موقف الأقباط من الحكم الإسلامى فى مصر

الباحث يتوسط لجنة الإشراف والحكم بعد المناقشة
الباحث يتوسط لجنة الإشراف والحكم بعد المناقشة

منى نور

«موقف الأقباط فى مصر من الحكم الإسلامى حتى نهاية العصر الأموى» أطروحة، حصل عنها الباحث هشام محمد رفيق الطائى، على درجة الماجستير فى التاريخ الإسلامى. تم مناقشة الدراسة بكلية الآداب، الجامعة العراقية، بإشراف الدكتور عبدالجبار ستار البياتى.

قدم الباحث لدراسته بقوله: أن أهمية البحث تأتى من أهمية مصر، وأن لمصر أهمية خاصة فى التاريخ الإسلامى فمنذ دخول المسلمين إليها وصارت ولاية إسلامية، تابعة لمركز الخلافة تميزت مصر باستقرار سياسى وإدارى واجتماعى، وهذه الخصائص ميزتها فى العالم القديم، وجعلت لها شخصية مستقلة بنفسها.

لافتاً إلى أن مصر، شاركت فى معظم أحداث الدولة الإسلامية، وكانت مركز الثقل وحجر الأساس فى فتوحات المغرب والأندلس، حيث كانت الجيوش تنطلق منها للمعارك والفتوحات 

وأكد أن سبب اختياره لموضوع رسالته «موقف الأقباط فى مصر من الحكم الاسلامى حتى نهاية العصر الأموى»، كانت رغبته فى دراسة صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامى فى التعامل مع الآخر، «الأقباط النصارى»ونحن نقرأ معاهدات الصلح التى عقدت بين عمرو بن العاص والمصريين نجدها صريحة فى النص على احترام عقائد أهل مصر، واحترام شعائرهم وبيعهم وكنائسهم ورهبانهم، وقد شعر أهل مصر بعد دخول المسلمين لمصر، بأنهم أكثر حرية فى تدينهم بمذهبهم المسيحى مما كانوا عليه حين كانوا خاضعين لسلطان الروم، الذى حاول إكراههم على تغيير مذهبهم وكان للمصريين الدور الكبير فى التأثير فى حياة المسلمين، بدءاً بالجانب الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والإدارى والعلمى والفكرى.

فى المبحث الثانى تناولت الدراسة الأحوال العامة لمصر قبل الإسلام، جاء فى هذا البحث أن الغزاة الذين تورطوا فى وادى النيل فى أزمنة الضعف والفوضى كانوا يتمصرون بسرعة أو يقذف بهم إلى الخارج إن لم يقدروا على تكييف أنفسهم مع ضرورات البلاد.

وكان المبحث الثالث عن مذاهب الأقباط وعقائدهم وفرقهم الدينية فتطرق الباحث بالدراسة إلى الجذور التاريخية للديانة المسيحية فى مصر وتبلور المذهب اليعقوبى، لافتا إلى أن أهل مصر لم يدينوا بديانة وثنية عندما جاء عمرو بن العاص إلى مصر فاتحا عام 20 هـ/ 641 م، فأهل مصر كانوا يعتنقون المسيحية قبل دخول الإسلام، وكان ذلك على يد القديس مرقس الرسول عام 55م وكان يدعى ب«كاروز» الديار المصرية.

وقد تعرض المسيحيون فى مصر للاضطهاد على يد الرومان الوثنيين فى عهد الامبراطور دمليديانوس.

وفى هذا الفصل، ثمة مبحث رابع عن هجرات العرب إلى مصر قبل الإسلام وعلاقتهم مع الأقباط، وفى هذا الشأن جاء فى الرسالة، أنه فى أوا:ئل عصر الأسر دخل العرب مصر فى أعداد كبيرة عن طريق ساحل ارتيريا واستقروا فيها، فالعرب كانوا من قدماء سكان مصر، لا كما يتصور بعضهم من أنهم دخلوا مصر فى الفتح.

ولقد قامت بين المصريين والعرب - أيام البطالمة - علاقات تجارية نشيطة، هيأت فرصا واسعة لتبادل الصلات المختلفة فيما بينهم، وكان منهم عمرو بن العاص وكثير من التجار العرب، وكان آخر هجرة عربية إلى مصر قبل ظهور الاسلام، تلك التى كانت بها بعض بطون خزاعة فنرى العرب كانوا على معرفة تامة بمصر قبل الإسلام، وصلاتهم بها قديمة وقوية مستمرة، مما مهد الطريق للقائد عمرو بن العاص أن يقوم ومعه القبائل العربية ليفتح مصر.

كان ذلك تمهيداً للفصل الثانى للدراسة وهو عن «الفتح الإسلامى لمصر وموقف الأقباط منه»، وقال فيه الباحث أن ثمة أسباب عدة دفعت بالمسلمين للتوجه إلى مصر لفتحها وضمها إلى الدولة العربية الإسلامية، منها: أسباب دينية، وسياسية أمنية وعسكرية واقتصادية، وأسباب أخرى تتعلق بقائد الجيش المتوجه لفتح مصر عمرو بن العاص.

وقد بلغ عدد القبائل العربية التى هاجرت إلى مصر فى القرون الثلاثة الأولى للهجرة وأقامت فيها 244 قبيلة وبطناً.

وذكر الباحث أن عدد الرجال الذين فتحوا مصر عام 20هـ، حوالى 12 ألفا.

وعن دور الأقباط فى عملية التعريب، قال الباحث انه كان من الضرورى تتبع عناصر عدة منها: انتشار العرب والتمصير، وصلة العرب بالأرض، وانتشار الإسلام وأثره فى نشر اللغة العربية، وانتشار العربية وتكوين الثقافة العربية بعناصرها الثلاثة: اللغة والدم والدين الإسلامى.

وثمة عامل سياسى واقتصادى إدارى لانتشار العرب، حيث قام العرب بخطوات تنفيذية سياسية واقتصادية منها: تعريب الدواوين، مجىء مهاجرين عرب بأعداد كبيرة، وأن الاختلاط بين العرب والمصريين قد أتاح للطرفين تبادل الأفكار واللغات، فضلاً عن إهمال المصريين - التدريجى لدراسة اللغتين اليونانية والقبطية، وتعلمهم العربية التى أصبحت لغة الأعمال.

وأوضحت الدراسة: أن من العوامل التى ساعدت على انتشار العربية بين الأقباط المصريين، أن اللغة العربية أصبحت لغة العلم والثقافة ودخولها مجال التأليف العلمى الذى يعد أهم مراحل التحول من البداوة إلى الحضارة.

وجاء الفصل الثالث والأخير عن موقف الأقباط من العرب الذين دخلوا مصر، فأوضحت أن الأقباط حصلوا على فوائد كثيرة من دخول العرب المسلمين إلى مصر، أولها: الحرية الدينية التى حصلوا عليها بعد خروج الروم من مصر، والاستيلاء على كثير من الكنائس والمنشآت الدينية التى أخليت بعد الفتح الإسلامى.

وبعد اتمام فتح مصر، لقى بطريرك الكنيسة القبطية «بنيامين» تقدير وتكريم القائد عمرو بن العاص، فشهد الأقباط حركة إحياء لم يسبق لها مثيل شملت: إحياء العقيدة القومية، والأدب والفنون، وتحررها كلياً من المؤثرات اليونانية.

واستطاع عمرو أن يستجلب ودهم بالاستعانة بهم فى إصلاح أحوال البلاد الإدارية والاقتصادية، وتنظيم القضاء.

كما ظلت مؤسسات الدولة قائمة كما هى يدير شئونها الأقباط، حتى يتفرغ المسلمون لأعمال الجهاد واتمام فتح مصر، كما أن الاقباط أعلم بأمور الإدارة واللغتين القبطية واليونانية اللتين كانتا تكتب بهما دواوين مصر، فضلاً عن احترام نصوص العهود التى أعطاها عمرو بن العاص للأقباط، التى تتضمن احترام الحريات واحترام الملكيات الخاصة وعدم التدخل بشئون الأقباط.

وفى ختام دراسته توصل الباحث لعدة نتائج جاء فيها: أن الأقباط المصريين تخلصوا من التبعية البيزنطية، ومن الأعباء المالية الكبيرة التى كانت مفروضة عليهم، وحصلوا على حريتهم الدينية وعادت إليهم كنائسهم، وبعد فتح مصر - أيضاً - عاد الأقباط إلى استعمال لغتهم القبطية فى الإدارة والطقوس الدينية بدلاً من اليونانية، بالإضافة إلى مشاركة الأقباط فى بناء الدولة الجديدة، فكانوا لبنة أساسية فى بناء الإدارة والحكم والجيش، وبناء الأساطيل البحرية وقيادتها، وفى كافة الأعمال المدنية، من الطب ومسح الأراضى وأعمال الزراعة، والنجارة والتجارة، وبناء البيوت، وصناعة الأقمشة والصرافة.

وفيما يخص التأثيرات الفكرية، فكان أول من أنشأ مدارس علمية وفكرية عبدالله بن عمرو بن العاص، كان معه الصحيفة الصادقة فيها أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وعقبة بن عامر بن عبس الجهنى، والفقيه حبان بن أبى جبلة ومن التأثيرات الحضارية: بناء مدينة الفسطاط، وحفر خليج أمير المؤمنين وتسيير السفن.

وأكدت الدراسة أن عامل الهجرات العربية أهم عوامل تعريب مصر، وأن سياسة التعريب التى اتخذها الأمويون ورسمها الخليفة عبدالملك بن مروان شملت تعريب النقد وإصلاحه، وتعريب الدواوين المالية، لتحل العربية محلها.

وأثار البعض موضوع الجزية واعتبرها إجحافاً وظلماً بحق الأقباط وبينت الدراسة أن الجزية لم تكن تدفع دون مقابل، بل كان يقابلها الدفاع عن البلاد والحماية والمنحة،  وحقن الدماء ومقاتلة العدو دونهم، فإذا أخذ المسلمون الجزية ومنعهم شىء من الدفاع عن البلاد وعن أهل الذمة، فإنهم كانوا يردون الجزية لهم.

نقلا عن عدد أخبار الأدب بتاريخ 4/6/2023

اقرأ أيضًا : حزب الحرية المصري: إحياء مسار العائلة المقدسة خلق تنمية سياحية جديدة