إنها مصر

كرم جبر يكتب من سان بطرسبرج: أفريقيا قبلة الدول الكبرى

كرم جبر
كرم جبر

حضور الرئيس لمؤتمرات القمة الأفريقية، يضفى عليها حيوية ونشاطاً، لحرصه الشديد على لقاء أكبر عدد من الزعماء، وطرح مشاكل القارة السوداء بقوة وموضوعية، وإقناع المجتمع الدولى بعدالة مطالبها.

وفى القمة الروسية الأفريقية التى اختتمت اعمالها امس اختفت الشعارات السياسية، وحلت محلها آمال وتطلعات لدور روسى فعال فى مساعدة الدول الفقيرة للتخلص من أزماتها وفى صدارتها شبح المجاعة.

وعلى المستوى الشخصى يرتبط الرئيس السيسى بالرئيس الروسى بوتين بعلاقات قوية، ربما ترجع إلى النشأة العسكرية المتشابهة، علاوة على حرص الرئيس على تحقيق التوازن الشديد فى علاقات مصر بالعالم الخارجي، فلا تنحاز ولا تتدخل إطلاقاً، وتعظم مفاهيم احترام سيادة الدول والشعوب وعدم التدخل فى شئونها.

أما روسيا فهى تقدم نفسها للدول الأفريقية بصورة واقعية، وأكد الرئيس بوتين أن بلاده ستقدم معونات غذائية كبيرة للدول الفقيرة، وشدد على ضرورة إيجاد ممرات آمنة لتصدير الغلال إلى الدول المحتاجة وكذلك الأسمدة اللازمة للزراعة.

وخص بالذكر مصر ضارباً مثالاً بالمشروعات الاستثمارية الكثيرة وأبرزها محطة الضبعة لتوليد الكهرباء فى الأغراض السلمية، والمنطقة الاقتصادية الروسية.

السياسة تفرق الدول بأطماعها أما الاقتصاد فيجمعها تحت مظلة المنافع المشتركة، وأفريقيا فى أمس الحاجة لمن يمد لها يد العون والمساندة، ولن يتحقق ذلك إلا بالتوازن بين الشرق والغرب ومساعدة الدول الأفريقية.

وروسيا تتجه إلى ما هو أعمق بطرح مشروعات للتعاون فى مجالات الثقافة والتعليم والإعلام مع كافة دول القارة وستبدأ فى تكثيف المدارس الروسية ابتداء من مراحل الحضانة وتخرج معلمين يتولون العملية التعليمية، ويدرس فى الجامعات الروسية الآن نحو عشرة آلاف طالب أفريقى فى التخصصات الطبية.

روسيا لن تترك نفسها فريسة للحصار الغربى بسبب الحرب الأوكرانية، وتبحث عن بدائل تعيدها إلى الساحة الدولية بمفاهيم مختلفة ورؤى جديدة، وتطرح آراء ضد زواج المثليين والقتل الرحيم، وتجد هذه الرؤى أصداء إيجابية فى الدول الأفريقية.

ويبدو أن أفريقيا ستصبح فى الفترة القادمة قبلة الدول الكبرى، وتحرص الولايات المتحدة وفرنسا والصين وغيرها على عقد قمم مماثلة، وكلها تطرح توصيات اقتصادية لمساعدة الدول الفقيرة، وقليل منها ما يدخل حيز التنفيذ، لذا كان الرئيس بوتين حريصاً على إخطار الزعماء الأفارقة بأنهم سوف يعودون إلى بلادهم وهم على ثقة بأن روسيا ستنفذ وعودها.

أما مدينة سان بطرس برج التى عقد فيها المؤتمر، فهى بحق أجمل مدينة فى العالم ولا تضارعها مدينة أخرى فى أوروبا أو أمريكا، وليس فيها غلطة واحدة، بل تصلح شوارعها ومبانيها وحدائقها لتكفى عشرات الدول إذا وُزعت عليهم.

نهر نيفا العظيم يسير بمحاذاتها، ويخترق الشوارع الرئيسية فى 11 رافداً، على جانبيها البيوت والمتاحف والفنادق، المبطنة بالأحجار، أما النهر العملاق فطوله 75 كيلو مترا وعرضه كبير جداً ويتسع للبواخر والسفن العملاقة والغواصات واللنشات.

والمدينة عبارة عن متحف كبير، بالكنائس الأثرية القديمة التى يحتار المرء فى وصف جمالها والأماكن السياحية والمقاهى والمطاعم، وكل البنايات تتزين بتماثيل وأشكال معمارية رائعة من الأحجار الصلبة.

بين الدول والشعوب ليست هناك صداقة مستمرة ولا عداء دائم، وإنما تتصالح الشعوب مع من يحقق مصالحها.