المتحف الكبيرهدية مصر للعالم

تحفة معمارية مكتملة الأركان بأيادٍ مصرية.. تشييد أكبر متحف للآثار في العالم

المتحف الكبير هدية مصر للعالم
المتحف الكبير هدية مصر للعالم

العراقة ممزوجة بالتكنولوجيا الحديثة تلك هى الرائحة التى تفوح فى أرجاء المتحف المصرى الكبير فمنذ أن تدب قدماك أمام بوابة ذلك الصرح العظيم وقبل أن تنفذ من بواباته الإلكترونية تنظر يسارك، تجد شموخ أجدادنا الفراعنة مجسماً فى الأهرامات الثلاثة عجائب الدنيا السبع، وتنظر أمامك ترى امتداد التاريخ مجسدًا فى صرح متحفى وثقافى ضخم.  

البناء والتشييد.. عنوان الإرث الممتد لكل الأجيال المصرية منذ أن بدأت رحلة التشييد من أجدادنا المصريين القدماء، حتى الآن والذى ظهر ذلك في الاهرامات والمعابد وصولا الى العاصمة الادارية والمتاحف التى أنشئت لعرض التراث والآثار الفرعونية، فكان للجيل الحالى الفرصة ليكون شاهداعلى صرح متحفى ضخم «المتحف المصرى الكبير»، تلك المتحف الذى دشن بترتيبات محكمة أى لا مجال للصدفة سواء فى اختيار مكان إنشائه أو تصميمه فلكل خطة مدلول ولكل قرار غرض لذا حرصت «الأخبار» على رصد تصميم المتحف المصرى الكبير والتعرف على أسباب اختيار موقعه وتفاصيل تصميم تشييده.


المهندسة يمنى إسماعيل معاون وزير السياحة والآثار شرحت لـ «الأخبار» فى جولتها أعمال المتحف المصرى الكبير والاطلاع على تصميمه، والهدف من التصميم المعمارى والهندسى للمتحف، والتى أكدت أن فكرة تصميم المتحف المصرى الكبير لم تأت صدفة ولم يصمم كأى متحف او مبنى فكانت هناك متطلبات معينة لتصميمه، البداية كانت باختيار موقع تشييده على الهضبة المقابلة لهضبة الهرم نظرا لما تربطه من علاقة وثيقة بالأهرامات الثلاثة سواء على المستوى الأفقى أو الرأسي.


ربط المتحف بالأهرامات
وأوضحت المهندسة يمنى اسماعيل أن التصميم راعى ربط المتحف بالأهرامات فإذا قمنا بإنشاء خطين باتجاه المتحف، الأول الهرم الأكبر والثانى من الهرم الأصغر نجد أن الشكل أصبح على هيئة مثلث يمكن رؤيته مكتملًا من أعلي، أما بالنسبة للاتجاه الراسى فإذا أنشأنا خطاً من قمة الهرم الأكبر وصولاً للمتحف ينتج عنه الشكل المخروطى الذى يجعل المتحف يبدو وكأنه مخروط ينظر فى اتجاه الهرم.


يبدأ الجمال الإنشائى والعبقرية المعمارية فى إنشاء المتحف أعلى الهضبة المقابلة لهضبة الهرم، والتى تجدها فى تدرج واضح فى المستويات داخل المتحف، لاسيما وأن تصميم المتحف من الداخل يتضمن منذ العبور من بوابة المتحف الرئيسية المطلة على طريق القاهرة اسكندرية الصحراوى تصل الى منطقة ميدان المسلة المعلقة، ومروراً من خلالها نصل الى واجهة المتحف المغطاة بالرخام والمكونة من 7 أهرامات التى يراها المارة من خارج المتحف، وعقب دخول الزائر من الهرم الرئيسى يجد نفسه داخل البهو العظيم، الذى صمم على شكل مثلث يتوسطه تمثال رمسيس الثانى لاستقبال الزائرين.
الأنشطة الاستثمارية


اما على يمين ويسار البهو فتجد المبانى عبارة عن كتلتين الأولى يمين الزائر وهى مبنى الأنشطة الاستثمارية أو التجارية، ويضم «قاعة متعددة الاستخدامات تصلح للمؤتمرات أو العروض المسرحية أو الحفلات، بالإضافة الى المطاعم، والمقاهي) وكل الخدمات التى من الممكن ان يحتاجها الزائر، أما على يسار الزائر فيجد كتلة المبنى المتحفى والذى يضم «قاعات العرض، وقاعة الواقع الافتراضي، والمكتبة المتحفية ومتحف الطفل، والدرج العظيم.


ولكن عبقرية الانشاء تجدها فى تصميم الموقع العام المحيط بالمتحف يعبر عن عناصر البيئة المصرية، حيث يتضمن داخل المشروع مجموعة من الحدائق التى تحيط بكتلة المبنى بالإضافة الى مجموعة من العناصر المائية والتى تجسد صورة ذهنية معبرة تشير الى الصحارى المصرية ومنطقة الدلتا بالإضافة الى نهر النيل، كما يضمن المشروع الحديقة الترفيهية والتى تتمتع باحتضان أعداد كبيرة من النخيل.
حديقة أرض مصر
ويتضمن المشروع حديقة أرض مصر والتى أعدت للتعبير عن الزراعة فى مصر على مر العصور، بالإضافة الى حديقة المعبد والتى تحتوى على النباتات العطرية التى كانت تزرع فى المعابد المصرية القديمة، وبين تلك الحدائق يطل علينا العناصر المائية التى تشير بشكل واضح الى نهر النيل لما تتمتع به من منحنيات داخل المشروع.


حول أسقف المبانى وتصميمها أوضحت المهندسة يمنى إسماعيل أن تصميم أسقف المبانى سواء التجارى او المتحفى تبدو على شكل متعرج لمواجهة الشمس فى الاتجاه الذى يحافظ على درجة حرارة المبنى، ويتكون السقف من كتلة خرسانية مغطاة بشبكة من الألومنيوم، مشيرة إلى سقف البهو العظيم والذى صمم بشكل يجعل منطقة البهو شبه مظللة وليس مغلقة بشكل كامل، وفى نفس التوقيت ليس بمنطقة مكيفة وذلك بهدف دخول الهواء الطبيعى والإضاءة الطبيعية ويتكون من شبكة مصنوعة من الألومنيوم.


سقوط أمطار
وأوضحت أنه تم الأخذ فى الاعتبار احتمالية سقوط أمطار فى أى وقت، لذا حرص الأثريون على أن يتم اختيار القطع الأثرية المعروضة فى البهو العظيم لكى لا تتأثر بالشمس أو الأمطار، ومصنوعة من الجرانيت كتمثال الملك رمسيس الثاني، مشيرة إلى أن البنية التحتية مؤهلة لاستيعاب الأمطار، فتم عمل مسارات لتجميع مياه الأمطار فى خزان وإعادة استخدامها فى الري، موضحة أنه فى حالة سقوط أمطار يتمكن الزائرون من الاحتماء داخل أى المبنيين سواء التجارى أو المتحفي.
أوضحت أن تمثال الملك رمسيس وضع بمنطقة البهو، ليكون تحت مظلة فى المنطقة التى تتوسط مبنى العرض المتحفى والمبنى التجاري، وهى منطقة سقفها مغطى بألواح من الألومنيوم المفرغة التى تحدث كسراً بسيطاً لأشعة الشمس وتسمح بحركة الهواء داخل البهو اعتمادا على التهوية والإنارة الطبيعية وتوفيرًا لاستهلاك الطاقة ويقلل من حدة درجة الحرارة فى فصل الصيف.


البهو العظيم


وأضافت المهندسة يمنى إسماعيل أن التصميم المعمارى والهندسى للمتحف قامت على فكرة أن يتم استقبال زواره من الخارج إلى البهو العظيم «شبه المغطى» للمساعدة فى تهيئتهم للانتقال من البيئة الخارجية ذات الإضاءة والشمس القوية إلى البيئة الداخلية، وهى طريقة استخدمها المصرى القديم فى بناء معابده القديمة، فنجد فى المعابد المصرية القديمة «ردهة الدخول» أو بهو الأعمدة وهى منطقة انتقالية للشخص لتهيئته والدخول من الشمس والإضاءة العالية إلى منطقة الظل، وهذه المرحلة الانتقالية تؤهل الشخص جسمانيا وروحانيا للدخول والانتقال من صخب الحياة إلى منطقة ذات قيمة ثقافية وحضارية وروحانية.


وأوضحت أن المتحف المصرى الكبير يقام على أرض مساحتها 117 فدانا أى ما يعادل حوالى 500 ألف متر مربع، وأكدت أن انشاءات المتحف اكتملت بالكامل عدا أجزاء صغيرة فى قاعة العرض المتحفى ومبنى مراكب الملك خوفو، مؤكدا انهم اقتربوا من الانتهاء الكامل لكل التفاصيل، موضحة أن المتحف  فى مرحلة التشغيل التجريبى ويستقبل جولات سياحية داخل البهو بالإضافة إلى استضافة لعدد من الفعاليات داخل المتحف وفى محيط الحدائق.

حكاية الشعار وفلسفة اختيار اللوجو

تتجه أنظار العالم أجمع الى الحدث الأكبر فى عالم الآثار خلال القرن الحادى والعشرين وأكبر مشروع حضارى وثقافى عالمى، وهو افتتاح المتحف المصرى الكبير بمنطقة الاهرامات ولذلك بذلت وزارة السياحة والاثار مجهودا كبيرا لاختيار الشعار «اللوجو» الخاص بالمتحف.
صمم شعار المتحف من خلال الشركة الألمانية، «أتيليه بروكنر»، والتى كانت فازت من خلال طرح عالمى شاركت فيه 12 شركة، من 8 دول بمهمة تصميم العرض المتحفى لقاعات المرحلة الأولى للمتحف، واستغرق إعداد مقترحات الشعارات 6 أشهر، وهو مستمد ومستلهم من الشكل الهندسى للمتحف ويعكس التخطيط الأفقى والعمارة والتصميم للمبني.


وأكدت يمنى إسماعيل معاون وزير السياحة والاثار لمتابعة أعمال تصميم المتحف المصرى الكبير أن تصميم شعار المتحف مستوحاة من تجريد الخطوط الرئيسية لشكل المبنى من أعلى، والتى تكون شكلا مخروطيا بامتداد خطين من الاهرامات إلى المتحف لمتحف وذلك يعكس المسقط الأفقى لمبانى المتحف.
وأضافت معاون الوزير أن شعار المتحف يتضمن كتابة صممت خصيصا للمتحف عن طريق الاقتباس من شكل الكسبان الرملية بمنطقة الاهرامات وهو ما استهلك الكثير من الوقت لدى المصممين، لاضطرارهم الى تصوير ذلك الكثبان الرملية اكثر من مرة فى توقيتات مختلفة ليصلوا لهذه النتيجة، تم اختيار اللون البرتقالى للشعار الجديد لأنه يعكس دفء الشمس عند الغروب من الجهة الغربية للمتحف.


ويذكر أن فى 10 يونيو 2018 تم الكشف عن شعار «لوجو» المتحف الذى سيستخدم فى الحملة الترويجية للمتحف فى مصر والعالم، وصمم الشعار اللبناني-الهولندى طارق عتريسي، وبلغت تكلفة التصميم مبلغ 800 ألف جنيه مصري.


اللبنانى - الهولندى طارق عتريسى واحد من أشهر المصممين فى العالم العربي، وقد اكتسب شهرة دولية فى أعماله الفنية، وحاز على جوائز وأوسمة مرموقة من خلال مسيرته المهنية فى التصميم، أسس فى عام 2000 استوديو للتصميم فى هولندا، أنتج أسلوب تصميم المطبوعات والتصميم الثقافى عبر الاستوديو المشاريع التى تركت تأثيرًا كبيرًا على المشهد التصميمى المعاصر فى الشرق الأوسط، تم إدراج Atrissi فى عام 2017 كواحدة من أكثر 100 شخصية لبنانية مؤثرة فى جميع أنحاء العالم.


ولد طارق عتريسى فى بيروت، وعمل وعاش ودرس فى لبنان وهولندا وقطر ودبى وإسبانيا والولايات المتحدة، حاصل على درجة البكالوريوس فى التصميم الجرافيكى بتميز من الجامعة الأمريكية فى بيروت، درجة الماجستير فى الوسائط التفاعلية التفاعلية من مدرسة أوتريخت للفنون فى هولندا، وMFA  فى ريادة الأعمال التصميم من كلية الفنون البصرية فى نيويورك، هو حاصل أيضًا على درجة الدراسات العليا فى تصميم Typeface من برنامج.