يوميات الاخبار

لعنة رسائل الفيسبوك الملغومة !

سعيد الخولى
سعيد الخولى

.. وما أحقره وهو يغرق فى شبر ماء إذا ما تولى أمرا وظن نفسه رقما إلى يسار صفر، ولا يدرى أن الصفر هو الذى يكسبه قيمة بوجوده إلى يمينه.

فى سبعينيات القرن الماضى ونحن فى عز الشباب انتشرت فجأة ظاهرة غريبة مفادها وصول رسالة ورقية مكتوبة بخط اليد؛ مرسلها شخص يرجو الخير لمن وصلته وفى ذات الوقت يحذره من مغبة إهمال مكتوبه وغض الطرف عنه؛ كان فحوى الرسالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء فى المنام للشيخ أحمد شيخ الحرم، وأنه صلى الله عليه وسلم أبلغ الشيخ أحمد أن كذا ألفا من أمته قد توفوا بالأمس ولم يفلت منهم من النار إلا النزر اليسير من المسلمين بسبب ما بات فيه المسلمون من ارتكاب للمعاصى وابتعاد عن أوامر الله واجتراء على نواهيه.. وفى نهاية الرسالة أمر بنسخها وإرسالها إلى عشرة أشخاص ليقوم كل منهم بإرسالها بدورهم إلى عشرة آخرين وهكذا، وتحذير من أن إهمال تنفيذ المطلوب سيودى بصاحبه إلى الويل والثبور وسوء الأمور، وإغراء بأن من قاموا بإرسالها قد أصابهم خير عميم وقضاء لحوائجهم، وأن صدورهم باتت منشرحة سعيدة.


ونقفز نصف قرن من الزمان وصولا إلى وقتنا الحالى فيرسل لك صديقك الفيسبوكى رسالة على الخاص تفتحها فتكتشف أنه يتخلص من مهمة ألقاها عليه صديق آخر له، ظاهر الرسالة أن صديقك يحبك ويرجو لك الخير وأن تشاركه فعل الخير وباطنها أنه إما حسن النية فعلا أو موروط يتخيل أنه يخرج من ورطة.
وتأتى الطامة الكبرى فى أسلوب الترغيب والترهيب فأنت إذا نفذت ما يطلبه منك مرسل المنشور سوف تلقى خيرا كثيرا أما إذا أهملته فسوف تلقى الويل والثبور وعظائم الأمور، وإمعانا فى التلبيس يقول لك إنها مجربة وقد فعلها فلان وناله خير عميم وأهملها علان وأصابه هم عظيم.


ثم تأتى النقطة الأخطر فى الأمر وهى أن كثيرا من تلك الأحاديث هى من باب الضعيف جدا والمكذوب والموضوع بعضها يروج للتواكل المؤذى لحركة الحياة والقاضى بالخنوع وترك جدية السعى والبحث وراء الحقوق، وبعضها يضع صاحبه فى عزلة عما حوله وحولنا فى العالم من إيقاع لا يرحم وعلم لا يتوقف وحصرنا فى زاوية الاندهاش الدائم والاستسلام لكوننا مستقبلين لا نرسل إلا استمرار عجزنا واحتياجنا ولا نستقبل إلا سلبيات ما يزيدنا تخلفا، بعضها تلعب التكنولوجيا فيه لعبة الإيهام بالمعجزات الروحية فتبدو فى ظاهرها نوعا من الإيمان، فنفغر أفواهنا ونغمض أعيننا ونقول: سبحان الله، وبعض آخر يسجل معجزة علمية حقيقية يصنعها الإنسان فنشعر بعجز آخر ونقول: ومن أين لنا بهذا؟. وتلك فى رأيى الهدف من وراء مثل تلك الفيديوهات: الاندهاش والإحساس بالعجز!


ويبقى باب التساؤل حاملا للعديد من الأسئلة غير المجاب عنها: من وراء مثل تلك الظاهرة؟ وهل هناك غرف عمليات تلعب فيها الدوافع الصهيونية والمد الشيعى والاتجاهات المغرضة وزيادة تزييف الوعى دور البطولة من وراء الستار؟
إنها حرب تستغل الجهل الدينى والتشتت بين الفرق المختلفة داخل بعض المذاهب لتزوير السنة النبوية وإجبار الناس على الاكتفاء بمعرفتها فقط مزيفة تحض على الاتكالية وطمس معالم الحديث النبوى لدى من لا يعرفون إلى صحيحه سبيلا ولا الفرق بين الضعيف بدرجاته والمكذوب والموضوع، وشيئا فشيئا يدخلون القرآن الكريم إلى نفس الفلك وممارسة نفس الطريقة فى السيطرة على محدودى العلم والأميين العاطفيين ممن يظنون الاستجابة دليلا على الإيمان والحب وعدم الاستجابة نوعا من الكفر. فهل ننتبه؟
الاثنين:
لحظات انتظار فى عيادة طبيب
ما أحقر شأن الإنسان إذا نظر إلى الكون حوله. ما أحقره وهو يغرق فى شبر ماء إذا ما تولى أمرا وظن نفسه رقما إلى يسار صفر، ولا يدرى أن الصفر هو الذى يكسبه قيمة بوجوده إلى يمينه. اذهب إلى عيادة مزدحمة بمرضاها فتذهب بك الظنون أن كل الناس مرضى بهذا التخصص فإذا وسعت الدائرة وتخيلت طبيبا ثانيا وثالثا وعاشرا وإلى ما لا نهاية وقد تكدست عياداتهم فى ذات اللحظة بالمرضى فى التخصصات المختلفة فتظن بأن الدنيا كلها مريضة، لكنك لو نظرت إلى خارج العيادة التى أنت فيها أو أى عيادة أخرى تتخيلها لوجدت الشارع يضج بالحياة ما بين راجلين وراكبين وسائقين ورائحين وغادين بيعا وشراء واقتضاء لأسباب الحياة، فإذا عملت مقارنة فى ذهنك لقطاع من الحياة أنت فى مركزه لأدركت أن لغة الحياة هى الأقوى صوتا من أنين المرض أو حتى صمت الموت.


وقد تأخذك لحظات التفكر إلى دقيقة من الحياة فى العالم كله فى ذات الوقت وماذا يجرى فى هذه الدقيقة مع أكثر من سبعة مليارات من البشر ينقلبون جميعا فى نفس اللحظة بين كل أشكال الحياة والموت الممكنة وغير المتصورة. ماذا يمكن أن يتصوره عقل إنسان عن بانوراما شاملة للمخلوقات والبشر على سطح الكرة الأرضية وبحارها ومحيطاتها وسهولها وأنهارها وهضباتها وشلالاتها ووديانها وواحاتها وصحراواتها وسماواتها وأراضيها وتحت سطح مياهها الضحلة والعميقة؟ هل يمكن لعقل إنسان كائنا من كان أن يحيط بتفاصيل تلك اللحظة وفيها ما فيها من عدل وظلم وحلال وحرام وحب وكره وضغينة وصفاء وفراق ولقاء وطيران وهبوط وتحليق واستقرار فوق سطح الأرض؟ ماذا يمكن لذلك العقل أن يحيط بحالة جيوش تحارب وتقتل مدنيين بحق وبغير حق وأحكام تصدر فتعدل أو تجور وتكتب حياة جديدة بحكم جائر أو تنهى حياة أخرى بحكم عادل وهى فى الحالتين تنفذ مشيئة لا تدرك حكمتها؟ كيف يمكن أن يحيط عقل بآحاد من الناس يقاتلون جورا يلحقهم ويلاحق أمثالهم بينما هناك فئات وهيئات كاملة تخطط يشيعون ظلما وافتئاتا يتناوبون الفكر والتخطيط للتلبيس والتدليس ورفع رايات خادعة؟ كيف يمكن أن يحيط عقل بكل صنوف الحرام فى بقاع تجرى فى ذات لحظة حدوث الحلال فى بقاع أخرى قد تكون ملاصقة جدارا بجدار وحجرة بحجرة بل مقعدا بمقعد، ولا يرى كل منهم من غيره إلا ظاهر القول والفعل ويجهل تمام الجهل باطن العقل والضمير؟
ما أحقر شأن الإنسان فى خضم هذا العالم الأرضى ناهيك عن بقية كون الله العظيم وعوالمه الخفية المجهولة لنا، وما أعظم من يدير هذا الكون بكل متناقضاته فى لياليه ونهاراته وفى أضوائه وظلماته وفى سكناته وحركاته.


الثلاثاء:
أطلال مصنع النجوم
أفخر وغيرى عشرات الآلاف بأننا كنا طلاب علم بالمدرسة العلوية الإعدادية الثانوية المشتركة فى قريتى «نكلا العنب» بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، وسر فخرى هو ذلك التاريخ العريق للمدرسة منذ تم البدء فى تأسيسها قبل 125 عاما بالتمام والكمال، حيث تعد ثالث أقدم مدرسة على مستوى الجمهورية، وتم البدء فى إنشائها ١٨٩٨، ثم افتتحها الزعيم الراحل مصطفى كامل عام ١٩٠٠ برفقة الخديو عباس حلمى الثانى، قائلا عبارته الشهيرة التى وضعت على اليافطة الرئيسية للمدرسة وما زالت موجودة : «من فتح مدرسة فقد أغلق سجنا». والتى سميت بهذا الاسم ـ العلوية ـ نسبة إلى «محمد على دبوس» خريج مدرسة الحقوق آنذاك وزميل الزعيم الوطنى مصطفى كامل باشا، والذى شغل فيما بعد منصب وكيل وزارة المالية عندما تم التبرع فى سبيل تشييدها بنحو ٣٥ قيراطا لتخدم البحيرة والمحافظات المجاورة بشمال مصر.
ومما يدعو لفخرنا بمدرستنا العريقة كذلك، تلك الكوكبة من الشخصيات الشهيرة التى تلقت العلم بالعلوية وقد تقلدوا مناصب رفيعة فى الدولة، أمثال المشير عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع الأسبق، والدكتور أحمد جويلى وزير التموين الأسبق وشقيقه العالم المصرى بأمريكا الدكتور سعيد جويلى، والفريق مصطفى الحناوى قائد القوات الجوية فى العهد الناصرى، وحسين دبوس محافظ البحيرة والفيوم الأسبق، وعبدالقوى خليفة وزير المرافق السابق والرئيس السابق للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، وسعيد عثمان محافظ الشرقية سابقا، والسيد راشد رئيس اتحاد عمال مصر السابق، وفى عالم الصحافة هناك الكاتب الراحل نبيل عصمت صاحب باب «أبو نظارة» بجريدتنا الغراء «الأخبار»، والراحل طلعت الزهيرى رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم السابق والكاتبة الصحفية الراحلة د.سونيا دبوس مدير تحرير أخبار اليوم سابقا ومندوبتها الشهيرة برئاسة الجمهورية لسنوات طويلة، وغيرهم.


هذه المدرسة العتيقة والعريقة صار مبناها التاريخى موئلا للهوام والفئران وباتت أشجاره الباسقة فى خريف دائم تبكى خضرتها الضائعة مع أوراقها المتساقطة جافة على أرض مدخل المدرسة وبوابتها العتيقة وباتت فصولها أطلالا تكاد عين من تعلم بها وعايش مجدها ثم رأى ما آلت إليه ـ تبكيها والقلب يناجى أياما خالدة فيها لعملية تعليمية خرج منها كثيرون ممن تعلموا واجتهدوا وتفوقوا وانطلقوا منها إلى رحاب واسعة هنا وهناك خارج مصر فى أوروبا وأمريكا وجنوب أفريقيا وداخلها بين محافظاتها المختلفة، كل منهم يشعر بالامتنان قبل الحنين لذلك المبنى الذى خرج من خدمة العملية التعليمية لصراع بين الورثة وبين وزارة التربية والتعليم على الأحقية فى المبنى التاريخى الذى كان مؤجرا للوزارة من المالك الأصلى وقت إنشائها، وتفرقت دماء هذا الصرح العتيق العريق بين الطرفين وتجمدت حالته كما فى حالة زمن اللاسلم واللاحرب، ولست أمتلك بدقة حقيقة موقف كل طرف من الطرفين، غير أننى أستشعر حرقة المبنى المهجور الخالى من شاغلى فصوله وحياته التى عاشها قرابة المائة عام محرابا للعلم ومحو الجهل وتقديم خريجين صالحين للمجتمع، وخرجت من العملية التعليمية بقرار من المحافظ مع ردها للمالك ـ الورثة ـ بتاريخ 3/9/2007 يعنى منذ 16 سنة، وحتى الآن ـ تاريخ الخطاب ـ لم يصل للوزارة محضر تسليمها للمالك.. ولذلك لم تتمكن هيئة الأبنية التعليمية بناء على عدم وصول الردود إليها من الإدارة التعليمية والمحافظة من عمل إحلال وتجديد للمدرسة لعدم ملكية المدرسة للوزارة وعدم استصدار قرار التخصيص بالجزء الخاص بأملاك الدولة.
ترى هل يمكن الوصول إلى كلمة سواء بين الورثة وبين مديرية وزارة التربية والتعليم بمحافظة البحيرة خاصة أن القرية من القرى الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية على مستوى الدولة وفى احتياج لكل صرح تعليمى يستوعب الزيادات المستمرة فى أعداد السكان؟