلاج، وأدرت حوارات مع كبار السن الذين عملوا فى الأفلاج وتتبعت حكايات القفارين الذين تتبعوا مواقع المياه، إلى جانب خلفيات حياتى فى القرية.

لا يوجد زمن محدد فى رواية «تغريبة القافر»، فما حدث يمكن حدوثه فى أى عصر، كأنه أسطورة أزلية، لكن المكان حاضر، قرية عمانية فقيرة تتحكم الطبيعة فى حياة أهلها، تحيطها الطبيعة الصحراوية والماء هو مصدر الوجود ذاته، والبطل هو مقتفى لأثر الماء، قد تكون الفكرة مغرية لأى كاتب لأن يصيغ روايته فى إطار تاريخى إلا أن القاسمى يدرك هدفه ويعلق: «فكرة الزمن مطاطة ولم أجد أهمية لتحديده، الزمن قديم وليس حديثا، إلى السبعينيات من القرن الماضى كنا نستخدم نفس الأدوات، لن يختلف الأمر إن كان قد حدث من مائتى عام أم فى منتصف القرن العشرين، ولن يشكل اختلافا فى صراع الإنسان مع الطبيعة»

يشير القاسمى إلى تأثير التيار اليسارى على الأدب العربى من بداية الستينيات مما ربط الأدب العربى بما هو سياسى وتاريخي، وأهمل الجانب الإنسانى فى الأعمال، لكنه يشير إلى كتاب مصريين كانوا مختلفين عن هذا الإطار من وجهة نظره: «لا يمكن أن أنسى رواية «فساد الأمكنة» لصبري موسى والكثير من روايات نجيب محفوظ التى كان تركيزها الأكبر هو الإنسان بمعزل عن التاريخ والسياسة، هذا نوع من الكتابة الأدبية الروائية غير مطروق بكثرة فى الأدب العربي، مثلا، بعد أحداث الربيع العربى وبسبب المهاجرين الكثر فى أوروبا صدرت الكثير من الروايات التى تدور فى هذا الإطار، نحن دائما مرتبطون بهذا الهاجس، وهو الحالة السياسية، هناك كتاب مشغولون بالروايات التاريخية، لكنى معنى بالإنسان وصراعه مع الطبيعة، هذا ما أراه، أكتب ما أعرفه، وأقرأ ما لا أعرفه فى روايات الآخرين».