حضــارة للبــيــع

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬عقب‭ ‬سياسة‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينيات‭ ‬وموجة‭ ‬الهجرات‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬البترولية‭ ‬،‭ ‬حدث‭ ‬تحول‭ ‬طبقى‭ ‬مفاجئ‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬وظهر‭ ‬مايمكن‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬شرائح‭ ‬الأغنياء‭ ‬الجدد‭ .‬

بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الشرائح‭ ‬الغنية‭ ‬الجديدة‭ ‬تدخل‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬الاستهلاكى‭ ‬المحموم‭ ‬لشراء‭ ‬كل‭ ‬ماهو‭ ‬غالى‭ ‬الثمن‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭ ‬وتطارد‭ ‬بنهم‭ ‬السلع‭ ‬المستوردة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أى‭ ‬سلع‭ ..‬متعالية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ماهو‭ ‬صنع‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬السباق‭ ‬الاستهلاكى‭ ‬غرضه‭ ‬الرئيسى‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬هذه‭ ‬الشرائح‭ ‬بتميزها‭ ‬الطبقى‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬طبقات‭ ‬المجتمع‭ ‬نتيجة‭ ‬للثروات‭ ‬التى‭ ‬جمعتها‭ ‬فى‭ ‬مدة‭ ‬قصيرة‭ ‬وبطرق‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬

أثناء‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬السائلة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬بدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬قصة‭ ‬غريبة‭ ‬ــ‭ ‬رصدتها‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬أفلامها‭ ‬ــ‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الشرائح‭ ‬الغنية‭ ‬تتنافس‭ ‬لشراء‭ ‬الكتب‭ ‬ذات‭ ‬التجليد‭ ‬الفاخر‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬الشهيرة‭ ‬أوشراء‭ ‬المكتبات‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬بائعى‭ ‬الكتب‭ ‬المعروفين‭ ‬ولايهم‭ ‬هنا‭ ‬محتوى‭ ‬الكتب‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بداخل‭ ‬صفحاتها‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬المعرفة‭ ‬المتنوعة‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬فقط‭ ‬الشكل‭ ‬الخارجى‭ ‬الفخم‭ ‬لهذه‭ ‬المجلدات‭ .‬

توالت‭ ‬عمليات‭ ‬الشراء‭ ‬بكثافة‭ ‬وشحن‭ ‬المجلدات‭ ‬الفاخرة‭ ‬إلى‭ ‬شقق‭ ‬وفيلات‭ ‬وقصور‭ ‬الشرائح‭ ‬الجديدة‭ ‬بل‭ ‬ظهر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬سماسرة‭ ‬التثقيف‭ ‬وظيفتهم‭ ‬انتقاء‭ ‬أسماء‭ ‬رنانة‭ ‬للكتب‭ ‬والمجلدات‭ ‬المشتراة‭ ‬ثم‭ ‬إعطاء‭ ‬المشترى‭ "‬كبسولة‭" ‬معرفية‭ ‬بسيطة‭ ‬تناسب‭ ‬عقلية‭ ‬السيد‭ ‬أو‭ ‬السيدة‭ ‬من‭ ‬الشرائح‭ ‬الجديدة،‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬تتحول‭  ‬الكتب‭ ‬ذات‭ ‬التجليد‭ ‬الفاخر‭ ‬إلى‭ ‬ديكور‭ ‬صامت‭ ‬يحتل‭ ‬أرفف‭ ‬مكتبات‭ ‬صنعت‭ ‬من‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬الأخشاب‭ ‬المستوردة‭ .‬

يختم‭ ‬سمسار‭ ‬التثقيف‭ ‬عمله‭ ‬بتحفيظ‭ ‬السيد‭ ‬والسيدة‭ ‬من‭ ‬الأغنياء‭ ‬الجدد‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء‭ ‬الرنانة‭ ‬للكتب‭ ‬والمؤلفين‭ ‬المتراصة‭ ‬أعمالهم‭ ‬على‭ ‬الأرفف‭ ‬الخشبية‭ ‬المستوردة‭ ‬ويناولهم‭ "‬الكبسولة‭ " ‬المعرفية‭ ‬ليبتلعوها‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬منهم‭. ‬غرض‭ ‬هذا‭ ‬التحفيظ‭ ‬والابتلاع‭ ‬بضيق‭ ‬أن‭ ‬يتفاخر‭ ‬السادة‭ ‬الجدد‭ ‬أمام‭ ‬منافسيهم‭ ‬من‭ ‬السادة‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬ضيوفهم‭ ‬المساكين‭ ‬بمدى‭ ‬علمهم‭ ‬الغزير‭ ‬وثقافتهم‭ ‬الواسعة‭ ‬ويشرحون‭ ‬فى‭ ‬حكمة‭ ‬وتعالى‭ ‬أمام‭ ‬المنافسين‭ ‬والضيوف‭ ‬أسباب‭ ‬تفضيلهم‭ ‬للعقاد‭ ‬عن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬حبهم‭ ‬الشديد‭ ‬للتاريخ‭ ‬دفعهم‭ ‬لاقتناء‭ ‬مجلدات‭ ‬البداية‭ ‬والنهاية‭ ‬لابن‭ ‬كثير‭ ‬إلى‭ ‬موسوعة‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬لسليم‭ ‬حسن‭ ‬وبين‭ ‬المجلدات‭ ‬المتراصة‭ ‬لامانع‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬روايات‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وإحسان‭ ‬عبد‭ ‬القدوس‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬فاتحة‭ ‬الطريق‭ ‬لهم‭ ‬أثناء‭ ‬فترات‭ ‬الصبا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬القراءة‭ ‬والمعرفة‭ .‬

رغم‭ ‬امتلاك‭ ‬السادة‭ ‬الجدد‭ ‬المال‭ ‬والنفوذ‭ ‬وأفخر‭ ‬الثياب‭ ‬والطعام‭ ‬القادم‭ ‬بالطائرات‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يمتلكون‭ ‬السلطة‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬التفاخر‭ ‬بالثقافة‭ ‬والمعرفة‭ ‬أو‭ ‬طلاء‭ ‬أنفسهم‭ ‬بطلاء‭ ‬زائف‭   ‬من‭ ‬الحضارة‭ .‬

لا‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬غريبًا‭ ‬لأن‭ ‬السادة‭ ‬الجدد‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬بشر‭ ‬والإنسان‭ ‬مهما‭ ‬امتلك‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يمتلك‭ ‬أيضًا‭ ‬عقلا‭ ‬ويشعر‭ ‬بالتفوق‭ ‬والتميز‭ ‬الحقيفى‭ ‬عندما‭ ‬يسود‭ ‬عقله‭ ‬وتسيطر‭ ‬أفكاره‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بأسلوب‭  ‬مخادع‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬السادة‭ ‬الجدد‭ ‬ومكتباتهم‭ ‬الديكورية‭ .‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬سادة‭ ‬انفتاح‭ ‬السبعينيات‭ ‬أصبحوا‭ ‬حالة‭ ‬عالمية‭ ‬وسماسرة‭ ‬التثقيف‭ ‬تركوا‭ ‬خلفهم‭ "‬أكشاكهم‭ " ‬الصغيرة‭ ‬التى‭ ‬كانوا‭ ‬يديرون‭ ‬منها‭ ‬أعمالهم‭ ‬المتواضعة‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬المجلدات‭ ‬الفخمة‭ ‬وتجهيز‭ ‬الأسماء‭ ‬الرنانة‭ ‬و‭"‬الكبسولات‭" ‬المعرفية‭ ‬وتحولوا‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬ضخمة‭ ‬ذات‭ ‬ميزانيات‭ ‬مليارية‭ ‬لأن‭  ‬السوق‭ ‬اتسع‭ ‬وباب‭ ‬الزيف‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬والسادة‭ ‬الجدد‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬بشرًا‭ ‬بل‭ ‬دول‭ ‬فاحشة‭ ‬الثراء‭ ‬وجماعات‭ ‬غامضة‭ ‬ونافذة‭ ‬وكلهم‭ ‬نزلوا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬المريبة‭ ‬ليس‭ ‬لشراء‭ ‬مجلدات‭ ‬فخمة‭ ‬وتصميم‭ ‬مكتبات‭ ‬ديكورية‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬السبعينيات‭ ‬الانفتاحية‭ ‬بل‭ ‬يريدون‭ ‬شراء‭ ‬حضارات‭ ‬إنسانية‭ ‬بكاملها‭ ‬ثم‭ ‬يتولى‭ ‬السماسرة‭ ‬المدعومون‭ ‬بمليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬تفكيك‭ ‬ونقل‭ ‬هذه‭ ‬الحضارات‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬السيد‭ ‬المشترى‭ .‬

فى‭ ‬حالة‭ ‬صعوبة‭ ‬عملية‭ ‬الشراء‭ ‬مع‭ ‬إلحاح‭ ‬المشترى‭ ‬وأمام‭ ‬إغراء‭ ‬المليارات‭ ‬الدولارية‭ ‬المتدفقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجهز‭ ‬السماسرة‭ ‬ميليشيات‭ ‬من‭ ‬المتثاقفين‭ ‬المتخصصين‭ ‬فى‭ ‬تزييف‭ ‬الحقائق‭ ‬وميليشيات‭ ‬أخرى‭ ‬تتولى‭ ‬القيام‭ ‬بالبروباجندا‭ ‬والدعاية‭ ‬السوداء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقناع‭ ‬المتابعين‭ ‬أن‭ ‬عديمى‭ ‬الحضارة‭ ‬هم‭ ‬أصحاب‭ ‬الحضارة‭ ‬المقرصن‭ ‬عليها‭ ‬وأصحاب‭ ‬الحضارة‭ ‬الأصليين‭ ‬دخلاء‭ ‬عليها‭ !.‬

لا‭ ‬يشترط‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬الحضارة‭ ‬المقرصن‭ ‬عليها‭ ‬كقطعة‭ ‬واحدة‭ ‬فميليشيات‭ ‬السماسرة‭ ‬وأتباعهم‭ ‬لهم‭ ‬اساليب‭ ‬متعددة‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬استلاب‭ ‬هذه‭ ‬الحضارات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تفكيكها‭  ‬أى‭ ‬تجزيئها‭ ‬الى‭ ‬تاريخ،‭ ‬ثقافة،‭ ‬فنون‭ ‬،آداب،تراث‭ ‬وكل‭ ‬ماتشتمل‭ ‬عليه‭ ‬أى‭ ‬حضارة‭ ‬عريقة‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬حتى‭ ‬الأسماء‭ ‬التى‭ ‬أسهمت‭ ‬فى‭ ‬صناعتها‭ ‬سواء‭ ‬رحلت‭ ‬أو‭ ‬مازالت‭ ‬تعيش‭ ‬بيننا‭ ‬ثم‭ ‬تبدأ‭ ‬عمليات‭ ‬السلب‭ ‬والنهب‭ ‬المنظم‭ ‬لكل‭ ‬عنصر‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬بالإدعاء‭ ‬والدعاية‭ ‬السوداء‭ ‬والتزييف‭ ‬المستمر‭ ‬وبشراء‭ ‬ذمم‭ ‬بعض‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬من‭ ‬المنتسبين‭ ‬للحضارة‭ ‬المقرصن‭ ‬عليها‭ ‬ووظيفة‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬تأكيد‭ ‬زيف‭ ‬ميليشيات‭ ‬السماسرة‭ ‬سارقى‭ ‬الحضارات‭.   ‬

نعود‭ ‬هنا‭ ‬لنفس‭ ‬الاستفسار‭ ‬لماذا‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬الدولية‭  ‬بكامل‭ ‬طاقتها‭ ‬ويتهافت‭ ‬عليها‭ ‬المشترون‭ ‬فاحشو‭ ‬الثراء‭ ‬وتقتنص‭ ‬ميليشيات‭ ‬السماسرة‭ ‬فى‭ ‬دهاليزها‭ ‬الملتوية‭ ‬صفقات‭ ‬مشبوهة‭ ‬بمليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬،هل‭ ‬يبحث‭ ‬فاحشو‭ ‬الثراء‭ ‬عن‭ ‬التفاخر‭ ‬والتمايز‭ ‬بالحضارة‭ ‬المسروقة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬سادة‭ ‬انفتاح‭ ‬السبعينيات؟‭ ‬فى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬التفاخر‭ ‬والتمايز‭ ‬الذى‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬الإنسان‭ ‬العادى‭ ‬ولكنه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬متنافسة‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ .‬

هذه‭ ‬ليست‭ ‬كل‭ ‬الإجابة‭ ‬فالأمر‭ ‬هنا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسياسة‭ ‬وحسابات‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬فهذه‭ ‬الحسابات‭ ‬لا‭ ‬يصنعها‭ ‬المال‭ ‬فقط‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬الأموال‭ ‬التى‭ ‬تمتلكها‭ ‬الدول‭ ‬فاحشة‭ ‬الثراء‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬المنظمة‭ ‬ذات‭ ‬الأهداف‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬نفس‭ ‬الدول‭ ‬وهذه‭ ‬الجماعات‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تنشئه‭ ‬بعد‭ ‬وتجيش‭ ‬ميليشيات‭ ‬السماسرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬البضاعة‭ ‬الثمينة‭. ‬

بالنسبة‭ ‬لفاحشى‭ ‬الثراء‭ ‬فطوال‭ ‬سنوات‭ ‬ظلت‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة‭ ‬تستخدم‭ ‬سلاح‭ ‬المال‭ ‬لتحقيق‭ ‬معادلة‭ ‬حسابات‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬ولكن‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬المعادلة‭ ‬ناقصة‭ ‬ولا‭ ‬تحقق‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬بقوة‭ ‬المال‭ ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬القريب‭ ‬لم‭ ‬تحاول‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬تبديل‭ ‬عناصر‭ ‬المعادلة‭ ‬حتى‭ ‬تغيرت‭ ‬النخب‭ ‬وبدأت‭ ‬تبحث‭ ‬عما‭ ‬يحرك‭ ‬المعادلة‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعًا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولى،‭ ‬إنها‭ ‬نفس‭ ‬لحظة‭ ‬الاكتشاف‭ ‬التى‭ ‬وصل‭ ‬إليها‭ ‬سادة‭ ‬انفتاح‭ ‬السبعينيات‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬محدودية‭ ‬غرض‭ ‬الانفتاحيين‭ ‬واتساع‭ ‬دولى‭ ‬تبحث‭ ‬عنه‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة‭ ‬الجديدة‭ ‬

وجد‭ ‬الانفتاحيون‭ ‬غايتهم‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المجلدات‭ ‬فاخرة‭ ‬التجليد‭ ‬ومكتبات‭ ‬ديكورية‭ ‬صنعت‭ ‬من‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬الأخشاب‭ ‬المستوردة‭ ‬أما‭ ‬النخب‭ ‬الجديدة‭ ‬فوجدت‭ ‬غايتها‭ ‬فى‭ ‬كلمة‭ ‬سحرية‭ ‬هى‭ ‬الحضارة‭ ‬فهذه‭ ‬الحضارة‭ ‬هى‭ ‬ماستعطى‭ ‬لحسابات‭ ‬المعادلة‭ ‬القوة‭ ‬المطلوبة‭ ‬وتحقق‭ ‬للنخب‭ ‬أحلامها‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬قوة‭ ‬ونفوذ‭ ‬وتأثير‭ ‬حقيقى‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬ولكن‭ ‬بقى‭ ‬شيء‭ ‬واحد‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬التى‭ ‬لاتظهر‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬وليلة‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬عادت‭ ‬تلك‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة‭ ‬إلى‭ ‬سلاحها‭ ‬الوحيد‭ ‬المال‭ ‬لكى‭ ‬تشترى‭ ‬الحضارة‭ ‬المفقودة‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ظهرت‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬وتكونت‭ ‬ميليشيات‭ ‬سلب‭ ‬ونهب‭ ‬الحضارات‭ ‬لتحقق‭ ‬رغبات‭ ‬النخب‭ ‬الجديدة‭ .‬

ما‭ ‬سرع‭ ‬بتنشيط‭ ‬هذه‭ ‬السوق‭ ‬العجيبة‭ ‬وأطلق‭ ‬يد‭ ‬الميليشيات‭ ‬هو‭ ‬ظهور‭ ‬وسائط‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬التى‭ ‬تدار‭ ‬على‭ ‬صفحاتها‭ ‬ومنصاتها‭ ‬حروب‭ ‬الدعاية‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬بالوكالة‭ ‬وهذه‭ ‬الوسائط‭ ‬مهما‭ ‬تم‭ ‬التحكم‭ ‬فى‭ ‬حركتها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬بيد‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬

استشعرت‭ ‬النخب‭ ‬الجديدة‭ ‬أن‭ ‬مواطنيها‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬ما‭ ‬يتميزون‭ ‬به‭ ‬أمام‭ ‬حالة‭ ‬الفخر‭ ‬الحضارى‭ ‬التى‭ ‬يمتلكها‭ ‬الآخرون‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬للنخب‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬لأنه‭ ‬يدور‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬افتراضى‭ ‬ولكن‭ ‬أمام‭ ‬سيطرة‭ ‬وسائط‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البشرى‭ ‬انتهى‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الأفتراضى‭ ‬والواقعى‭ ‬وأصبحت‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬هزيمة‭ ‬مواطنيها‭ ‬فى‭ ‬المعركة‭ ‬الافتراضية‭ ‬يعنى‭ ‬أنها‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الواقعى‭ ‬ستهتز‭ ‬سلطتها‭ ‬سياسيًا‭ ‬وتفقد‭ ‬سطوتها‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬الغاضبين‭ ‬وأكثرهم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ .‬

هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬لم‭ ‬تواجه‭ ‬اباء‭ ‬النخب‭ ‬الجديدة‭ ‬بسبب‭ ‬محدودية‭ ‬آلة‭ ‬الدعاية‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬وقت‭ ‬الاباء‭ ‬لكن‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجى‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وسائط‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬أعطى‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬آلة‭ ‬الدعاية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬أو‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬حضارة‭ ‬ويفضل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حضارة‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬المحيط‭ ‬الجغرافى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إرضاء‭ ‬ونصرة‭ ‬المواطنين‭ ‬الغاضبين‭ ‬ولو‭ ‬بحضارة‭ ‬مسروقة‭ . ‬

عندما‭ ‬نذهب‭ ‬إلى‭  ‬الجماعات‭ ‬الغامضة‭ ‬والنافذة‭ ‬ونراقب‭ ‬حركتها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬وتعاملاتها‭ ‬مع‭ ‬ميليشيات‭ ‬السلب‭ ‬والنهب‭ ‬الحضارى‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬ترتبط‭ ‬بالدول‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التواجد‭ ‬ولكنها‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ثقافى‭ ‬وسياسى‭ ‬مع‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مستشعرة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعامل‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المساواة‭ ‬ببقية‭ ‬مكونات‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الاضطراب‭ ‬الاجتماعى‭ ‬الذى‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الانفجار‭ .‬

ابتكرت‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬حلا‭ ‬يمنع‭ ‬هذا‭ ‬الانفجار‭ ‬القادم‭ ‬وهو‭ ‬تحريك‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬للخارج‭ ‬بواقع‭ ‬أنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬حضارة‭ ‬عظيمة‭ ‬ولكنها‭ ‬سلبت‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬آخرين‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يوجهوا‭ ‬غضبهم‭ ‬لهذا‭ ‬الآخر‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬المجتمعات‭ ‬التى‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أجهزة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬سياسية‭ ‬واستخبارية‭ ‬ودعائية‭ ‬تساعد‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬وتوفر‭ ‬لها‭ ‬الميليشيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غرض‭ ‬أساسى‭ ‬وهو‭ ‬إبعاد‭ ‬هذا‭ ‬الانفجار‭ ‬عن‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬المضطربة‭ ‬حتى‭ ‬لوكان‭ ‬هذا‭ ‬الإبعاد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حضارات‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ .‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬مستغربًا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تحالف‭ ‬بين‭ ‬فاحشى‭ ‬الثراء‭ ‬والجماعات‭ ‬الغامضة‭ ‬النافذة‭ ‬لأن‭ ‬الغرض‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬نهب‭ ‬وسلب‭ ‬حضارات‭ ‬الشعوب‭ ‬وأمام‭ ‬هذا‭ ‬النهم‭ ‬الشديد‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬سرقة‭ ‬الحضارات‭ ‬والذى‭ ‬بدأ‭ ‬يجذب‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬الغرض‭ ‬ولكن‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭ ‬فقد‭ ‬يأتى‭ ‬يوم‭ ‬ويتخلص‭ ‬السماسرة‭ ‬وميليشيات‭ ‬السلب‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬السرية‭ ‬السوداء‭ ‬وبلا‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬يطلقون‭ ‬حملات‭ ‬دعائية‭ ‬مباشرة‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬حضارات‭ ‬للبيع‭ ‬والوسطاء‭ ‬يمتنعون‭.‬


 

;