عاجل

فى الصميم

أمريكا رهن التخفيض.. عبء الديون أو الانقسام السياسى

جلال عارف
جلال عارف

طبيعى أن تهتز الأسواق المالية فى العالم كله مع نشر تقرير لمؤسسة «فيتش» المالية العالمية تخفض فيه درجة الائتمان المالى للاقتصاد الأمريكى درجة واحدة عن المستوى الأفضل عالميًا الذى تحتفظ به فى العادة إلا باستثناءات قليلة جدًا.

وطبيعى أن يتراجع سعر الدولار ولو قليلًا بعد نشر التقرير، وأن يبدأ الحديث بين الخبراء عن مستقبل الاقتصاد الأمريكي، وأن ترد الإدارة  الأمريكية بعنف وتتهم التقرير بالعشوائية، وتؤكد أنه يتعارض مع حقيقة أن الاقتصاد الأمريكى فى عهد الرئيس بايدن حقق فى وقت قياسى أكبر عملية تعافى من الأزمة التى تمر بها كل الاقتصادات الكبرى. مع أكبر نسبة تشغيل ووظائف جديدة وأقل معدل للبطالة منذ عشرات السنين. كما أعلن بايدن بنفسه قبل أيام استباقا  لنشر التقرير - فيما - يبدو الذى ناقشته الوكالة مع الإدارة الأمريكية قبل إعلانه!!

قد يبدو رد الفعل الأمريكى على تقرير الوكالة المالية العالمية مبالغًا فيه، لكنه أمر متوقع فى ظل موسم انتخابى بدأ مبكرا فى أمريكا، ومع حرب تجارية تخوضها أمريكا دفاعًا عن موقعها في صدارة الاقتصاد العالمى الذى تهدده منافسة الصين بقوة، ومع عودة مناخ الحرب الباردة واستمرار القتال فى أوكرانيا والإعلان الواضح من روسيا والصين عن عزمها إنهاء الهيمنة الأمريكية وقيام نظام عالمى متعدد الأقطاب.

وكالة «فيتش» التى أعلنت تقييمها الجديد للاقتصاد  الأمريكى هى إحدى ثلاث منظمات دولية يعتد بتقاريرها عالميًا. وفى انتظار التقييمات الجديدة  من باقى المنظمات التى مازالت تعطى للاقتصاد الأمريكى أعلى التقييمات. ومع ذلك فالضجة التى أحدثها تقرير «فيتش» مبررة تمامًا، والأسباب التى أوردتها لخفض تصنيف أمريكا تستحق الوقوف عندها، والملاحظة الأهم هنا أن تقرير الوكالة المالية العالمية يتوقف أساسًا عند حدثين مهمين: الأول هو الخلاف الكبير الذى حدث بين الجمهوريين والديمقراطيين حول رفع سقف الديون والذى استمر حتى اللحظة الأخيرة يهدد بتوقف الإدارة الأمريكية عن سداد الديون قبل أن يصل الحزبان المتصارعان إلى تسوية للخلاف، والحدث الثانى هو اقتحام مبنى الكونجرس من  أنصار ترامب لمنع إعلان فوز بايدن بالرئاسة.

ولاشك أن اقتصاد أمريكا قادر على تجاوز آثار الهزة التى أحدثها تقرير «فتيش» فى الأسواق المالية. وستظل أمريكا هى السوق الأكبر لاجتذاب الاستثمارات المالية، ويظل الدولار - رغم التحديات الكبيرة- محتفظًا بمكانه لسنوات عديدة قادمة. لكن سيبقى ضروريًا سماع الإنذار بخطر الانقسام السياسى الذى يحكم أمريكا والمرشح للتصاعد مع حملة انتخابية يسودها مناخ محاكمات ترامب، ومحاولات الجمهوريين للرد بتوجيه اتهامات للرئيس بايدن بمشاركة ابنه فى قضايا ضريبية تنظر فى المحاكم الآن!!

يبدو تقرير مؤسسة «فتيش» إنذارًا للسياسيين بأكثر منه لخبراء الاقتصاد. مشكلة الديوان «فى أمريكا وكل دول العالم» ليست جديدة وحلولها الاقتصادية معروفة. الأخطر هو أن يسود الانقسام السياسى ويعرقل مؤسسات الحكم عن أداء واجبها، وأن يتم إضعاف الوسط لمصلحة التطرف    يمينًا أو يسارًا.

هذه المرة. تصدد والسياسة المشهد حتى ولو كان «الدولار»، هو عنوان الأزمة، وأقوى اقتصاد فى العالم يتم تخفيض درجته الائتمانية فى نفس اليوم الذى يساق فيه رئيس أمريكا السابق «وربما اللاحق»!! للمحاكمة يعيد التأكيد أنه مستعد لحكم أمريكا مرة أخرى حتى وهو فى السجن!!