خلال مناقشته بالمركز الدولي للكتاب..

ديوان إيكو لـ «محمد فرغلي» رؤية فلسفية جدلية تتسم بالحركة

خلال مناقشة ديوان إيكو بالمركز الدولي للكتاب
خلال مناقشة ديوان إيكو بالمركز الدولي للكتاب

ناقش المركز الدولي للكتاب ديوان (إيكو “صدى من صرخة مكتومة”) للشاعر محمد فرغلي في ندوة أدارها الشاعر والناقد محمود الحلواني الرئيس الأسبق لسلسة الشعر العامي بالهيئة المصرية العامة للكتاب والذي قال في افتتاح الأمسية: "أيكو" محمد فرغلي.

 

سعادتي بهذا الديوان "أيكو" للشاعر محمد فرغلي مضاعفة، أولا لما يتسم به هذا الديوان من خصوصية تميزه، حيث اعتبره اقتراحًا جديدًا يطرحه الشاعر على شعر العامية، وليس مجرد اجترار لما طرحه الشعراء قبله، وهو المطلوب بالضرورة، حتى يستحق صفته وتقديمه بوصفه شعرًا، وثانيا لأن الديوان صادر عن سلسلة ديوان شعر العامية بالهيئة المصرية العامة للكتاب، التي أشرف برئاسة تحريرها، ومن ثم أعتبره إضافة شخصية لي، وعلامة على تميز ما تقدمه السلسلة.

 

يطرح الديوان إدراكا مختلفا للوجود، رؤية فلسفية جدلية تتسم بالحركة، يبدو الشاعر خلالها كأنما يتحرى روابط الوجود وعلاقاته، بعضها ببعض، يتربص بها، يراقب تحولاتها: من الأصول إلى الفروع، ومن الفروع إلى الأصول، من الجوهر إلى العرَضَ، من الصوت إلى الصدى، عناصر صدى لعناصر، متحولة عنها، عالم في حالة تحول مستمر، من الماضي إلى المستقبل، من هناك إلى هنا، من الصرخة إلى ارتداداتها وارتجاعاها واحتمالاتها.

 

دياليكتيك كوني ووجودي، لا مكان فيه للثبات، لذلك فهو حي، جديد، احتمالي، ذاتي، لا يمكن تحويله إلى مضمون جامد، لذلك تغلب على السرد الشعري مفردات ظنية لا يقينية، مثل: ربما، وكأن، كما تغلب المفردات التي تشير إلى أفعال الحركة: بيتحول، بشرق، الخ.

يمكن القول إن الشاعر يقدم فقها جديدا للعلاقات، يقوم على تلمس الوجود تلمسا ذاتيا، ورؤية جدلية، لا ترى العالم في ثباته، إنما في حركته الدائبة.

 وناقش الديوان الشاعرة والناقدة عبير العطار والشاعر والناقد إبراهيم النحاس والشاعر مدحت العيسوي الرئيس الحالي لسلسة الشعر العامي بالهيئة الذي تحدث حول التجربة وتحدي نفسه في كتابة المشروع الشعري.

وقال الإعلامي الدكتور مرسي عبد العليم: الشاعر محمد فرغلي.. المبدع الماكر...! على طريقة اللاعب الفرنسي الشهير تيري هنري.. واللاعب الكاميروني الداهية روجيه ميلا..  حيث يقوم الشاعر محمد فرغلي.. بمباغتة المتلقي.. وقد أحرز في مرماه هدفا   بحرفية بعد أن بدا وكأنه سارح في الملكوت.. ثم يبتسم في براءة.. محمد فرغلي شاعر مكار.. يمزج   الفلسفة بالبون بونى.. ويضع المتلقي أمام مرآة.. ويتركه يصرخ من هول الصورة..  وتناقضات الحياة.. لكنه يعود إليه يربت على كتفه بحنان شعري آخاذ.. قبل أن يعود من جديد إلى المكر الشعري اللذيذ..

 

كما تحدث الشاعر أحمد خطاب وقال: إن الذاتية عند محمد فرغلي هي المسيطر الرئيسي في شعره ، وفي ديوان إيكو الديوان الذي يتوسط تجربة فرغلي تتبلور فيه الذاتية في مضمون الصدى ، الذي نلاحظ أنه كان موجوداً في ديوانه الأول من شظايا الحرب، وكأن الشظايا هي صدى وكل شظية في الديوان تعبر عن صدى ذاتي للشاعر ، وكان الصدى أيضاً موجوداً في ديوانه الثالث طلة من برواز وكأن أيضاً كل طلة يطل بها الشاعر من برواز ما، هي صدى ذاتي أيضاً في صورة طلة، بالرجوع إلى التجربة الثانية للشاعر والحديث عن الصدى في الصوت والضوء لا نجد أن الصدى يطرح نفسه كمفهوم عام للصدى، وإنما يجسد الشاعر من كل تجاربه الذاتية صدى خاص به، في الذاتية التي تعبر عن العام ، العام الذي يتوغل في عمق الذات، وكأن الذات والعام وجهان لعملة واحدة وهي الصدى.

 وقرأ فرغلي بعض النصوص من الديوان والتي أثني عليها الحاضرون ... كما حدثت بعض المداخلات منها: الشاعر عاصم عوض:

 

«حين أعطاني كتاب التصوف عام 1924 لم أندهش لدرجة الجنون» بهذه الجملة البديعة عبّرت (هيلين كزانتزاكيس) عن إعجابها الشديد بنص التصوف لكزانتزاكيس، وحينما تصفحت أعمال صديقي الشاعر محمد فرغلي الثلاثة (من شظايا الحرب، إيكو، طلة من برواز لابس شريط أسود) تذكرت هذه الجملة.

وكان اندهاشي على مستويات مختلفة:

الأول على مستوى اللغة؛ حيث يدهشك محمد في كتابته عامة بلغة شعرية شفيفة، وجمل مراوغة بسيطة، ينطبق عليها مصطلح الإدهاش بالبساطة.

الثاني على مستوى الصورة؛ ففي ديوانه (إيكو) -مثلًا- يختصر الشاعر الزمكان في نص (صدى الحبر) فيقول:

بامسك كتاب انتهى

واحط سن القلم في حبر آخر حرف

وارجع معه للخلف.

هذا المقطع الشعري المكثف الذي يحمل في أعماقه صورة تأملية للوحة جمالية تجمع بين تفاصيل زمانية ومكانية لا متناهية، وفلسفة مدهشة وموحية لها إشارات وتجليات تتشظى بين الحياة والشعر والزمان والمكان، وصدى الإنسان والشاعر والأشياء حوله.

كل هذا يمكن أن تختصره في لحظة قراءة هذا المقطع القصير، حيث يمكن لإيكو أن يكون غواصة كاشفة تبحث في ماهية الشعر وأعماق العلاقة بين الإنسان والشاعر، والحياة التي تمثله أو يمثلها، وحيث يبحث محمد فرغلي عن نفسه المبدعة في هذا النص.

وفي مداخلة أخري قال الشاعر مجدي أبو الخير:

 

محمد فرغلي - أدى شكر النعمة فزادت

في البداية أقول محمد شكر الله بأنه قدر نعم الله التي وهبها إياه وعرف أن شكرها يكون بتنميتها وأخذها على محمل الجد - أحب الشعر فعشقه الشعر ولم يبخل عليه بل كان لينا طائعا.

يعرف ما يفعل رغم خطورة هذا الأمر ولكن اتكئ محمد على دعم ووعد الشعر بأنه سيكون رفيقاً فلى غاية الوفاء طالما يقدره ويزكيه الشاعر، فتجارب محمد خطوات في مشروع يتكامل مزج فيه محمد بين الفلسفة السلسلة التي كانت حاضرة بشده عند جاهين وبساطة اللفظة عند فؤاد حداد رغم أنها لها تأويلات عدة، وحاضرة بقوة ثقافته وتنوعها التي جمعها من قراءات شتى ليطبخها بقلبه الشرقي ونكهتها الغربية أو الشرقية أو الاغريقية، أو أيا ما كانت وهذا نجاح يحسب له، يعرف قيمته جيدا ويعرف ماذا يفعل امتلئ بالإبداع فكان محمد أكثر تواضعا ينثر الحب فيعود إليه أضعافا كثيرة .