بقلم: د. علاء الجرايحي محلب: تقاليد أوشكت على الانقراض

د. علاء الجرايحي محلب
د. علاء الجرايحي محلب

رأيٌ سديد، كلمة طيبة.. قوةٌ ومروءةٌ وشهامةٌ، تعاون وتضامن، قوة وشجاعة، حكمة وتواضع، جميعها صفات  وعادات وتقاليد قلما نجدها الآن، بل أوشكت على الانقراض، ليحل مكانها عدم الرضا بالميسور أو الاكتفاء بالموجود واللهفة وراء المفقود.

وهنا حريٌ بنا أن نبحث عن هذا السبب في اختفاء مصدر كل هذه الصفات السامية، التي تتجلى جميعها تحت كلمة «الرجولة» بمعناها الحقيقي..
نعم هناك كثيرون حول التفاخر بالرجولة، لكن للأسف قليلون حول التصرف كرجال.

كان أبي يعلمني بأن الصدق منجي، وأن الرجل لن يكون رجلاً إلا بكلمته.. فالرجولة هي تحمل المسئولية.. قوةٌ في القول، صدعٌ بالحق، هي صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات، وأن الصمت من شيم الرجال فكثير الكلام قليل الفعل كثير الخطأ.

وأن الاحترام للكبير والصغير هو إثبات لتلك القوة النابعة من الرجولة، والسيطرة على زمام الأمور.

الرجال تصنع من الأزمات والمشاكل والتحديات أطواق نجاة يحيون بها مرفوعي الرأس، وليس بلقب يضاف في خانة النوع على البطاقه الشخصية.

نعم.. هناك فرق بين الرجل والذكر.. فكل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجل.. نعم ما أكثر الذكور؛ لكن الرجال منهم قليل، فالرجال لا تعيقهم العوائق، ولا تقف أمامهم الصعوبات.

والحلال والحرام بينهم شعرة ولكن الفرق بينهم بين واضح، ولا أصدق معسول الكلام وظاهره دون أن استشعره من قلبي.

علمني أبي أن أعامل الناس بحسن الخلق حتى لو أساءوا الأدب، فالضعف ليس في الصمت ولكن الضعف في الجهل والرجعية.. فخسارة دون خطأ أفضل من مكسب تلحقه وصمة عار، وأن الكنز هو الشيئ الغريب في هذا العالم الذي تعيش فيه، وسيأتي يوم وسيكون الكنز فيه هو الأخلاق فحافظ عليه.

نعم.. بالأخلاق تبنى أمم وحضارات وثقافات وأسر قويمة، وبدونها تقطع الأرحام وتهدم الحضارات، ويعم الجهل، فلا تكن فريسة لضياع الأخلاق وتكون كقطيع جاهل لا يعي معنى الكلمة وقيمتها ومنافعها وأضرارها.

فإن أردت أن تبني أسرة أسسها على الاحترام والتقدير والحب والأخلاق والعلم، وإن لم تستطع أن تنشأها بالقوام السليم فالأولى بك أن تنسحب لئلا تجلب للمجتمع والعالم أجيال تضر بك وبإسمك ووطنك ودينك.
وصدق حافظ إبراهيم إذ يقول:

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها *** والجهل يهدم بيوت العز والكرم.

التربية الأسرية من أهم الأشياء الواضحة التي تخلق جيلا له أهداف وطموح وحب وأخلاق وتقدير للكبير والصغير معا، واحترام للقيادات والعلماء والشيوخ والرهبان.. بالعلم يفهم النشئ معنى لوجودهم في الحياة ودورهم الأساسي الذي سيفيد البشرية والإنسانية جمعاء، ويفيد آبائهم وأجدادهم في الحفاظ على موروثات العائلة، وعلى السمعة الطيبة..

ولكنني وجدت تضاربا صارماً في التعامل مع الكثيرين.. وجدت الشيخ الكاذب والمصلي المدعي والرجال المتلونين والمنزوعين من الوطنية والإنسانية، وجدت الفاقدين لمعنى الرجولة والمسئولية و المجنسين لقبا في بطاقاتهم ولا يمدو للرجال بصله، ومكانتهم بين الناس تعلوا بالكذب والمرابية في التعاملات واستحلال الحرام وتدنيس المقدسات وتحريف الأقاويل وتغيير العقائد وإتلاف المبادئ؛ فرجعت إليك يا والدي أسألك هل ربيتني على قيم تلاشت في عالم أصبح السائد فيه هو المال أيا كان مصدره؟ وهل العزيز عزيز الجهل وهل الصادق أصبح كاذب؟ وهل الحرام أصبح حلالاً وهل قوام الأسر بني على الانحطاط؟ أم أني وقعت في بؤرة من عالم غريب وتلطخت ثيابي البيضاء وأحتاج إلى التقويم..

فأجابني والدي بأن الخير موجود دائماً، ونحن من نختار الصحبة ويجب علينا تحمل مسئولية أفعالنا وقراراتنا سواء في الصحبة أو العمل أو او الزوجة أو قراراتنا وإن تلطخت ثيابنا دون قصد فلا زال أمامنا الوقت لتحمل المسئولية وتنظيف ثيابنا من الآثام التي لم نفعلها بأيدينا، ولكن لوثتنا بصحبة المتلوثين، وطالما فينا الخير سيعيزنا الله دائماً ويجعلنا دائماً فخر لأولادنا ولوطننا مرفوعي الرأس دائماً وأبدا.

أجابني والدي بأن الأسرة هي الوسط الأول الحاضن للنشئ، والمؤثر تأثيراً بالغاً فيما يدور في ذهنهم من أفكار، وما يبدر عنهم من تصرفات وسلوكيات..

يا بني.. لا بد من حوار فعّال بين الأبناء والآباء يعمق الثقة.. يجدد الروابط الوجدانية والتوافق الروحي، لتقبل توجيهات الأسرة والأهل.

يا بني.. فلتعلم أن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي أو المقاتل، وكذلك أيضاً الرجولة فهي ليست كلمة أو وصف نوع لكنها تعني قوةٌ في كمال الصفات نابعة من القلب والروح معا.