حديث الأسبوع

أفريقيا فى صلب حرب الاستقطاب.. فهل ينجح قادتها فى استثمار اللحظة؟

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

اختارت موسكو توقيتا دقيقا ومناسبا لانعقاد القمة الروسية الأفريقية الثانية، بالنظر إلى التطورات المتلاحقة والمتسارعة المستجدة فى الأوضاع الدولية، خصوصا ما يتعلق بالتصعيد المستمر فى الحرب الروسية الغربية التى تدور رحاها فى أوكرانيا منذ أكثر من سنة ونصف.

الأكيد أن فكرة تنظيم قمة روسية أفريقية تندرج فى سياق الحرب على مناطق النفوذ المستعمرة بين القوى العظمى والمتوسطة فى العالم. فالقارة السمراء، بما تتوفر عليه من إمكانيات وتحفل به من مؤهلات، خصوصا ما يهم مصادر الثروة المستقبلية فى الصناعة والغذاء والخدمات، وموارد بشرية، وبما تمثله كسوق استهلاكى واعد جدا، أضحت مصدر إغراء كبيرا وقويا للاقتصاديات الكبرى والمتوسطة، ولذلك بادرت هذه القوى بطرح فكرة القمة المشتركة، كما هو الشأن بالنسبة للقمة الفرنسية الأفريقية، والأمريكية الأفريقية، واليابانية الأفريقية، والتركية الأفريقية وأخيرا القمة بين الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبي، وهى جميعها قمم تعكس حرص كل طرف من القوى العظمى على استمالة دول هذه القارة الواعدة ومن ثمة الاستحواذ على النصيب الأوفر مما يتيحه التعاون من دول القارة السمراء.

أهمية انعقاد القمة الروسية الأفريقية فى مدينة سان بطرسبرج الروسية تضاعفت هذه المرة، لأن القمة لم تنعقد فى الظروف التى اعتادت أن تنعقد فيها مثل هذه القمم، بل إن توفق إدارة بوتين فى إقناع 49 دولة أفريقية بالحضور والمساهمة فى انعقاد هذه القمة، 17 دولة منها حضرت ممثلة برؤسائها، يعتبر نصرا دبلوماسيا كبيرا لموسكو فى إطار الحرب الديبلوماسية الضروس التى تدور بين روسيا والحلف الغربي، موازاة مع الحرب العسكرية الملتهبة بين الطرفين فوق التراب الأوكراني. كما أنه يؤشر على تبرم واضح من مجموع الدول الأفريقية من الحلف الغربي، وقد يصل بالنسبة إلى بعض الدول الأفريقية التى عرفت باستمرار كحليف استراتيجى للولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى تمرد علنى يحدث اختلالات فى بنية العلاقات الدولية السائدة.

والأكثر من ذلك أن الحاضرين فى القمة الروسية الأفريقية لم يقتصروا على مناقشة ودراسة جدول الأعمال التقليدى الذى يبحث تنمية مجالات التعاون الاقتصادى بين دول القارة السمراء وروسيا، بل زادوا خطوات كبيرة إلى الأمام بما يحمل دلالات سياسية واستراتيجية قوية جدا. حيث دعا الحاضرون فى هذه القمة من خلال الإعلان الذى صدر بالمناسبة إلى (إنشاء نظام عالمى متعدد الأطراف أكثر عدلا، متوازن ومستدام)، وفى مثل هذا الكلام رسائل واضحة موجهة إلى الجهة المستفيدة من النظام العالمى الحالي، وهو حديث يتناسب تماما مع ما عبرت عنه قوى مناهضة للحلف الغربى غير ما مرة، سواء تعلق الأمر بروسيا أو بالصين أو بالهند و غيرها. وهو ما يلتقى تماما مع الأهداف المعبر عنها من طرف تكتلات اقتصادية حديثة خرجت إلى الوجود بهدف تخليص النظام العالمى السائد من الهيمنة الأحادية.

والأدهى من ذلك كله أن الإعلان المشترك الصادر عن القمة أكد أن الطرفين (اتفقا على المطالبة بتعويضات عن الأضرار الناجمة عن السياسة الاستعمارية والعمل على استعادة الممتلكات الثقافية التى وقع نهبها خلال حقبة الاستعمار).

وهكذا فإن احتضان مدينة روسية للقمة الروسية الأفريقية يؤشر على أن روسيا تحرص على التركيز الكبير فى إدارة حرب الاستقطاب الدائرة رحاها بقوة بين الأطراف المتحاربة فى أوكرانيا. فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تفوقت لحد الآن، فى تقوية تكتلها الجيواستراتيجى، سواء فيما يخص تعزيز حلف الأطلسى بانضمام دول جديدة، كما هو عليه الحال بالنسبة إلى دول شمال أوروبا، فإن روسيا اتجهت إلى خارج القارة الأوروبية وكسبت مساحات مهمة فى حرب الاستقطاب فى أمريكا اللاتينية (عضوية البرازيل فى منظمة بريكس) وفى القارة الأفريقية (القمة الروسية الأفريقية) وفى آسيا من خلال الصين والهند.
أكيد أنه سواء تعلق الأمر بروسيا أو بالدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة هذه المرة، فإن هذه القوى تبحث فى خضم التعقيدات الكبيرة، التى طبعت الأوضاع العالمية فى الفترة الأخيرة، عن تحقيق أهدافها ومصالحها، ولا نعتقد أن هذه القوى استهوتها عيون الأفارقة وجاءت مهرولة مقترحة خدماتها للشعوب الأفريقية، بل ثمة تطورات وأحداث وازنة ومؤثرة فرضت على هذه القوى النظر هذه المرة إلى دول الجنوب، التى عانت ويلات سياساتها الخارجية السابقة والراهنة، ولذلك من المفروض أن يدرك قادة وحكومات هذه الدول طبيعة الأسباب، التى قادتها للالتفاف إلى ما حولها فى أفق فرض شروط تراعى تحقيق التوازن فى نظام دولى يكون هذه المرة عادلا ومتوازنا بحق، وليس مجرد شعار أجوف.

نقيب الصحفيين المغاربة