إنها مصر

السيدة العذراء

كرم جبر
كرم جبر

«قم وخذ الصبى وأمه واذهب إلى قلب مصر» هكذا كانت الرسالة المقدسة ليوسف النجار، ليفر بالمسيح الوليد من مذابح الرومان، ويأخذ معه العذراء مريم ويذهب إلى «قلب مصر».

ليجد فيها الأمن والأمان والطمأنينة، ويحمى رسالة السماء من بطش غاشم، ومصر بالذات لأنها منذ القدم بلد السلام والمحبة وتتسع أرضها وسماؤها للحياة الهادئة، بعيداً عن العنف والقتل والدماء.

وعاشت السيدة العذراء والسيد المسيح بيننا، فى قلب مصر، منطقة الدير المحرق بالقوصية محافظة أسيوط، ويقولون إن هذه المنطقة تقع بالضبط فى قلب مصر بقياس حدودها طولاً وعرضاً، فتأتى فى المنتصف.

ومنذ ذلك الزمن البعيد أضفت مصر روحها على أبناء شعبها من المسلمين والأقباط، وتمثل السيدة العذراء رمزاً للمحبة والإخاء بين المسلمين والمسيحيين، وتفخر كثير من الأسر المصرية المسلمة بأن تطلق على بناتها اسم «مريم».

وارتضى المصريون أن تكون علاقتهم جميعاً مسلمين وأقباطا على قاعدة المساواة فى الحقوق والواجبات، وتبقى مصر آمنة كلما ازدادت أواصر المحبة بين أبنائها، ووقفوا صفاً واحداً فى مواجهة كل الفتن والمكائد.

وجرف تيار المحبة كل من حاول إفساد العلاقة بين شركاء الوطن.

وكان المسمار النافذ فى قلب الإخوان عندما حاولوا إشعال صراع طائفى بين أبناء الوطن الواحد، وخاب مسعاهم فى افتعال فتن تشق وحدة الصف، وكان عام حكمهم وبالاً عليهم.

فعندما حدثت اعتداءات على الأقباط وممتلكاتهم وحرق كنائسهم، تصدى لهم المصريون جميعاً، ووقف المسلمون حراساً للكنائس، وتبرع المسيحيون بدمائهم لإخوانهم المسلمين المصابين فى العمليات الإرهابية.

النيل يجرى فى عروقنا، وفى حرب أكتوبر المجيدة التى تحل ذكراها الخمسون بعد أسابيع قليلة، روت الدماء المصرية الطاهرة أرض سيناء الحبيبة، ووقف الجندى المسلم مع أخيه المسيحى فى ميدان القتال، يرفعون علم مصر ويهتفون لمصر ويفتدونها بالأرواح.

ذكريات كثيرة تتدفق فى الذاكرة المصرية ونحن نحتفل معاً بمولد السيدة العذراء التى يحبها المصريون جميعاً ويضعون صورتها فى بيوتهم ويتباركون بها، وتتجلى عظمتها فى اصطفاء المولى لها من بين كل نساء العالمين.

أتت إلى بلادنا بالطفل المبارك من السماء ومكثت بيننا سنوات، ويشهد المصريون معجزاتها الكبرى، وأهم معجزة هى حبهم لها وتقديس سيرتها العطرة.
كانت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر فاتحة للخير، فعلى أرضها الطيبة تتعانق الأديان السماوية، ويرتفع صوت الأذان مع أجراس الكنائس فى رسالة شديدة الوضوح: مصر بلد المحبة والسلام والقلب الذى يستوعب كل الديانات السماوية.