إنها مصر

وماذا بعد عودة سوريا ؟

كرم جبر
كرم جبر

على المستوى الشخصى سأكون سعيدًا، عندما أرى الرئيس بشار الأسد يجلس على مقعد سوريا، فى اجتماعات القمة العربية بجدة يوم الجمعة القادمة، بعد أن ظل خاليًا لسنوات طويلة.

لأننى معجب بصموده وعدم استسلامه لمؤامرات الربيع العربى، التى أطاحت بأنظمة وزعامات عربية جلست طويلًا فى مقاعد الحكم، وكان الأسد على رأس قائمة المطلوبين.

ولكن أهل الشر انتقموا من بلده الجميل وشعبه الطيب، وهُجِّر الملايين فى الدول المجاورة وعبر البحار، واهتزت الكرة الأرضية على مشهد الطفل السورى الشهيد «إيلان»، بجسده الملائكى الذى تلاعبت به الأمواج، وكان دليل إدانة لكل من أشعلوا الحرب.

وتكتمل السعادة إذا نجح الرئيس الأسد فى لم شمل شعبه وتضميد جراحه، وإعادة الأمن والهدوء والاستقرار، وتهيئة الأجواء لعودة المهاجرين السوريين إلى بلدهم، ليساهموا فى إعادة إعماره، كما عمّروا الدول التى هاجروا إليها، ولن يتحقق ذلك إلا بمصالحة كبرى تطوى جراح الماضى وتتطلع للمستقبل.

فى نوفمبر 2011 قررت جامعة الدول العربية تعليق عضوية سوريا، وطرد مندوبها الدائم وسحب الدول العربية سفراءها من دمشق، وفى 7 مايو 2023 عادت سوريا بعد 12 عاماً، شهدت خلالها أحداثًا صعبة.

سوريا الآن تضمد جراحها وتلملم شتاتها، خصوصًا بعد الزلزال الأخير الذى ضربها هى وتركيا وخلف آلاف الضحايا والخسائر، لتعود إلى التعافى وإعادة إعمار ما دمرته الحروب والزلازل، ولأول مرة ولن يكون مقعدها خاليًا.

كان الحل السياسى هو السبيل الوحيد لتسوية الأزمة، واتخذ وزراء الخارجية العرب قرار عودة سوريا بالتوافق فيما بينهم، وشكلوا لجنة اتصال تضم وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والعراق ولبنان والأمين العام لجامعة الدول العربية، لمتابعة تنفيذ اتفاق عمان، والحوار المباشر مع دمشق لإيجاد حل شامل للأزمة.

وكانت مصر فى طليعة الدول العربية التى نادت بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى السورية، ودعمها فى مواجهة الهجمات الشرسة التى تتعرض لها، ومطالب الدول الأجنبية بالخروج من سوريا، وترك الشعب السورى يقرر مصيره بحرية تامة، بجانب تسليم أسلحة الميليشيات المسلحة ووقف الحرب الدينية بين الجماعات الإرهابية.

وماذا بعد؟

امام الرئيس السورى تحديات أخرى أهمها الحفاظ على سيادة بلده ووحدة أراضيه، ولن يتحقق ذلك إلا بخروج القوات الأجنبية، ومطالبة دول الجوار باحترام استقلال سوريا، وسحب قواتها العسكرية، بجانب الحفاظ على وحدة الجيش السورى وتسليم أسلحة الميليشيات المسلحة.

لقد دفعت سوريا ثمنًا فادحًا فى الحروب التى شنتها الجماعات الإرهابية، واستخدمت كل أنواع الأسلحة غير المشروعة، وصار ضروريًا إحكام السيطرة على الحدود ومنع تهريب المخدرات والأسلحة وتدفق الإرهابيين وخروجهم ومتابعة ما تم التوصل إليه من اتفاقات وتفاهمات مع الدول المجاورة، وفتح صفحات جديدة مع العلاقات، تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.

عودة سوريا إلى الصف العربى جاءت فى توقيت مناسب بعد الزلزال المدمر، لتضمد جراح الزلزال والقطيعة العربية، وتتطلع إلى المستقبل بنظرة أكثر تفاؤلًا، بعد 12 عامًا من الحروب والصراعات.