رغم أنف التعاسة .. كيف تعيش سعيدًا ؟

بيولوجيا السعادة
بيولوجيا السعادة

سمر نور

تعددت بحوث العلوم الاجتماعية التى تتناول فكرة السعادة، خاصة فى العقود الأخيرة تحت ما اصطلح على تسميته بعلم النفس الإيجابى الذى يهدف إلى وقاية الإنسان من الأمراض النفسية، وصولا إلى تحقيق «الرفاه»، إلا أن كتاب «بيولوجيا السعادة» للعالم النرويجى «بيورن جريند» يسعى إلى مبحث مختلف وهو دراسة المنظور «البيولوجي» للسعادة، و»البيولوجيا» هو علم من العلوم الطبيعية المهتمة بدراسة الحياة، وأشكالها المختلفة، ووظيفته الأساسية هى دراسة كيف تتفاعل الكائنات الحية مع بعضها، ومع البيئة المحيطة، وقد حصل «جريند» على دكتوراة العلوم ودكتوراة الفلسفة فى البيولوجيا من جامعة «أوسلو»، وكذلك تلقى دراسات متقدمة فى العلوم الطبيعية، وعلم النفس، و»الأنثروبولوجيا».

 

إن فحص عملية التطور «البيولوجي»، وما يتعلق بتشكيل المخ البشرى، وقدرتنا على الاستمتاع، هو جل ما قام بدراسته فى هذا الكتاب، مستندًا إلى فكرة أن كل أشكال اللذة والألم، ما هى إلا تطوير لبعض وظائف الجهاز العصبي، التى صممت للتعامل مع الإثارة، والتجنب، وكذلك مادة «السيروتونين»؛ أحد الناقلات العصبية المرتبطة بالمزاج وتحسينه.

 

يبدأ المؤلف فصول الكتاب السبعة بتعريف السعادة فلسفيا، وصولا إلى تعريفها العلمي، مؤكدا أن السعادة أمر مهم  لتطور الجنس البشرى، حيث «تطورت المشاعر الإيجابية لأنها تخدم غرضا تطوريا» بما يمكننا من تحسين نوعية حياتنا عبر فهم هذا المحرك، ملقيا نظرة تاريخية على الأفكار التى عنيت بالسعادة، كما وضح المنظور التطورى لفهم العقل البشري.

 

وعرج العالم النرويجى إلى تبسيط ما يتعلق بتطور الجهاز العصبى عبر الكائنات المختلفة، ثم تناول ما يخص المخ البشرى، وما اعتبره خللا وظيفيا نتيجة اختلاف البيئة عن طبيعة «الجينات»، التى قد تكون صممت من أجل العيش فى بيئة أخرى، وفى هذا المنحى يوضح المؤلف بقوله: «على الرغم من التسليم بأهمية البنية «الجينية» للفرد فى تحديد السعادة، فإن المجال متسع لتنميتها عن طريق تحسين البيئة»، وتتناول الفصول التالية ارتباط السعادة بالصحة النفسية، وكيفية تحسينها، ثم كيفية اختيار الفرد للسعادة عبر خلق بيئة تلبى احتياجات النفس البشرية بتجنب التنافر بين البيئة وطبيعة «الجينات»، والتأكد من وجود حوافز كافية للإنتاجية والاختراع، وغير ذلك، وتحرى الدقة والسلاسة فى تقديم محتوى علمى متخصص إلى قارئ عام. 

اقرأ أيضا| وزارة الثقافة تعلن مواعيد غلق باب الترشح لنيل جوائز الدولة والإبداع الفني

صدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب اللافت حديثا عن المركز القومى للترجمة، بقلم د. أحمد مرسي، المدرس بقسم علم النفس بآداب سوهاج، والذى سبق أن حصد جائزة المركز فى الترجمة العلمية عام 2019، وتبدو ترجمته مستفيدة من اهتمام سابق بدراسات علم النفس الإيجابى وعلاقتها «بالبيولوجيا» من خلال ترجمته لكتب مثل «مركز اللذة»، و»خرافات شائعة حول المخ». وقدم للكتاب د. أحمد عبد الخالق أستاذ علم النفس بجامعة الإسكندرية، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية عام 1988.