يوميات الأخبار

د. محمد حسن البنا يكتب: العلم.. لخدمة البشرية

د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا

«العلماء فيما بينهم مفاوتون فى خشيتهم لله. كلما زاد العلم زادت الخشية لله وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله»

لا بأس، نعيش ثورة علمية تكنولوجية عظيمة وخطيرة فى نفس الوقت. لكن، يجب ألا ننسى أن العلم فكر بشرى يخدم الإنسانية. العلم جهد بحثى من أجل راحة الناس. العلماء بشر اختصهم الله بالعقل الراجح ليستفيد من أبحاثهم واختراعاتهم الناس جميعا. يقول تعالى فى محكم تنزيله «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» سورة فاطر الآية 28. وتفسيرها أن العلماء بالله وبدينه وبكتابه العظيم وسنة رسوله الكريم هم أشد الناس خشية لله، وأكملهم خوفا منه سبحانه. فقد عرفوا الخالق بأسمائه وصفاته وعظيم حقه وتبصروا فى شريعته وعرفوا ما عنده من النعيم لمن اتقاه، والعذاب لمن خالفه وعصاه. فهم لكمال علمهم بالله هم أشد الناس خشية لله، وأكمل الناس خوفا من الله، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .هم أكمل الناس خشية لله سبحانه وتعظيما له ثم خلفاؤهم العلماء بالله وبدينه. ولا يعنى هذا أن غير العلماء لا يخشى الله، فكل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يخشى الله، لكن خشية الله فيهم متفاوتة. كلما كان المؤمن أبصر بالله وأعلم به وبدينه كان خوفه لله أكثر، وكلما قل العلم وقلت البصيرة قل الخوف من الله وقلت الخشية منه سبحانه. العلماء فيما بينهم مفاوتون فى خشيتهم لله. كلما زاد العلم زادت الخشية لله وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله.

لكل هذا لفتت نظرى القضية المهمة التى نشرتها جريدة «الأخبار» الأحد الماضى، على صفحتين، لتناقش فيه العلماء والخبراء والمتخصصين فى ملف يشغل بال العالم أجمع وهو «الذكاء الاصطناعى وشات جى بى تى». وتهمنى الإشادة بالزميلين مصطفى عبده وعبد السميع الدردير، فقد قدما وجبة دسمة للقارئ حول هذا الملف الخطير. وإن كان الملف لايزال مفتوحا ويحتاج إلى متابعة، خاصة دور مصر فى وضع النظم الحاكمة لقضية الانفلات التكنولوجى.

◄ صعوبة السيطرة
بداية نتفق على أن التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى لابد منه، لكن الأزمة التى حدثت فى العالم تتعلق باستخداماته. كما قلنا فى مقالات سابقة إن التكنولوجيا لخدمة البشرية، وهى نتاج العقل البشرى، وتستخدم فى الخير لخدمة البشرية كلها، ويجب السيطرة عليها حتى لا تكون سلاحا يستخدم فى الشر والإضرار بالبشر حول العالم. ولهذا اتفق أيضا مع من يقول إن الذكاء الاصطناعى أمر واقع وذكاء بشر قادر على تطويعه، ومواجهة مخاطره. نحن، وعلى رأى العالم البريطانى ستيوارت راسل، ظهور الذكاء الاصطناعى القادر على حل أى مشاكل فكرية أمر يهدد البشرية بكارثة. وقال: البحوث غير المنضبطة فى مجال الذكاء الاصطناعى أدت إلى حقيقة أننا أحرزنا تقدما لم نتوقعه، ولم نفكر فى سبب الحاجة إلى اختراع الذكاء الاصطناعى. ومن الممكن أن تقاوم الآلات فائقة الذكاء فى المستقبل محاولات السيطرة عليها. تساءل راسل كيف يمكنك الحفاظ على سلطتك على كيانات أقوى منك؟! إذا لم تكن لديك إجابة فتوقف عن البحث. كل شيء بسيط للغاية. لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر: إذا لم نتحكم فى حضارتنا، فإننا نفقد حق القرار فيما يخص تقرير مصير وجودنا فى المستقبل. وتوقع راسل أن ظهور الذكاء الاصطناعى الشامل، أى النظام القادر على تنفيذ كل مهمة قد ينفذها الإنسان، قد يتم خلال السنوات العشر القادمة.

وهو ما يثير المخاوف، بحسب راسل، هذه البرامج أثناء حل المشاكل المتعلقة بالمناخ، مثلا، قد تتوصل إلى استنتاج أن أفضل حل لهذه المشكلة هو القضاء على البشر!. وهو ما توقعه رجل الأعمال والملياردير الأمريكى، إيلون ماسك، من أن الذكاء الاصطناعى سيتحكم فى نفسه حتما بسبب امتلاكه قدرة لتدمير البشرية. بالرغم مما تم نشره مؤخرا من ارتباط ماسك بزوجة من بنات الذكاء الاصطناعى!!.

◄ التضليل المتعمد
مخاطر الذكاء الاصطناعى تهدد البشرية فى عمليات التوظيف مثلا، والروبوتات تزحف نحو تسلم مهام ووظائف كانت حكراً على البشر. وهو ما حذر منه الأب الروحى للذكاء الاصطناعى جيفرى هينتون، حين قال: الخطر الداهم والأكثر إلحاحاً للبشرية، هو «الذكاء الاصطناعى» وليس «تغيّر المناخ». لأنه ليس واضحا ما يجب عمله لوقف مخاطره. يحذر هينتون من استغلال الأشرار للذكاء الاصطناعى التوليدى. حيث إنه كما يمكن ومن خلال هذه التكنولوجيا، تكليف الآلة بالقيام بأمور إيجابية، يمكن تكليفها بالقيام بأمور تكون مضللة وعدوانية، فهذا الأمر مرتبط بالجهة المشغّلة لهذه الآلة أو البرنامج.

اتفق مع هينتون، أن الأنظمة العصبية التى تستخدمها برامج مثل «شات جى بى تى»، قادرة على معالجة كميات كبيرة جداً من البيانات، ما يجعلها أكثر كفاءة من الدماغ البشرى، ومناسبة أكثر من البشر للعديد من الوظائف، ولهذا يرى عدم الإسراع فى تطوير الإصدارات المستقبلية من برامج الذكاء الاصطناعى، حتى نفهم ما إذا كان بإمكاننا التحكم فيها، وتفادى تحولها إلى أنظمة مستقلة. «لهذا أدعو العلماء ورجال التشريع لبحث إمكانيات السيطرة والتحكم فى أنظمة الذكاء الاصطناعى، ومنع استخدامها للتضليل المتعمد والإضرار بالناس».

◄ ما بعد الموت
الأمريكان منشغلون بما بعد الموت. ويبحثون عن ماذا يحدث للإنسان بعد موته. وهذه دراسة لمجموعة بحثية بجامعة ستونى بروك للطب بنيويورك. حيث تبين للباحثين أن المخ يتوقف عن العمل بمجرد الوفاة بنسبة تقارب ٩٥%، تشمل كل مراكز رد الفعل والمراكز الحيوية الرئيسية كالتنفس والنبض والحركة وغيرها، لكن مراكز السمع والإبصار على وجه الدقة تستمر فى إعطاء إشارات لفترات طويلة بعد الوفاة تجاوزت بضع ساعات. نفس الإشارات التى تعطيها المراكز نفسها للشخص الحى. الميت يسمع ما حوله بكل وضوح، يرانا حوله بجلاء تام، لكنه أصبح حبيس نفسه، انعدمت عنده الحركة وردود الفعل، لا يستطيع الرد عليك، لا يستطيع الحركة تجاهك، لكنه يراك ويسمعك تماما كما لو كان حياً.

هذا ما خبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قتلى المشركين فى بدر، حيث وقف صلى الله عليه وسلم ينادى: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإنى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا. فقال عمر: يا رسول الله أتنادى أقواما قد جيفوا؟!! فقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده ما أنتم بأسمع لكلامى منهم، غير أنهم لا يجيبون.

◄ كثرة المواليد
حث البابا فرانسيس الإيطاليين على ممارسة المزيد من الجنس بدلا من شراء الحيوانات الأليفة، وفق ما نقلت صحيفة «دايلى ستار». وانتقد البابا فرانسيس الخيارات الأنانية التى أدت إلى معدل مواليد منخفض قياسى يهدد مستقبل إيطاليا الاقتصادى. جاء هذا فى خطاب ألقاه البابا فى روما خلال مؤتمر حول معدل المواليد فى البلاد، وشهدته رئيسة الوزراء الإيطالية المحافظة جيورجيا ميلونى. دعا البابا إلى تخصيص الموارد لمساعدة الأزواج على تنمية عائلاتهم، قائلا إنه من الضرورى «غرس المستقبل» بأمل. وحث الناس على التوقف عن شراء حيوانات أليفة محبوبة للأمهات، بدلا من ممارسة الجنس بكثرة لخلق أطفال حقيقيين لأبوين. وقال: «دعونا لا نستسلم للفتور والتشاؤم العقيمين.. دعونا لا نصدق أن التاريخ قد تم تمييزه بالفعل، وأنه لا يمكن فعل أى شيء لعكس هذا الاتجاه». طالب البابا باتخاذ إجراءات سياسية ملموسة لعكس «الشتاء الديموجرافى» الذى يشهد اختفاء مدينة بحجم بارى فى جنوب إيطاليا. حيث سجلت إيطاليا انخفاضًا قياسيًا فى عدد المواليد الأحياء فى العام الماضى، 392,598، وعددا مرتفعا للوفيات 713499. العجيب أن رئيسة الوزراء ميلونى تدعم حملة لتشجيع ما لا يقل عن 500 ألف ولادة سنويا بحلول عام 2033.

◄ فساد الرؤية
حين تقرأ كتاب الله، تتنزل عليك السكينة والرضا. وأيضا حين تقرأ كتاب الله الكريم، عليك تدبر آياته ومعانيها، وعليك أن تتخذها سلوكا وطريقا فى حياتك. لهذا أتعجب من سلوكيات البعض منا التى تتنافى مع كتاب الله الخالق، وتتنافى مع خلق الإسلام وأدبياته. مثلا، يقول تعالى فى محكم التنزيل فى سورة النور: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ» آية 19. وسورة النور مدنية، أى نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة. وبدأت بقوله تعالى «سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». واذا رجعت إلى التفاسير الموثقة، مثلا، ابن كثير، هذه السورة فيها تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفى ما عداها. وفرضناها أى بينا الحلال والحرام والأمر والنهى، والحدود. وقال البخارى: ومن قرأ «فرضناها» يقول: فرضنا عليكم وعلى من بعدكم. (وأنزلنا فيها آيات بينات) أى: مفسرات واضحات «لعلكم تذكرون». وهى تحمل تأديبا لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه منه شيء، وتكلم به، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه. ويختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح. هؤلاء لهم (عذاب أليم فى الدنيا) أى: بالحد، وفى الآخرة بالعذاب. (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) أى: فردوا الأمور إليه ترشدوا.