من وراء النافذة

هالة العيسوي تكتب: اختلافهم لم يعد رحمة

هالة العيسوي
هالة العيسوي

كل عام وحضراتكم بخير وفى سعة ويسر وبركة. اليوم هو ثانى أيام عيد الأضحى وأول أيام التشريق. لا تزال الفرصة أمامك حتى رابع أيام العيد لأداء منسك الأضحية والنحر. محتار؟ أنت معذور.

لقد أوقعنا علماء الأمة وفقهاؤها فى حيرة وحرج كبيرين، أمام رب العالمين. لم يعد فى اختلافهم رحمة، كما تعودنا لما يترتب على هذا الاختلاف من السهولة واليسر كالأخذ بفتوى عالم معين فى مسألة معينة مراعاة لمصلحة شرعية، وتتحقق بذلك التوسعة على الأمة. هذه المرة لم يعد بإمكانك الأخذ برأى أحدهم وأنت مطمئن. خلاف علماء هذا العصر حول أحكام الأضحية اتخذ منحىً عنيفًا، لا تغيب عنه الشخصنة، بل والسخرية والتسفيه أحيانًا، يشكك أحدهم فى صواب رأى الآخر، بعد أن كان الاجتهاد فيما لم يأت به نص من القرآن والسنة، يتيح تعدد الآراء الصائبة، بما يجعلك مرتاح الضمير وأنت تأخذ برأى أحدهم، مطمئنًا لعدم مخالفة الشرع. 

خلاف فقهاء هذا العصر، جاء فى زمن ضائقة اقتصادية حلّت على الجميع، بما فى ذلك من كانوا مستطيعين، بعد أن تضاءل عدد الموسرين، وبات تحقق مبدأ التوسعة مشكوكًا فيه. 
لذلك أجاز الدكتور سعد الهلالى أستاذ الفقه المقارن التضحية بالطيور إستنادًأ إلى آراء الصحابة رضى الله عنهم بلال بن رباح، الذى أفصح عن قيامه بالتضحية بديك، دون أن يراجعه أحد الصحابة، وابن حزم الظاهري، وداود بن على الظاهري. لكن المؤسسات البحثية الدينية، دحضت رأى الهلالى استنادًا إلى الآية 34 من سورة الحج وقالوا أن الأضحية تكون من بهيمة الأنعام ( الضأن، والماعز، الإبل، والبقر) ولا تصح من الطيور والأسماك. وسخر أحدهم من رأى الهلالى بإطلاق وصف ( أضحية الاستاكوزا)، وأصر هؤلاء على عدم جواز اشتراك اثنين فى ذبح كبش أو شاه، كما كان سائدًا فى عهد الرسول وما بعده. مع أن ظروف المعيشة وقتها تختلف تماما عنها فى أيامنا هذه من حيث وفرة هذه الأنعام ورخص أسعار الشياه وتفاهة شأنها مقارنة بغيرها من الأنعام، فى حين وصلت أسعارها الآن إلى قيم فلكية، وبات لها شأن كبير فى مواجهة جيوب الناس. 

بالفطرة والمنطق، لا بالعلم والتخصص، أميل قليلًا إلى رأى الدكتور الهلالي، فالأساس فى الأضحية هو مبدأ «النحر» وإراقة الدم سنة عن سيدنا إيراهيم وفداء لولده إسماعيل. كما إنها واجبة على المستطيع ولا تجب على غيره، فهل يُحرم اليوم من كان مستطيعًا بالأمس من التقرب إلى الله سبحانه، وأداء شعيرة النحر، أليس هذا تضييقًا على كل من المضحى والمحتاج؟ فضلًا عن أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ينه عن ذبح غير الأنعام. 

الدكتور الهلالى أعطى أولوية لذبح ما هو أقل من الأنعام، على التشجيع على تقسيط ثمن الأضحية، وبالفطرة أيضًا أميل إلى هذا الرأي، لآنه يتيح التوسعة على كل من المحتاج والمضحى ويعود عليه بالجزاء الأوفى،. ولو افترضنا أن توفى المقسط أثناء فترة السداد، ألن يصبح هذا الدين عبئًا على الورثة؟ وإذا كان رب العالمين فرض الحج وهو آخر أركان الإسلام الخمسة، للمستطيع فقط، ولم يأمر بالاستدانة لأدائه، فهل يقبل باستدانة عباده المخلصين لأداء سنة مهما كانت مؤكدة؟

ألم اقل لك أن اختلاف العلماء لم يعد رحمة؟