موسم مانجو بريشة الهباب والجو

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ ياسين صبري

المانجو ملكة الفواكه الصيفية، فهى من الثمار المحببة لدى الجميع، وقد حجزت لها مكانا دائما على موائدهم خلال فصل الصيف، لتساهم فى التخفيف عنهم من حرارة الجو الخانق، وتمنحهم شعورًا بالانتعاش والطاقة الإيجابية. فى الفترة الأخيرة، انتشرت بالأسواق أنواع متعددة من فاكهة المانجو، سواء البلدية والأجنبية، فهذه الفترة تعد موسمها السنوى، لنجدها متراصة فى تنسيق بديع أشبه بلوحة جمالية بالأسواق الشعبية وسط إقبال كبير عليها.
 

الأسعار هذا العام تراوحت بين ٢٥ و٣٥ جنيها لكيلو المانجو السكري، و٤٥ إلى ٦٠  للعويس، أما النعومى فتتراوح بين ٢٠ و٢٥ للكيلو، والزبدية من ١٥ إلى ١٨جنيها. وفيما كانت هناك غزارة فى إنتاج العام الماضي، فقد شهد محصول هذا الموسم تراجعا لأسباب عدة تعرفنا عليها من خلال جولة قمنا بها فى مدينة الإسماعيلية التى تشتهر بزراعة وتصدير المانجو لجميع أنحاء العالم.

استغرقت رحلتنا من القاهرة إلى الإسماعيلية نحو ثلاث ساعات، وبعدها أصبحنا على مشارف جامعة قناة السويس فأكملنا الطريق إلى المزارع، حيث استقبلنا منظــر خـــلاب لأشـجار الليمـون المزروعـــة حديثا، ثم بدأنا نلاحظ كثافة أشجار المانجو فى العديد من البساتين.

◄ موسم البركة
وفى إحدى المزارع الخاصة، التقينا مزارعا يدعى أحمد منصور، الذى أشار إلى أن موسم المانجو يعتبر موسم خير وبركة على جميع من يعملون فى القطاع الزراعى .وأمسك بإحدى حبات المانجو ليرينا إياها عن قرب قائلا إن هذا النوع هو السكرى الأبيض ويعد من أفضل الأنواع البلدية، ويتميز بمذاقه المتميز، وهناك أيضا العويس الذى يعتبر درة تاج فواكه المانجو ويتخطى سعره معظم الأصناف بما فيها الأجنبية. 

أما الزبدية فلونها أخضر قاتم وحجمها أكبر من السكرى، ويمكن تخزينها لفترة طويلة تصل إلى عام، لذا تصلح لعمل العصائر، أما النعومى والكيت فهما من الأصناف الأجنبية الجديدة التى تم استزراعها فى مصر، وتصلح لإنتاج مصنعات الحلوى كالتورتة والجاتوه، وأخيرا هناك «سن الفيل» وسُمى بذلك بسبب شكله الذى يشبه الناب الحاد ويشبه المانجو الهندى والملوكى.

تابعنا السير بعد ذلك لنلتقى ياسر الدهشان، صاحب واحدة من أكبر مزارع المانجو بالإسماعيلية، وأوضح لنا أن زراعة المانجو مهنة متوارثة لديه فى العائلة، فجميع أفراد عائلته وأقاربه وعائلته يعملون بهذا المجال، لافتًا إلى أن أسعار بعض الأنواع مرتفعة هذا العام لقلة طرح المحصول، فنجد أن طرد المانجو العويس زنة ٢٠ كيلو يصل سعره لـ١٢٠٠ جنيه، أما الزبدية فيصل سعر الكيلو منها لـ٢٠ جنيها.  

وأضاف: الظروف المناخية تعاندنا فى الزراعة، إضافة إلى مرض «الهباب الأسود» الذى نعانى منه منذ أربع سنوات، ولا توجد رقابة على الأدوية الخاصة بأمراض المانجو من الجمعيات الزراعية مع ارتفاع أسعارها، لذا هناك من اقتلع شجر المانجو واتجه لنشاط زراعى آخر مثل زراعة الفول السودانى الذى قفز سعر الكيلو منه من ٥ إلى ٥٠ جنيها والسمسم الذى ارتفع سعره من ٣٠ إلى ١٢٠ جنيها للكيلو أو يقوم بزراعة محاصيل أخرى مثل الذرة أو الفول البلدى. 

◄ دعم المزارعين 
ولعلاج مشاكل زراعة المانجو يقترح ياسر عودة ما يعرف بـ«الرش الجماعى» للقضاء على الحشرات والأمراض التى تصيب المحصول، بالتوازى مع عودة دور الجمعية الزراعية مجددا، وألا يقتصر على صرف الكيماوى فقط للمزارعين والرقابة على السوق الدوائى، فزجاجة الدواء سعرها ١٢٠ جنيها ولا يوجد عليها رقابة وشيكارة الكيماوى يضطر المزارعون لشرائها من خارج الجمعية بـ٦٥٠ جنيها بعدما كان سعرها لا يتعدى ٣٥ جنيها، وزجاجة مبيد الميلاثيون بعد أن كان سعرها ٢٠ جنيها ارتفع لـ٢٥٠ جنيها ولا تأثير لها فى مكافحة المرض والحشرات . 

يلتقط فارس عبدالله (تاجر مانجو) أطراف الحديث، ويطالب الحكومة ولجنة الزراعة بمجلس الشعب ووزارة الزراعة بدعم مزارعى المانجو فهم يتحملون أسعار الأسمدة والمبيدات وأجور العمال وسعر تغليف المنتج والكرتون والنقل، كما طالب بجدولة الديون المتراكمة على المزارعين لقلة الطرح من محصول المانجو هذا العام الذى يصل لـ٢٠% فقط.

◄ الإصابات
عدنا إلى جامعة قناة السويس، فكان حديثنا مع الدكتور محمد وصفى، وكيل كلية الزراعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة بجامعة قناة السويس الذى حدثنا بأن عملية حصاد المانجو تتم بآلات خاصة مع وجود مفارش من الجلد حتى لا تصطدم الثمرة بالأرض عند جمعها فيتهتك غلافها الخارجى، وتعرف مرحلة نضج المانجو حسب كل صنف عند وصول الثمرة للحجم الطبيعى والكامل وفقا لمقاييس كل نوع، ولابد أن تكون الثمار خالية من الإصابات الحشرية وعلى رأسها ذبابة الفاكهة التى تتسبب فى حدوث ثقوب فى جسم الثمرة بسبب وضع البيض بداخلها الذى يتحول لديدان لاحقا .

يضيف: ثبات درجات الحرارة في جنوب مصر ومدن البحيرة أدى لاستقرار الإنتاج بهذه المناطق بعكس مدينة الإسماعيلية، فالتغير المناخى أدى لانخفاض الإنتاج هناك بصورة كبيرة، فمثلا المنطقة التى كانت تنتج ٦٠ طنًا أصبحت تنتج ١٢ طنًا فقط. 

الأصناف الأجنبية مثل الكيت والكنت تعتبر أكثر تحملا لدرجات الحرارة وهى تطيل من فترة وجود محصول المانجو فى السوق المحلى وتمده بأصناف متنوعة، فى الوقت الذى يكون موسم الأنواع المحلية مثل السكري والعويس والزبدة شارف على الانتهاء، أى أنها تسهم فى توفير المانجو على مدار العام للسوق التصديرى والمحلى .

بعدها، التقينا الدكتور محمد صالح، أستاذ مساعد الفاكهة بقسم البساتين كلية الزراعة بجامعة قناة السويس، فأشار إلى أن المانجو تعتبر فاكهة الصيف المحببة التى يقبل عليها الجميع ويتم استهلاكها إما بصورتها الطبيعية أو فى صورة مجزءات تدخل فى إنتاج الطعام والحلوى والعصير الطبيعي أو المعلب. 

كما أوضح أن المساحات المزروعة بالمانجو فى ازدياد مستمر داخل مصر، وهذا يرجع إلى استيراد العديد من الأصناف الأجنبية قصيرة الساق ليزداد إجمالى المساحات المزروعة بالمانجو فى الإسماعيلية إلى ٣٤٠ ألف فدان. 

◄ التقلبات المناخية
ورغم ازدياد المساحات المزروعة بالمانجو فإنها تعرضت هذا الموسم لظروف جوية متقلبة أثرت فيها بقوة، بجانب اتباع ممارسات عمل خاطئة فى إدارة الحقل أو البستان أدت لانخفاض الإنتاج.

بعض هذه الممارسات تعود للموسم السابق الذى عرف بغزارة الإنتاجية فى قطاع المانجو، وحينها لم يهتم المزارع أو المنتج بإنتاج براعم جديدة وذلك عبر الاهتمام بعملية التسميد خلال تلك الفترة، فمن المعروف علميا أنه عندما يكون لديك إنتاج غزير داخل الحقل فلابد فى هذه الحالة من زيادة كمية الأسمدة بنسبة ٢٥% للأشجار فيتم تعويضها عما تفقده بعد جنى المحصول، وهو ما لم يحدث. وهذا أدى لانخفاض كميات البراعم الجديدة التى تخرج فى دورة نمو الربيع ودورة نمو الخريف التى تعد عمود الإنتاج لهذا الموسم. 

سبب آخر يدخل ضمن أسباب تراجع المحصول هو عدم تعرض المانجو فى فترة الشتاء إلى صدمة البرد، فبرغم أن المانجو مثلها مثل أى فاكهة شبه استوائية تحتاج لدرجات حرارة مرتفعة نسبيا ودرجة رطوبة تصل لـ٥٠% هى تحتاج أيضا لانخفاض فى درجات الحرارة فى فصل الشتاء يصل لـ10 درجات مئوية لمدة شهر على الأقل، ولكن أتى فصل الشتاء دافئا هذا العام دون وجود برودة قوية ما أثر فى نمو المحصول، الذى تعرض مجددا لإضطرابات مناخية أخرى فى شهر مارس وأبريل أدت لانقراض الحشرات التى تنقل حبوب اللقاح.

البقية الباقية من ثمار المانجو التى نجت من هذه الظروف المناخية السيئة تعرضت فى أواخر شهر أبريل لموجة رياح الخماسين التى تسببت فى إتلاف الأشجار وتساقط الثمار قبل موعد حصادها، كما أنها تسببت فى زيادة عملية (النتح) - فقدان الشجرة للمياه الموجودة على سطحها - لتبدأ فى التخلص من الثمار الموجودة بها كمحاولة للحفاظ على وجودها .

من جانبه، أوضح نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام: نشـهد نضجا مبكرا لمحصول المانجو قبل موعده المعتاد بسبب التغيرات المناخـــية، ما يعنى ضَعف الثمار وانخفاض الإنتاج بنسبة ٢٠% ليصل لـ٢ مليون و٨٠٠ ألف طن فقط، مقارنة بـ٣ ملايين طن متوسط إنتاج العام السابق .

ويرى أن الأسعار حاليا تعتبر ممتازة إذا ما نظرنا لأسعار البدائل من الفواكه الأخرى بلا استثناء التى تشهد ارتفاعا كبيرا بدورها جراء تأثير التغير المناخى وارتباك سوق التصدير والاستيراد عالميا نتيجة الأزمة الأوكرانية وتردى الاقتصاد الدولي .

◄ دور النقابة
وهنا يبرز دور النقابة فى دعم مزارعى المانجو من خلال إقامة ندوات للتوعية بالإرشادات الصحيحة والطرق المثلي للزراعة، ومنها تهوية بساتين وحقول المانجو قبل عملية التزهير التى من شأنها القضاء على حشرة المن التـى تتسبب فى مرض العفن الهبابى، إلى جانب حث الفلاحين على التسميد المناسب وفق الكميات المقررة ورى المحصول على فترات متقاربة فى ظل ارتفاع درجات الحرارة مع التوصية بزراعة الأصناف الجديدة التي تعتبر أكثر مقاومة للتغيرات المناخية.