مَن الضحية .. قصة قصيرة للكاتب عصام قابيل

الكاتب عصام قابيل
الكاتب عصام قابيل

_مع السلامة ياحبيبي
_مع السلامة ياحبيبتي
أغلقت فاتن الباب بعد أن ودعت زوجها وسرعان ما ذهبت إلى الشرفة
ثم وضعت فاتن رأسها على الشيش تنظرمن خلفه على زوجها وهو يبتعد حتى إنحرف في منعطف في آخر الطريق لكنها ظلت واقفة في مكانها واستقر نظرها في السماء ترقبها بعينين حالمتين وهي تداعب خصلات شعرها بأناملها بعد أن عبثت بها نسمات الهواء
لم تكن فاتن رائعة الجمال بل لم تكن ملفتة للنظر وقد تجاوز وجهها تعبيرات إمرأة تأخر سن زواجها وتراجع شبابها منذ سنوات
وكانت أحيانا تتصنع مسحة من الهدوء والدعة لكن زملاؤها في المكتب الكبير للمحاماة لم يعهدوها هكذا حيث كانت تمثل الموظفة النحيلة الجسم الصارمة الملامح ذات العقل المرتب والكفاءة العالية وتصرفات تتسم بالغلظة والجفاء والغرور أحيانا
كانت فاتن قد مكثت لسنوات طويلة تعمل ككاتبة وكافحت من اجل ان تكتسب قوتها وقوت والدتها المريضة
وكان كفاحها من أجل البقاء هو ما أكسب قسمات وجهها تللك الصلابة التى عرفت عنها قبل أن تتزوج
ولقد عرفت فاتن الحب فى وقت ما وكان الطرف الأخر زميلا لها فى المكتب يدعى ناجي
وعرفت بغريزة المرأة أن ناجي يحبها ولكنها تظاهرت بأنها لا تعرف ولاتنتبه لهذا الحب وهكذا ظلا فى الظاهر مجرد زميلين وصديقين
وكان ناجي يتقاضى مرتبا صغيرا وكان عليةأن يتحمل نفقات تعليم أخيه الصغير فكان التفكير فى الزواج فى هذة الظروف يعد ضربا من الجنون.
ثم جاءت النجدة فجأة وتخلصت الفتاة من الأحاسيس التى كانت تطحنها وهى تكد طول يومها من أجل لقمة العيش.جاءتها النجدة من حيث لا تدرى فقد ماتت أحدى قريباتها وتركت لها ثروة تقدر ببضعة ألاف من الجنيهات.ويربو ريعها على المائتين فى العام
كان هذا الميراث الصغير بالنسبة إليها يعنى الحرية والحياة والإستقرار.ويعنى أنها وناجي لم يعودا بحاجة إلى الإنتظار أكثر مما أنتظرا. 
ولم لا وماالمانع فالحياة تعاون والمهم هو أن نحقق أمنياتنا ونسعد أنفسنا
ولكن رد فعل ناجي كان غير ما توقعت
بالمرة لم يكن قد باح لها بحبه بطريقة مباشرة ولم يقل لها قط أنه مولع بها.فلما آلت إليهاتلك الثروة بدا وكأنة لن يفعل ذلك أبداً فقد راح يتجنبها ما أستطاع إلي ذلك سبيلاً وازداد وجوماً وانطواءً على نفسه.
وسرعان ماعرفت فاتن أنه زاهداً فيها وتلك كانت الحقيقة وفطنت إلى السبب .
السبب أنها أصبحت ذات ثروة وإيراد خاص.
وأن كبرياء ناجي واعتداده بنفسه يمنعانه من طلب يدها 
ولم يزدها ذلك إلاإعجابا به وإكباراً له حتى لقد فكرت جديا فى أن تخطو هى الخطوة الأولى وتكلمه عن حبها وإعجابها وعن الزواج وحين همت بأن تفعل ذلك حدث مالم يكن في حسبانها دخل وديع حياتها فجأة وعلى غير انتظار.
كانت قد قابلتة فى منزل صديقة لهافي فرح أختها فأحبها من أول نظرة حبا عنيفا ولم يمض أسبوع حتى طلب يدها.
ولم تكن فاتن تعد نفسها من الفتيات اللاتى ينسقن مع تيار الحب فى غير روية.
ولكنها وجدت بغتةأن الحب قد جرفها فعلا منذ أول لحظة وقع فيها بصرها على وديع.
ولم يخطر لها ببال أن هذا الحب الجارف وهذه الخطوبة السريعة ستثيران غيرة ناجي على نحو ما حدث
فقد جاءها ذات يوم وهو يتميز حنقا وغضبا وقال لها فيما قال
- الرجل غريب عنك تماما وأنت ماتعرفيش عنه حاجة
فأجابت بكل ثقة وكبرياء
كل الي أعرفه انى حبيته وأنه بيحبنى
- أنت واثقة من ده؟ أنت ماقابلتهوش الا من اسبوع واحد
فصاحت فى غضب:
مش كل راجل لازم يقعد سنين علشان نعرف انه بيحب ولا لأ
ففر لونة وأجاب: أنا حبيتك من ساعة ماوقعت عيوني عليك وكنت أظن أنك بتحبينى
فقالت فى صدق :
يمكن ده كمان كان ظني لكن الظاهرة ان انا ماكنتش فاهمة معنى الحب
وهنا أنفجر ناجي مرة أخرى فهاج وماج وهدد وتوعد ثم لجأ إلى الرجاء والتوسل.
فلما ذهبت توسلاتة سدى عاد إلى التهديد بقتل الرجل الذى انتزعه من قلبها واستأثر بحبها.
تذكرت هذا اللقاء العاصف بينها وبين ناجي وهى واقفة بشرفة المنزل بعد أن شيعت زوجها ببصرها حتى أختفى، كانت قد تزوجت منذ شهر وكانت سعيدة إلى أقصى حدود السعادة.
ولكن هذة السعادة كان يشوبها دائما شىء من القلق كلما غاب عنها زوجها الذى أصبح كل شىء فى حياتها.
وكان مصدر هذا القلق هو ناجي .
لقد رأت نفس الحلم ثلاث مرات منذ زواجها 
وفى كل مرة كان المكان يختلف ولكن الحقائق لا تتغير.
كانت ترى فيما يرى النائم أن زوجها ملقى على الأرض جثة هامدة وأن ناجي يقف بجوارة وأنها تعلم عن 
يقين أن يد ناجي هى اليد التى صرعت زوجها.
حلم مزعج ولكن ما كان يزعجها أكثر حينما تستيقظ هو المشهد الأخير فى الحلم.
فهى فى المشهد تبدى إرتياحها لموت زوجها وتمد يدها إلى قاتله شاكرة ومهنئة.
وينتهى بها المشهد وهى بين ذراعى ناجي.