رحيق السطور.. وثيقة عن عالم داود عبد السيد

كتاب «داود عبد السيد.. سينما الهموم الشخصية»
كتاب «داود عبد السيد.. سينما الهموم الشخصية»

قرر الشاعر والروائى علاء خالد الانتهاء من مشروعاته المعلقة بعد أزمة مرض عبرها مؤخراً، وعلى رأس هذه المشروعات: كتابه «داود عبد السيد.. سينما الهموم الشخصية» عن صاحب «الكيت كات» و«أرض الخوف» و«أرض الأحلام» وغيرها من الأعمال التى شكلت ضلعا مهما من ضلوع مخرجى جيل الثمانينيات، أو ما أطُلق عليه الواقعية الجديدة، مع مخرجين مثل: محمد خان وخيرى بشارة وعاطف الطيب. 

صدر الكتاب عن دار المرايا بعد ثلاثين عاما من التأجيل والمراوحة والتأمل، أدار علاء خلالها العديد من الحوارات مع المخرج الكبير وأعاد مشاهدة أفلامه، لتبدو كتابته كحالة من الاشتباك مع مخرج «سينما المؤلف» ومع أعماله وفلسفته فى الفن والحياة فيما أعتبره «قراءة شخصية» تتقاطع مع هموم داود الشخصية، أو كما أشار فى مقدمته (ربما هذا الكتاب هو شهادتى من محبٍ للسينما ولداود عبد السيد ولجيله من المخرجين، الذى اعتبره آخر جيلٍ يملك رموزاً مشتركة مع مجتمع/جمهور، وليس مع «كلت ثقافى» أو تجمعات ثقافية أو مجتمعية كما يحدث الآن).

يبدأ علاء الكتاب بقراءته لعالم داود تحت عنوان «سيرة التجاوز.. سيرة الأمل» مقسماً إياها إلى عدة عناوين فرعية معنية بدراسة مداخل لعالم داود الفني، واصفاً أفلام داود بأنها (رحلة استقصاء ذاتية لانفجار/تحول عميق حدث فى حياته أو حياة بطله وترك آثاره داخل الزمن المضارع) مشيرا إلى أن الفكرة الأساسية التى ظلت مستمرة مع داود وتتعارض مع انحيازه الطبقي، هو ما أسماه الكاتب «فكرة الخروج، والتى تدعو للخروج عن الطبقة، وعن المكان وعن الجماعة كى تمتلك حريتك» مما اعتبره سبباً لاكتساب ما أسماه ب»الفردانية المنفتحة» فى أفلامه، ويشير إلى ارتباط مفهوم الرحلة عند داود فى أغلب أعماله بظهور الفرد، وأن أهم نتائج هذه الرحلة هو التحرر عبر تجاوز  العجز والذنب، ويشير إلى جنوح داود تجاه تفسير الغموض روحياً وليس مادياً.. ويكشف حضور مفهوم النص وليس الكلام فى أفلامه، من خلال حضور الرسائل على سبيل المثال، وتقنيات السرد المختلفة، كما أشار فى أكثر من موضع إلى علاقته بفكرة الإيمان المسيحى ونزعاته للتسامى والتسامح، وإن كان داود فى معرض حواره معه قد رأى إنه لا رابط بين فكرة النص فى أفلامه بكل دلالاتها وبين الدين، وبأن فكرة الدين بالنسبة له هى الثقافة، موضحا فكرته عن الدين الشعبي.

كما يتعرض علاء لرمزية المدينة عند داود متخذا الإسكندرية كمثالٍ فى أفلام «الصعاليك» و»رسائل البحر» و»قدرات غير عادية»، ومصر الجديدة فى «أرض الأحلام».


اختار الكاتب وضع الحوارات فى النصف الأخير من الكتاب، تلك الحوارات التى أجراها مع داود مجمعة، إلى جانب حواراتٍ مع شركائه فى كل أفلامه مهندس المناظر أنسى أبو سيف، والموسيقار راجح داود، وهى بمثابة وثائق مهمة عن مشروع فنى له خصوصيه فى تاريخ السينما المصرية. ويشير داود إلى نشأته وسط أسرة عادية من الطبقة المتوسطة، وأنه ليس محتاجاً إلى استعارة هموم طبقة أخرى، لكن من وجهة نظره حين تتكلم عن طبقتك لابد أن تتجاوزها وتخرج عنها، ويتقاطع مع معظم ما أثاره علاء فى قراءته سابقة الذكر، معتبراً أفلامه تسجيلاً لسيرة عقل يتخيل ويفكر، منوهاً إلى أنه ينتصر لسينما الهموم الشخصية أو سينما الرحلة التى تعنى بالهموم الشخصية للإنسان «الفقر والظلم والجنس والحب». ويبدو داود منبهراً بيوسف إدريس كنموذج فى مقابل عدم تأثره بنجيب محفوظ رغم تقديره لكتابته، وأشار إلى أنه كان يرغب فى كتابة رواية هرباً من السينما، إلا أنه تشكل فى اتجاه الكتابة للسينما.

يأتى هذا الكتاب بعد أكثر من عامٍ ونصف العام على إعلان داود قراره باعتزاله للفن، وكما أشار فى تصريحات لاحقة، فإن القرار لم يكن نتاجاً لتفكيرٍ بل مجرد تأكيدٍ لأمرٍ واقع، لم يتمكن داود من تقديم أعمال جديدة منذ فيلمه الأخير «قدرات غير عادية» الذى عُرض عام 2015، مع تغير طبيعة الجمهور الذى يملك القدرة على شراء تذكرة السينما، أثُير الجدل من جديد خلال حفل توقيع كتاب  «داود عبد السيد.. سينما الهموم الشخصية» الذى أقيم بجيزويت القاهرة إلى حدٍ دعا الحضور إلى مطالبته بنشر السيناريوهات التى لم تُنفذ، إلا أن داود كان أكثر هدوءاً وانسجاماً مع فكرته، بل وسخرية من الواقع أيضاً، وأوضح من جديد أن الطبقة الوسطى التى انشغل بها فى جل أفلامه، وأنتمى إليها لم تعد هى جمهور السينما الذى يتحكم فى سوق الإنتاج. 


كان صدور الكتاب فرصة ليتأكد عبد السيد أن فنه مؤثر على قاعدة كبيرة، حتى وإن كان مصراً على كونها ليست هى المحرك الرئيسى فى صناعة السينما.