معركة عازف الجيتار الأخيرة

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬اغتياله‭ ‬وقف‭ ‬وسط‭ ‬أبناء‭ ‬بلده‭ ‬يخطب‭ ‬فيهم،‭ ‬لعله‭ ‬كان‭ ‬يستشعر‭ ‬أبعاد‭ ‬المؤامرة‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬مشروعه‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬خطابه‭ ‬الحماسى‭ ‬قال‭ ‬للمحتشدين‭ ‬أمامه‭ ‬كأنها‭ ‬وصيته‭ ‬الأخيرة‭ ..‬يمكنهم‭ ‬قتل‭ ‬الثوار‭ ‬لكن‭ ‬لايمكن‭ ‬قتل‭ ‬أفكارهم‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬آخر‭ ‬كلمات‭ ‬توماس‭ ‬سنكارا‭ ‬الضابط‭ ‬الشاب‭ ‬الذى‭ ‬تولى‭ ‬حكم‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬الى‭ ‬1987‭ ‬،‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الإفريقى‭ ‬الغنى‭ ‬بموارده‭ ‬الفقير‭ ‬أهله‭ ‬نتيجة‭ ‬للاستغلال‭ ‬الاستعمارى،‭ ‬هذا‭ ‬الاستعمار‭ ‬الذى‭ ‬رحل‭ ‬شكلا‭ ‬عن‭ ‬أغلب‭ ‬أراضى‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬فى‭ ‬الستينيات‭ ‬ولكنه‭ ‬بقى‭ ‬فعلا‭ ‬يمارس‭ ‬الاستغلال‭ ‬لموارد‭ ‬إفريقيا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شركاته‭ ‬وشبكته‭ ‬الأخطبوطية‭ ‬من‭ ‬أباطرة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬العالمى‭ ‬فى‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬بصفاقة‭ ‬إفريقيا‭ ‬وشعوبها‭ ‬إرثًا‭ ‬لهم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المساس‭ ‬به‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬سنكارا‭ ‬شابًا‭ ‬عاديًا‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬فليسوف‭ ‬وفنان‭ ‬يحمل‭ ‬جيتاره‭ ‬ويتغنى‭ ‬بجمال‭ ‬وحب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وبلده،‭ ‬منذ‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رئيسًا‭ ‬تقليديًا‭ ‬يراقب‭ ‬من‭ ‬شرفات‭ ‬قصره‭ ‬حال‭ ‬شعبه،‭ ‬انطلق‭ ‬سنكارا‭ ‬يحارب‭ ‬الثالوث‭ ‬الذى‭ ‬يخدم‭ ‬استغلال‭ ‬الاستعمار‭ ..‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والمرض‭ ‬كان‭ ‬دائمًا‭ ‬مايرى‭ ‬فى‭ ‬تجربة‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬فى‭ ‬التصدى‭ ‬للاستعمار‭ ‬والتنمية‭ ‬ومساندة‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬بإفريقيا‭ ‬ملهمة‭ ‬له‭ ‬وفى‭ ‬مبادئ‭ ‬الثائر‭ ‬تشى‭ ‬جيفارا‭ ‬بوصلة‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬إشاراتها‭.‬

‭ ‬قد‭ ‬ما‭ ‬مايرجوه‭ ‬سنكارا‭ ‬لبلده‭ ‬مجرد‭ ‬أحلام‭ ‬فى‭ ‬رأسه‭ ‬لا‭ ‬تلامس‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬لكن‭ ‬خلال‭ ‬الأربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬حكمه‭ ‬تحولت‭ ‬فولتا‭ ‬العليا‭ ‬التى‭ ‬غير‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬أو‭ ‬أرض‭ ‬الشرفاء‭ ‬باللغة‭ ‬الأصلية‭ ‬للبلاد‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬ناهض‭ ‬استطاع‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬وفيات‭ ‬الأطفال‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬هى‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات،‭ ‬حارب‭ ‬التصحر‭ ‬الذى‭ ‬يأكل‭ ‬بلاده‭ ‬بزراعة‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬شجرة،‭ ‬نشر‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الأمية،‭ ‬أدار‭ ‬خطة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التصنيع‭ ‬لاستغلال‭ ‬موارد‭ ‬بلاده،‭ ‬خاض‭ ‬معركته‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬المرأة‭ ‬ودمجها‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬العام،‭ ‬حول‭ ‬الاسم‭ ‬الجديد‭ ‬الذى‭ ‬اختاره‭ ‬لبلاده‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬وبشهادة‭ ‬البنك‭ ‬الدولى‭ ‬وبعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬حكمه‭ ‬أى‭ ‬فى‭ ‬1986‭ ‬أصدر‭ ‬البنك‭ ‬تقريرًا‭ ‬بأن‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬أصبحت‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الفساد‭.‬

حقق‭ ‬سنكارا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاكمًا‭ ‬بل‭ ‬مصلحا،‭ ‬رفض‭ ‬أن‭  ‬يجلس‭ ‬فى‭ ‬مكتب‭ ‬مكيف‭ ‬لأن‭ ‬شعبه‭ ‬لايتمتع‭ ‬بتلك‭ ‬الرفاهية‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬السيارات‭ ‬الفارهة‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يتجول‭ ‬بسيارة‭ ‬بسيطة‭ ‬وأحيانًا‭ ‬دراجة‭ ‬هوائية‭ ‬وكانت‭ ‬متعته‭ ‬الوحيدة‭ ‬هى‭ ‬العزف‭ ‬على‭ ‬الجيتار،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬سنكارا‭ ‬لشعبه‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬عددها‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬قديس‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الشرفاء‭ ‬وأسطورة‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تلبى‭ ‬أحلام‭ ‬البسطاء‭ ‬والفقراء‭.‬

تجربة‭ ‬سنكارا‭ ‬الفريدة‭ ‬فى‭ ‬تحويل‭ ‬بلد‭ ‬غارق‭ ‬فى‭ ‬الفقر‭ ‬والتحديات‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬ناهض‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬العوز‭ ‬إلى‭ ‬التنمية‭ ‬الحقيقية‭ ‬بالتأكيد‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬صالح‭ ‬الشعب‭ ‬الذى‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬النجاحات‭ ‬وعمليات‭ ‬التنمية‭ ‬مثلت‭ ‬أرقًا‭ ‬وصداعًا‭ ‬مزمنًا‭ ‬فى‭ ‬رأس‭ ‬المستعمر‭ ‬وكان‭ ‬المستعمر‭ ‬هنا‭ ‬فرنسا‭ ‬الذى‭ ‬يدير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬شركاته‭ ‬وشبكته‭ ‬الأخطبوطية‭ ‬لم‭ ‬ينظر‭ ‬المستعمر‭ ‬إلى‭ ‬سنكارا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مصلح‭ ‬أو‭ ‬قائد‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬رفاهية‭ ‬شعبه‭ ‬بل‭ ‬نظر‭ ‬إليه‭ ‬كفيروس‭ ‬خطير‭ ‬وشرس‭ ‬قد‭ ‬تصيب‭ ‬عدواه‭ ‬أغلب‭ ‬بلاد‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬لبوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬النيجر،‭ ‬مالى،‭ ‬بنين‭ ‬وغيرها‭ ‬التى‭ ‬تتابع‭ ‬شعوبها‭ ‬بشغف‭ ‬تجربة‭ ‬سنكارا‭ ‬فى‭ ‬بلاده‭. ‬

بدأت‭ ‬التحذيرات‭ ‬والإنذارات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬سنكارا‭ ‬بأن‭ ‬يتوقف‭ ‬عما‭ ‬يفعله‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يثير‭ ‬تطلعات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬ومنها‭ ‬شعبه‭ ‬وهو‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬به‭ ‬مما‭ ‬سيؤدى‭ ‬إلى‭ ‬اضطرابات،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬كانت‭ ‬عكس‭ ‬هذه‭ ‬الإنذارات‭ ‬وهى‭ ‬أن‭ ‬سنكارا‭ ‬ينفذ‭ ‬ما‭ ‬وعد‭ ‬به‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أقلق‭ ‬باريس‭ ‬وكل‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التى‭ ‬تريد‭ ‬نهب‭ ‬مقدرات‭ ‬شعوب‭ ‬القارة‭.‬

تحولت‭ ‬التحذيرات‭ ‬والإنذارات‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬رسمى‭ ‬فعقد‭ ‬فى‭ ‬سبتمبر‭ ‬1986‭ ‬مؤتمر‭ ‬دول‭ ‬جوار‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬برعاية‭ ‬فرنسية‭ ‬فى‭ ‬عاصمة‭ ‬كوت‭ ‬ديفوار‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬سنكارا‭ ‬وتجربته‭ ‬فى‭ ‬مرمى‭ ‬القناص‭ ‬الفرنسى‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬أفعاله‭ ‬المزعجة‭ ‬للمستعمر‭ ‬وشركاته‭ ‬وشبكته‭ .‬كان‭ ‬رسول‭ ‬التحذيرات‭ ‬الفرنسية‭ ‬هو‭ ‬كريستوف‭ ‬ميتران‭ ‬نجل‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسى‭ ‬فرانسوا‭ ‬ميتران‭ ‬الذى‭ ‬عمل‭ ‬مستشارًا‭ ‬لوالده‭ ‬فى‭ ‬الشئون‭ ‬الافريقية‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1992،‭ ‬الغريب‭ ‬أو‭ ‬المضحك‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسى‭ ‬ميتران‭ ‬كان‭ ‬منتميًا‭ ‬للحزب‭ ‬الاشتراكى‭ ‬الذى‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬مبادئه‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تصل‭ ‬هذه‭ ‬العدالة‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬المستعمرات‭ ‬السابقة‭ ‬للامبراطورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الغابرة‭ ‬وتهدد‭ ‬مصالح‭ ‬باريس‭ ‬هنا‭ ‬ينزع‭ ‬الاشتراكيون‭ ‬الفرنسيون‭ ‬قناع‭ ‬الحرية‭ ‬والمساوة‭ ‬ويعودون‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتهم‭ ‬وحقيقتهم‭ ‬مجرد‭ ‬مستعمرين‭ ‬ناهبين‭ ‬لخيرات‭ ‬الشعوب‭. ‬

انتهت‭ ‬مرحلة‭ ‬التحذيرات‭ ‬والإنذارات‭ ‬وأعقبها‭ ‬انطلاق‭ ‬الرصاصات‭ ‬ليتم‭ ‬اغتيال‭ ‬توماس‭ ‬سنكارا‭ ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬1987‭ ‬أثناء‭ ‬ذهابه‭ ‬إلى‭ ‬احد‭ ‬الاجتماعات‭ ‬وكان‭ ‬مدبر‭ ‬الاغتيال‭ ‬بليز‭ ‬كومبارى‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المخابرات‭ ‬الفرنسية‭ ‬وتأييد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التى‭ ‬عقدت‭ ‬مؤتمر‭ ‬الجوار‭ ‬وتولى‭ ‬كومبارى‭ ‬الرئاسة‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬بتأييد‭ ‬فرنسى‭ ‬أمريكى‭ ‬واختطفت‭ ‬جثة‭ ‬سنكارا‭ ‬ليتم‭ ‬دفنها‭ ‬فى‭ ‬قبر‭ ‬مجهول‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يذهب‭ ‬الفقراء‭ ‬والبسطاء‭ ‬لزيارة‭ ‬قبره‭ ‬ويتحول‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭. ‬

ظن‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسى‭ ‬أنه‭ ‬حقق‭ ‬نصرًا‭ ‬نهائيًا‭ ‬على‭ ‬سنكارا‭ ‬ومشاريعه‭ ‬وأعاد‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬إلى‭ ‬حظيرته‭ ‬ليمارس‭ ‬لعبة‭ ‬النهب‭ ‬والسلب‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬نشوة‭ ‬الانتصار‭ ‬نسى‭ ‬الفرنسى‭ ‬الكلمات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لسنكارا‭ ‬أنهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقتلوا‭ ‬الثوار‭ ‬لكن‭ ‬أفكارهم‭ ‬لا‭ ‬تقتل‭.‬

تمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬سنكارا‭ ‬ويتغير‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬فرنسا‭ ‬هى‭ ‬فرنسا‭ ‬الثمانينات‭ ‬والوضع‭ ‬الدولى‭ ‬أصبح‭ ‬غير‭ ‬لحظة‭ ‬اغتيال‭ ‬سنكارا‭ ‬فروسيا‭ ‬التى‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬الحقبة‭ ‬السوفيتية‭ ‬منهارة‭ ‬وممزقة‭ ‬عادت‭ ‬بقوة‭ ‬لتحدى‭ ‬الغرب‭ ‬بأكمله‭ ‬وتمد‭ ‬نفوذها‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬معاقله‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬أما‭ ‬الصين‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬مازالت‭ ‬تسير‭ ‬بخطوات‭ ‬متعثرة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادى‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأعظم‭ ‬وتقدم‭ ‬للعالم‭ ‬وخاصة‭ ‬إفريقيا‭ ‬مبادرتها‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬بديلا‭ ‬للرأسمالية‭ ‬والعولمة‭ ‬الغربية‭ ‬،‭ ‬بالاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فواشنطن‭ ‬فى‭ ‬صراع‭ ‬داخلى‭ ‬مستعر‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الفوضى‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسى‭ ‬وخارجيًا‭ ‬فهى‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬وعدم‭ ‬مواجهة‭ ‬الحقيقة‭ ‬بأن‭ ‬زمن‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬وعالم‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬قد‭ ‬ولى‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭  ‬عالمًا‭ ‬جديدًا‭ ‬يتشكل‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬متعددة‭ .‬

بقى‭ ‬الثابت‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬منذ‭ ‬رحيل‭ ‬سنكارا‭ ‬وهو‭ ‬أفكاره‭ ‬وتجربته‭ ‬المجهضة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬ينسها‭ ‬شعبه‭ ‬وشعوب‭ ‬الجوار‭ ‬وقبل‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬أصبحت‭ ‬تستيقظ‭ ‬باريس‭ ‬وواشنطن‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬ومشاهد‭ ‬مزعجة‭ ‬لهما،‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ومن‭ ‬مالى‭ ‬إلى‭ ‬غينيا‭ ‬كوناكرى‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬بلد‭ ‬سنكارا‭ ‬وأخيرًا‭ ‬النيجر‭.‬

‭ ‬دارت‭ ‬الأخبار‭ ‬المزعجة‭ ‬حول‭ ‬التحركات‭ ‬العسكرية‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬جيوش‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬ويكون‭ ‬أول‭ ‬قراراتها‭ ‬إنهاء‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬المستعمر‭ ‬القديم‭ ‬وظهور‭ ‬وحضور‭ ‬افكار‭ ‬سنكارا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مايعلن‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬المشاهد‭ ‬المزعجة‭ ‬فهى‭ ‬الأعلام‭ ‬الروسية‭ ‬يحملها‭ ‬المتظاهرون‭ ‬فى‭ ‬عواصم‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬التنين‭ ‬الصينى‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬بأعلامه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬واشنطن‭ ‬يعلم‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬التنين‭ ‬جاهز‭ ‬بمبادرته‭ ‬ومشاريعه‭ ‬ليتدخل‭ ‬وراء‭ ‬العلم‭ ‬الروسى‭.‬

عند‭ ‬المحطة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فى‭ ‬تحولات‭ ‬الغرب‭ ‬الإفريقى‭ ‬أو‭ ‬ماحدث‭ ‬فى‭ ‬النيجر‭ ‬كانت‭ ‬الصدمة‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬باريس‭ ‬فالكهرباء‭ ‬التى‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬المواطن‭ ‬الفرنسى‭ ‬تضخها‭ ‬المحطات‭ ‬النووية‭ ‬الفرنسية‭ ‬ويأتى‭ ‬أغلب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬الذى‭ ‬يشغلها‭ ‬من‭ ‬أراضى‭ ‬النيجر،‭ ‬أما‭ ‬واشنطن‭ ‬فهى‭ ‬تصدر‭ ‬تصريحات‭ ‬حذرة‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المعتاد‭ ‬فهل‭ ‬تمارس‭ ‬واشنطن‭ ‬لعبتها‭ ‬القديمة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الصديق‭ ‬الفرنسى‭ ‬المزعج‭ ‬ذو‭ ‬الارث‭ ‬الاستعمارى‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سابقًا‭ ‬وتنفرد‭ ‬هى‭ ‬بالساحة؟‭ ‬تعلم‭ ‬واشنطن‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬المرهقة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬والعقوبات‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬اقتصادية‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬الحاجة‭ ‬أما‭ ‬خصمها‭ ‬الرئيسى‭ ‬التنين‭ ‬الصينى‭ ‬فسياسة‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‭ ‬التى‭ ‬يتبعها‭ ‬تجعل‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬المحورى‭ ‬النيجر‭ ‬بطيئة‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ .‬

تبقى‭ ‬الحجة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التى‭ ‬يستخدمها‭ ‬الغرب‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬واشنطن‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬للتواجد‭ ‬بجيوشه‭ ‬وهى‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬ممثلا‭ ‬فى‭ ‬القاعدة‭ ‬وداعش‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدواعش‭ ‬يظهرون‭ ‬فجأة‭ ‬وبعدها‭ ‬يأتى‭ ‬الغرب‭ ‬ليحاربهم‭ ‬كأنهم‭ ‬على‭ ‬موعد‭. ‬

بين‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬ولعبة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تمد‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الغربيون‭ ‬ــ‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬تتخلص‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬لحظة‭ ‬لأجل‭ ‬مصالحهاــ‭ ‬أذرعهم‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬وتتقدم‭ ‬موسكو‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬بكين‭ ‬مطاردة‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الحيوية‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬والعالم‭ ‬وسط‭ ‬لعبة‭ ‬المصالح‭ ‬تلك‭ ‬وصراع‭ ‬الامبراطوريات‭ ‬الصاعدة‭ ‬والغابرة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬يبقى‭ ‬الحسم‭ ‬فى‭ ‬كلمة‭ ‬الشعوب‭ ‬وأفكار‭ ‬توماس‭ ‬سنكارا‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تقتل‭ ‬ويعتنقها‭ ‬الفقراء‭ ‬والبسطاء‭.‬

بعد‭ ‬36‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬اغتياله‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المستعمر‭ ‬عاد‭ ‬سنكارا‭ ‬عازف‭ ‬الجيتار‭ ‬ليخوض‭ ‬معركته‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنهاء‭ ‬لعبة‭ ‬المصالح‭ ‬وتخليص‭ ‬مقدرات‭ ‬شعبه‭ ‬والشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭.‬


 

;