«سارة برنار الشرق» تحاول الانتحار في نهر «التايمز» !

الجميلة فاطمة رشدي
الجميلة فاطمة رشدي

التقى بها مندوب «آخر ساعة» فى العاصمة البريطانية لندن، كان قد علم من أحد المقربين منها أنها فكرت فى الانتحار عندما كانت تتريض على كوبرى «ووترلو»، وسألها عن الأسباب التى تدعوها للقيام بهذا الفعل الذى يتنافى مع صلابتها وحبها للحياة وعشقها لفنها كنجمة كبيرة تحمل اسم «فاطمة رشدى» العملاقة  المسرحية والسينمائية، فقالت: 

- «نعم.. كدت أقذف نفسى إلى أعماق نهر التايمز، لكنى تراجعت، ليس خوفاً من الموت، إنما خشيت أن أموت فى بلدٍ لا يعرف ما قدمته فاطمة رشدى إلى الفن فى مصر التى لم تقدر كفاحى فى تقديم رسالةٍ فنيةٍ نبيلةٍ تخدم المجتمع وتُعلى من شأن الوطن»! 

■ صورة ضوئية من حوار «آخر ساعة» مع فاطمة رشدي

■ وما الداعي لكل هذا ؟ ! 
- اكتب أن فاطمة رشدي التى لقبوها بسارة برنار الشرق أصبحت اليوم يائسة، لكنى غير محتاجةٍ لأحدٍ، فأنا ميسورة الحال والحمد لله، أنا رفعت الفن على أكتافى على مدى ربع القرن عندما لم يكن هناك فن، وحاربت وحدى احتكار الحكومة للفن وإخضاعه بتسعيرة الدرجات الحكومية، وما زلت أتذكر اليوم الذى دعتنى فيه الإذاعة لتقديم إحدى المقطوعات الخالدة، وقال لى المذيع الصغير: «يا ست فاطمة انت بتقرى الدور والا بتمثلي»، فقذفت فى وجهه بالأوراق التى أمثل منها وقلت له «فاطمة رشدى عرفت التمثيل قبل أن تُولد، اذهب إلى من يهمهم الأمر وقل لهم إنى لن أمثل بعد اليوم أمام الميكروفون ما دام هناك أمثالك وأمثالهم» ! .

صمتت فاطمة رشدى ثم قالت: «تاريخ الأمة هو جزء من تاريخ الفن الخالص الرفيع، والدول الحية تكافح بفنونها لتحقيق وترسيخ المُثل العليا، لكن للأسف، الفن فى مصر يزفر أنفاسه الأخيرة، وعندما يوثق المؤرخون تاريخ الفن فى مصر سوف يصيبهم الدوار والذهول وهم يضعون بين أسماء نجوم الفن اثنين منهم يشار إليهم اليوم بالبنان، والذين يركبون سيارات الكاديلاك، ويمتلكون العمارات الفخمة، ويرتفع رصيدهم فى البنوك إلى الملايين ومئات الألوف عن طريق التدجيل والتهريج والأغانى الوضيعة، هذان الاثنان اللذان صنع لهما شعب مصر تماثيل صغيرة من الجبس بيعت فى الطرقات، بينما من مات أمثال الشيخ سلامة حجازي والعبقري عزيز عيد، ولم يجدوا الكفن أو المال ليأكلوا!

◄ اقرأ أيضًا | فاطمة رشدي ونهاية بائسة

واستطردت قائلة: « في الوقت الذي أنكروا فيه كفاحى فى سبيل مصر و حاربونى بضراوة، الحكومة الفرنسية دفعت لفرقتى عشرة آلاف جنيه لكى امثل فى تونس وشمال أفريقيا، والإذاعة البريطانية دفعت لى خمسة آلاف جنيه لأسجل أدوارى الخالدة فى «هاملت - وإليزابيث - وكليوباترا» ، ومحطة «صوت أمريكا» دعتنى إلى نيويورك لتسجيل رواياتٍ قمت ببطولتها أمام عزيز عيد ويوسف وهبي عندما كان المسرح المصرى مسرحاً، وكان الفن فناً !!.

تنهدت فاطمة رشدى بأسى ثم قالت: «ما أحوجنا لأن نتعلم من العالم دروساً نافعة بعيداً عن التقليد الأعمى للغرب فى الأزياء والمباذل والتقاليع السخيفة، لندن بها مسرح حقيقى وحرية رأى، شاهدت هنا مسرحية تتناول حياة الشعب الأمريكى، وشاهدت عروضاً تنتقد سياسة أمريكا، ومشروع مارشال، والرئيس ترومان، وتحمل انتقاداتٍ صريحة، فأين هذا من مباذل المسرح لدينا، الشعب البريطانى يحترم ممثليه ويقدرهم، كأنهم أنصاف آلهة، بينما فى مصر ينظرون للممثلة على أنها امرأة رفعتها الأهواء والاستلطاف الشخصى، والفنان العظيم هو الذى يرتفع على تلويث سمعة فاطمة رشدى ويوسف وهبى وزكى طليمات!

■ قلت لها: ما الذي أعجبك في العاصمة البريطانية لندن؟ 
- أعجبنى سلوكيات الناس والتزامهم بالنظام، كل شيء يسير كالساعة بلا ضجيجٍ، الشعب يهمس عندما يتحدث كأنه زاهد فى الكلام، البوليس الإنجليزى منضبط وفق القانون، أعجبنى الفن الإنجليزى لأنه بعيد عن التزييف، لندن بها عشرات المسارح التى تقدم عشرات العروض الكلاسيكية والحديثة، بينما الحكومة لدينا غير مهتمة بأبى الفنون ولا تدعمه أو تكرم نجومه، ليتهم يشاهدون ما تقدمه مسارح لندن ليعرفوا الفن الحقيقى!». 
«آخر ساعة» - أكتوبر 1948