«شُموع».. قصة قصيرة للكاتب محمد بربر

محمد بربر
محمد بربر

وقفت السيدة الجميلة أمام المرآة الكبيرة في غرفتها تتحسس وجهها بأناملها التي مرّت على تجاعيد بدت واضحة، تلمست بطنها وعيناها غائمتان.

كانت تشعر مساء هذا اليوم أنها شجرة وحيدة في فناء يهزها الريح، روحها معلقة في السماء، تأملت صورتها الموضوعة في برواز خشبي تأبطته ونهضت لتستلقي على سريرها.

غمغم زوجها النائم بجوارها، ففهمت ما أراد، أغلقت ضوء المصباح الخافت ووضعت رأسها على الوسادة، مرّ وقت وهي تحدق في النافذة الصغيرة التي كانت مغلقة، تنهدت حين سمعت صوت شخير زوجها العائد من سفر بعيد.

استفاقت من نومها مبكرا، وكتبت رسالة إلى زوجها الذي ما زال مغرقا في سباته حتى مع شعاع اخترق صمت الغرفة، تخبره أنها ربما تتأخر قليلا، وعليه أن يحضر فطوره وقتما أراد.

سريعًا هبطت درجات السلم، وسارت إلى سيارة أجرة استقلتها، بدا الشارع كخيمة من غبار، كان السؤال الذي يلاحقها "متى تجد ظل روحها؟"

أطفال يهرولون مبكرين إلى مدارسهم، على ظهورهم حقائب ذات أشكال وألوان، تدقق النظر في أم تحمل رضيعها وفي يدها كف طفلة صغيرة تتباطىء في سيرها فتنهرها الأم للحاق باليوم الدراسي.

ترجّلت من السيارة أمام مبنى الكنيسة، أقحمت نفسها في زحام الوافدين، تمنّت أن يعود كل هؤلاء مجبوري الخاطر، صعدت درجات السلم حتى باتت في غرفة تنيرها الشموع، تعانقت داخلها قلوب المحبين بالسيدة العذراء، تتذكر كيف لامست هنا نسمات القبول في خلوات روحية.

في ركن قصي، أسندت رأسها على حائط أعلاه وضعت صورة العذراء، قبل أن تخرج قلما وورقة من حقيبتها كتبت عليها "عاوزة طفل يا رب"، قبلتها بحنو ووضعتها في صندوق صغير بالحجرة يحمل رسائل زوار العدرا، خرجت إلى الساحة الرحيبة واستظلت بشجرة انخفض غصنها على استحياء، شعرت بارتعاشة في نفسها لم تخل من تشوّف.