تأميم قناة السويس

حكاية بطولة السباحة المزعومة لكشف طرق عمل المرشدين تمهيداً لعودة الحق لأصحابه

موضوعية
موضوعية

كتب فتحي البيومي 

الساحة تضج بأصوات الهتافات .. عاش ناصر الأمة، والأيادي ترتفع ملوحة بتحية حب وتقدير لقائد سكن قلوب المصريين قبل أن يتولى حكمهم، يهدئ الجميع ليشق الصمت صوت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بكلمات ألهبت الأفئدة فرحة وأطلقت الدموع من العيون ابتهاجاً بعودة الحق لأصحابه، فيعلنها ناصر قوية مدوية ،.


باسم الأمة .. قرار رئيس الجمهورية .. تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حالياً على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون فى بورصة الأوراق المالية بباريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة.


لم يكن قرار الرئيس عبدالناصر بتأمين الشركة العالمية لقناة السويس حينها قراراً شخصياً قدر ما كان إيمانا بأنه حق مكتسب، ورداً لاعتبار دولة خلقت لنفسها مكاناً كبيراً بين قوى عالمية تسعى للنيل من استقرارها وعرقلة مسيرة تقدمها .


أسباب التأميم.
وعن أسباب قرار الرئيس عبدالناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس يقول المؤرخ والباحث "أحمد فيصل" بعد أن كان هناك اتفاقا بين الرئيس جمال عبدالناصر والولايات المتحدة الأمريكية بتمويل مشروع بناء السد العالي وتراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن ذلك الاتفاق مما أعده الرئيس عبدالناصر إهانة لمصر وللشعب المصري فقد اتخذ الرئيس  جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس ظهر يوم السبت،26 يوليو 1956م الموافق 13 ذي الحجة سنة 1375هـ، ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، وذلك حتى يكون رداً حاسماً على قرار البنك الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا بسحب تمويلهم لبناء السد العالي والذي علم به جمال عبد الناصر يوم الخميس 19 يوليو 1956م، من ناحية ومن ناحية أخرى إيمان الرئيس عبدالناصر الكامل بأن قناة السويس هى حق شرعي لمصر والمصريين فقد سألت دمائهم في حفرها والدفاع عنها فكان لابد من رجوع الحق لأصحابه .


التمهيد لعملية تأميم قناة السويس وبطولة السباحة المزعومة.
وعن نية الرئيس جمال عبدالناصر المبكرة في تأميم قناة السويس والإجراءات التى قام بها تمهيدا لذلك القرار يقول لواء بحري "وسام عباس حافظ"  اتذكر قبل عملية التأميم بسنة زيارة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لوالدي في منزلنا، وقد كان والدي رحمة الله كم أقرب اصدقاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكان "عبدالناصر" معتاداً على زيارته ومشاورته في بعض الأمور وفي هذه الزيارة تحدث معه عن رغبته في تأميم قناة السويس، وقد بدأ الرئيس عبدالناصر حديثه لوالدي قائلاً " نحن أوشكنا على التخلص من الإنجليز ووفقا المعاهدة سوف يتم الجلاء عن مصر، ولكن هناك مسألة أخرى تشغلنى وهي قناة السويس، فنحن نريد تأميم القناة ولا نعرف أسرار التشغيل والإدارة ولابد من معرفة كل ذلك حتى ننجح في عملية التأميم والتشغيل"  فكان رد والدي أن هناك فكرة لمعرفة كل ذلك ،حيث كان والدي بجانب كونه ضابطا بالقوات المسلحة إلا أنه كان رئيس اتحاد السباحة للمسافات الطويلة، وكانت فكرته ضمن هذا الإطار حيث اقترح على الرئيس عبدالناصر إقامة سباق للسباحة على طول قناة السويس تشارك فيه الفرق المحلية والأجنبية التى ترغب في ذلك وأن تقوم القوات المسلحة بوضع ضباط مراقبين ضمن أفراد السباق لكشف ورصد طرق العمل بالقناة وعن الكيفية التى يعمل بها المرشدين في دخول وخروج السفن ومتابعة ورصد كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة ، وكذلك مواعيد الدخول والخروج وعمل المحطات الموجودة في القناة، وكان السباق لمدة ثلاثة أيام، فلاقت الفكرة استحسان الرئيس عبدالناصر، وقد كان لدراسة والدى بالجامعة الأمريكية في ذلك الوقت الأثر في انتشار علاقاته ومن ضمنها رئيس شركة قناة السويس في ذلك الحين، واستطاع مقابلته وعرض الفكرة التى فرح بها رئيس الشركة كثيراً ظناً منه أن البطولة ترويج لقناة السويس عالميا ولم يعلم بالطبع الهدف الحقيقي الخفي من وراء هذه البطولة، وبالفعل أقيمت البطولة وقد شاركت بها أنا شخصيا ولم أكن اعلم أنا أيضا وقتها عن هدف البطولة الحقيقي ، وقد قام رئيس الشركة بعمل كل التجهيزات اللازمة للبطولة، وكان من أهم نتائج البطولة بعد انتهائها توافر كل المعلومات اللازمة التى حصل عليها أفراد القوات المسلحة المشاركين في البطولة عن تفاصيل إدارة قناة السويس وطرق عمل المرشدين بها ومواعيد دخول وخروج السفن وكيفية تمريرها من القناة .


خطة تنفيذ قرار تأميم القناة والاستيلاء على مرافقها.
وعن خطة الرئيس "جمال عبدالناصر" لتأميم قناة السويس يقول المؤرخ والباحث " أحمد فيصل" لقد كان عبد الناصر يحرص علي أن يحقق السرية التامة والمفاجأة، لذا لم يصرح بقرار تأميم قناة السويس إلا عندما استدعى المهندس محمود يونس، رئيس الهيئة العامة للبترول، في ذلك الوقت، في يوم ٢٤ يوليو 1956م، إلى مقر مجلس الوزراء وأبلغه بعزمه على تأميم قناة السويس، وأنه سيصدر قرار بذلك مساء 26 يوليو 1956م أثناء خطبته في الإسكندرية، وكلفه بتنفيذ هذه المهمة، وفي اللقاء نفسه، استدعى الرئيس جمال عبد الناصر المهندس عبد الحميد أبو بكر سكرتير عام الهيئة العامة للبترول في ذلك الوقت، وأبلغه بأنه قرر تأميم قناة السويس، وأنه مكلف مع يونس بهذه  المهمة.


وقد تم اختيار مجموعة التأميم وكانت عبارة عن تشكيلا من أفراد القوات المسلحة والمدنيين مقسمة لمجموعات تكون مهمة كل مجموعة منهم التحرك والسيطرة على مقر من مقرات الشركة العالمية لقناة السويس ويكون ذلك التحرك في وقت واحد على أن تكون مداهمة المقرات والاستيلاء عليها في نفس اللحظة حتى يتحقق عنصر المفاجأة وعدم تمكين الموظفين الأجانب من التحرك سلبيا بأي عمل مثل التخلص من مستندات أو القيام بأي أعمال تعوق عملية التأميم .
دليسبس .. مفتاح السر وإذن التحرك .
وعن شيفرة البدء في التحرك والسيطرة على مقرات الشركة العالمية لقناة السويس يقول الباحث والمؤرخ "أحمد فيصل" كان هناك اتفاقا بين الرئيس عبدالناصر ومحمود يونس بأنه حين ينطق اسم دليسبس في خطابه يكون هذا إعلانا لبدء التحرك والسيطرة على مقرات الشركة العالمية لقناة السويس وبالفعل استطرد الرئيس عبدالناصر في كلمات خطابه ويونس وأفراد اللجنة المشكلة للقيام بالمهمة منصتين لخطاب الرئيس عبدالناصر عبر موجات الراديو وكل منهم في مكان قريب لمكان مهمته المحددة وفور سماع كلمة "دليسبس" تحرك كل منهم وتمت السيطرة على مقرات الشركة وتم تأميم قناة السويس وعاد الحق لأصحابه وعادت القناة مصرية خالصة ملكية مصرية بإدارة مصرية .

تشكيل أول مجلس إدارة مصري لشركة قناة السويس.

وعن أول إدارة مصرية للشركة العالمية لقناة السويس يقول الباحث والمؤرخ "أحمد فيصل" بعد السيطرة على الأوضاع وأحكام قبضة مصر على زمام الأمور في قناة السويس قد تم تشكيل أول مجلس إدارة مصري لإدارة الشركة وعقد أول اجتماع لهذا المجلس عام ١٩٥٨ وكان برئاسة المهندس محمود يونس الذي ترأس عملية التأميم منذ الفكرة حتى التنفيذ بتكليف من الرئيس عبدالناصر وقد كان معه في عضوية هذا المجلس كل من، إبراهيم حمودة بدوي ومهندس إبراهيم ذكي ومهندس نبيه يونس ومهندس محمد توفيق سكر ومحمد على الفقيه ودكتور مصطفى الحفناوي ومهندس أحمد سليم والدكتور محمود عبدالباقي القشيري، وتولى هذا المجلس إدارة الشركة العالمية لقناة السويس تحت علم مصر دون تدخل من أي جهات أجنبية .