العمارة الفرنسية تجسد صور الجمال في شوارع الإسماعيلية

العمارة الفرنسية
العمارة الفرنسية

كتب: فتحي البيومي

حين تذكر الإسماعيلية تجدها صورة جميلة تتجلى فيها كل صور الإبداع في فن العمارة خاصة العمارة الفرنسية التى كست ملامحها أشكال وتصميمات فيلات العاملين بهيئة قناة السويس.

لم يطلق عليها الناس عبثا لقب "باريس الصغرى" فكل ما فيها من شوارع ومنشآت تجعل الناظر إليها وكأنه يعيش داخل لوحة قد أبدع فيها من رسمها وتتجلى فيها كل عناصر الجمال والروعة .


تلك المدينة التى مر على إنشائها أكثر من ١٦٠ عاما وما زالت تحتفظ بجمالها ورونقها وسحرها الذي يسلب عقل من يزورها مرة ليحرص بين الحين والآخر على زيارتها والتمتع بجمال شوارعها الخضراء ومبانيها الزاهية .

اقرأ أيضا | أوقاف الإسماعيلية تقيم احتفالية للأطفال ضمن أنشطة البرنامج الصيفي بالتل الكبير

تلك المدينة التي لا تزال تحمل روح والي مصر الخديوي إسماعيل الذي خطط لإنشائها لتكون مركزا عمرانيا تدار منه دفة الممر الملاحي العالمي الذي غير وجهة طرق التجارة العالمية. 


كان انبهار الخديوي إسماعيل بالمجتمعات الأوروبية خاصة الفرنسية له أكبر الأثر في تخطيطه وتوجيهاته لجعل المدينة قطعة من مدينة النور العاصمة الفرنسية  "باريس"، حتى بنيت الإسماعيلية على شاكلتها،  وقد وجد الخديوي إسماعيل الذي طالما كان يردد "هوايتي الطوب والمونة" الفرصة أمامه سانحة لإقامة مجتمع عمراني يتسم بطراز فريد، حتى أن اسم المدينة اشتق مباشرة من اسمه.


بداية الإنشاء


وعن بداية إنشاء فيلات ومساكن الإسماعيلية يقول الباحث والمؤرخ أحمد فيصل: حين كان الخديوي إسماعيل في إحدى زياراته لباريس عاصمة فرنسا والتى كان يطلق عليها حينها "عاصمة النور" حرص عند عودته على اصطحاب عدد من المهندسين والمعماريين الفرنسيين وذلك لتخطيط مدينة تكون نسخة متطابقة مع "باريس" تدار من خلالها كافة الأمور المتعلقة بقناة السويس وذلك يجعلها محط أنظار العالم أجمع .


وقد ساعد في بناء المدينة المنتظرة شركة قناة السويس حيث بدأت الشركة في بناء المساكن في الحي الإفرنجي للموظفين الأجانب عام 1912 واستمر البناء لتستكمل حي النخيل لمدة عشرة سنوات، وكانت كل بناية مقامة على هيئة فيلا فاخرة تتكون من دورين على طراز مساكن الريف الفرنسي.


وكانت تكلفة إنشاء الفيلا حوالي 3500 جنيه إسترليني، وهو مبلغ كبير بأسعار هذا الوقت، وكان يتم تقسيط سعر المسكن على العمال الأجانب بواقع 8 في المائة سنويا من التكلفة الإجمالية، حتى تمت أعمال التأميم وكانت تكاليف المباني قد تم تسديد 80 في المائة من تكلفتها الكلية التي لم تذكر كتب التاريخ قيمتها الإجمالية تحديدا.


الوصف المعماري لفيلات هيئة قناة السويس


وعن الوصف المعماري والموقع الذي تم اختياره يقول "فيصل" قد حرص المهندسون الفرنسيون على اختيار مواقع البناء مواجهة لقناة السويس مباشرة حتى يستطيع قاطني الفيلات التمتع بجمال المياه وما يحيطها بمناظر خضراء تريح النفس وتوفر كل سبل الهدوء والراحة ، أما عن شكل البناء نفسه فقد كان كل بناء لا يزيد عن طابقين اثنين محاط به حديقة واسعة على غرار العمارة المنتشرة في أنحاء الريف الفرنسي، وتتميز الغرف داخل المساكن بكبر حجمها وكثرة أعدادها، وقد صمم المسكن ليكون الدور الأرضي لاستقبال الضيوف، حيث توجد به صالة كبيرة تسع لنحو 3 جلسات مختلفة بالإضافة لحمام ومطبخ وغرفة مغلقة لمبيت الضيوف،  وتتكون أرضيات المبنى من الخشب الباركيه.


وفي كل مسكن يلاحظ وجود مدفأة من الرخام والجرانيت لاستخدامها في أوقات البرد، وكان هناك في الطابق الثاني الذي يربطه بالطابق الأرضي سلم داخلي مصنع من الخشب الزان يوجد ثلاث إلى خمس غرف طبقا لمساحة الفيلا، ويخصص للمعيشة ويحيط بالمبنى من جميع الجهات بلكونات تطل على كافة الاتجاهات الأربعة يمكنك من إحدى الجهات متابعة سير السفن والقوافل بالقناة، كل ذلك محاطا بحديقة المسكن التي تحده من جميع الجهات، والتى كانت تحتوي على أجود أنواع الأشجار المثمرة من المانجو والجوافة والليمون وأشجار الجهنمية ذات اللون الأحمر التي تضفي انعكاسا في ألوانها مع ألوان التصميمات الزخرفية بنية  اللون.


وعن الشكل الخارجي للفيلات يقول "فيصل" قد زينت واجهات الفيلات بواجهات رخامية على نمط العمارة الأوروبية، كما تم عمل السقف بالقرميد الأحمر المائل مثل سقوف منازل الريف الفرنسي والتي صممت بهذا الشكل للتخلص من الأمطار.


الاشتراطات البنائية لفيلات الإسماعيلية 


ويضيف "فيصل" لقد اشترط المهندسون الفرنسيون عند تصميم منطقة الفيلات الفاخرة بالإسماعيلية ألا تزيد نسبة المباني على 25 في المائة من مسطح الأرض، وأن يكون كل مبنى لساكن واحد، وأن تمتد الحديقة لثلاثة أضعاف مساحة المبنى، وتكون ذات سور عال حفاظا على الخصوصية داخلها.


وما زال هذا النمط سائدا حتى الآن، ولم تقتصر تلك الاشتراطات على مناطق الفيلات فقط، بل شملت أحياء الطبقة المتوسطة، كما خصصت مناطق فيلات بسيطة ليقيم فيها مهندسو ومخططو المدينة والخبراء.