«المنتقبة» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبو بيه

الدكتور محمد محي الدين أبو بيه
الدكتور محمد محي الدين أبو بيه


تمر عليّ من حين إلي آخر في (محلي)، أعطيها ما تجود به أيادىّ من بعض الأوراق المالية .. هي منتقبة لا أعرفها وأميزها فقط بملبسها المتواضع وجسدها الفارع الطول .. تحضر وتنصرف بسرعة البرق كأنها لا تريد أن يراها أحد.

 ذات يوم أصرّ ابني الصغير عليّ أن أحضر له وجبة من ذلك المطعم الأمريكاني الذي تضج إعلاناته في كل مكان، أنهيت أعمالي ثم ذهبت إلى ذلك المطعم وكان الطابور طويل حيث أخذت ورقة وانتظرت دوري، في تلك الأثناء لمحت امرأة تجلس علي طاولة أحسست أني أعرفها،  كانت الطاولة عامرة بشتي أنواع المأكولات وعندما لاحظت هي أني أرقبها بعيني ارتبكت وطلبت من النادل أن يضع لها الطعام في كيس ثم حملته وانصرفت.

مرّت أمامي ورائحة (البرفيوم) الذي تضعه عبق كل المكان، وصوت حذائها مع كل خطوه يرن بالأرجاء ولباسها المكشوف صدره قد تعلقت به العيون، طردت الوساوس التي علقت بذهني وقلت ربما تتشابه الأجساد والعيون، وثانيأً لماذا أربط بين هذه وتلك والفرق شاسع

: افتقدتها عدة أيام ثم أسابيع وتطور الأمر، إلي شهور حتي انسحبت من الذاكرة وكأنها تبخرت.

 أبواق السيارات تزداد أصواتها بشكل مزعج .. وأُناس تهرول .. واكتظ المكان واختلط الحابل بالنابل عند إشارة المرور،

ترّجلت من سيارتي لأستوضح الأمر وما الداعي لكل هذه الجلبة، كانت هناك سيدة مُلقاة علي الأرض وتنزف دماً من وجهها الذي كان يعلوه نقاباً وعندما أزالوه تكشفت بعض ملامحها، إنها هي .. إنها هي .. قلتها لنفسي والواضح أن صوتي كان عالياً فسألني المسعف الذي حملها إلى سيارة الإسعاف: هل تعرفها يا أستاذ؟

لم أجبه وقد أخذتني المفاجأة.

تابع قائلاً: بس أظن إنك مش قريبها لأنها شحاذة وصدمتها سيارة جايه سريعة عند الأشارة، وهي بتحاول تمد أيديها تأخد الفلوس إللي وقعت منها علي الأرض.