كنوز | حكاية «الولد الشقي» مع «الشناوي» وظرفاء عصره 

محمود السعدنى
محمود السعدنى

فى العدد «426» من مجلة «العربى» الكويتية أجرى الكاتب الكويتى الساخر محمد مساعد الصالح حواراً مطولاً مع «الولد الشقى» الشهير بمحمود السعدنى، نقتبس منه بعض ما جاء فيه بمناسبة إحياء ذكرى رحيله الـ 13، فقد غادرنا فى 4 مايو 2010، وأمثال محمود السعدنى لا يرحلون إلا بالجسد وتبقى كتاباتهم ظهيراً لهم يمد بقاءهم فى الحياة.

اقرأ أيضًا| صاحب تمثال نهضة مصر أول الملتحقين بها.. تاريخ تأسيس «الفنون الجميلة»

سأله عن جذوره الأولى فقال السعدنى: «الأصل يمنى، وهناك السعدنى فى فلسطين والمغرب وليبيا والشـام ومصر، وحينما ذهبت إلى اليمن اصطحبونى إلى بلـدة تبعـد عن صنعـاء 20 كيلومتراً، التقيت فيها بأقربائى، وعند وصولى أطلقوا النار فى الهواء احتفاء بى، وعندما رأوا معى سجـائر اعتـبرونى من الأثرياء !
● ويقول عن الكتاب الساخرين الذين تأثر بهم: «أنا متيم بكتابات إبراهيم عبد القادر المازنى الساخرة، وخفة ظل ازجال بيرم التونسى، وأعتبر تـوفيق الحكيم كـاتبـا ساخرا فى «يوميات نائب فى الأرياف» والكتابة الساخرة كانت «عيبا» فى زمانه، يعنى الكاتـب يجب أن يكون «مبوزا»، وفى عام 1947 عملت بمجلة «كلمـة ونصف» وكان يرأس تحريرها مأمـون الشناوى، وبعـد إقفالها توجهت للعمل فى صحيفة اطلع مدير تحريرها على كتـاباتى الساخرة فقال لى: «ما هذا الكـلام الفارغ.. اكتب كـلام كـويس أحسن لك».. وطردنى ! 
- ويقول السعدنى عن أكثر من كان له أفضال عليه: «عمى وأستاذى وصديقى الكاتب والشاعر الجميل كامل الشناوى هو أكثر من ساندنى فى المهنة والحياة، ولولا هذا الفنان المبدع لكنت قد تـركت هذه المهنة، هو من حمانى وأعادنى إلى العمـل بعد أن فُصلت مع 60 صحفياً عام 1958 كان من بينهم: بيرم التـونسى وعبد الـرحمن الخميسى وألفريد فـرج ونعمان عاشـور، بعثنى إلى إحسـان عبد القدوس فعملت سكـرتيراً لتحـرير «روز اليوسف» وبعد ثـمانية أشهر قبضـوا عليّ، وتدخل مرة أخرى لحمايتى، وأنا مدين له بأشيـاء كثيرة جدا، كان فنانا وفهيما وعظيما، سألنى فى بداية تعرفى به «لماذا لا تنشر ما تكتبه»، فقلت «لا أحـد يريد نشر هذا الكـلام»، فقال: «أنا سوف أنشره عندى فى صحيفة «المسـائية».
● وعن أول صحيفة أصدرها مع الرسام «طوغان» يقول: «كانت بعنوان «السحاب» أصـدرنا منها 3 آلاف نسخة وكـان المرتجع 3 آلاف و400 نسخة !! لأنها لم تكن جريدة ساخرة، وأذكـره فى تلك الأيـام أننى قـابلـت الأستـاذ محمد التابعى أهم صحفى مصرى وعربى، فهو أعظم من خط حرفاً على ورق الجرائد، كان ساخرا وعظيما وأنيقا وغنيـا ومشهورا، طلبت مقابلته عندما التقيت به صدفة فقـال: «تعـال إلى بيتى، وحين ذهبت إليه ردنى البواب إلى المكتب فلم أذهـب إلى مكتبه، لكنى تركت لـه ورقة كتبت فيها « يـا تـابعى إن لى قلما كقلمك، لكنه أروع وأرفق، وعندما يحين الوقت المناسب سأنشر قصة الـذين يسكنون الـزمالك ويكتبون عن آلام الناس»، وبعـد «السحاب» أصـدرنا «الأسبـوع» وكان معنا صلاح جـاهين، وأغلقناها بعد أن هربنا من صاحب المطبعة فقد كنا مدينين له بمبلغ «7» جنيهات.
● ويقول «السعدنى» عن القضايا القومية التى نفتقدها: «فى الماضى كـانت الـروح مـوجـودة وتـلاشـت، فى الماضى كنت تجد نماذج مضيئة، وكنت تجد أهدافاً، كان هناك مشروع قومى وأجُهض، ما قيمة التعليم، والمتعلمون يمسحـون زجـاج السيارات أو يشوون اللحم، مدرس اللغـة الإنجليزية زمان كان يُصلح للتدريس فى جامعة «كمبردج»، كـامل الشناوى الأديب والشاعر العظيم كان مصححـاً فى جريدة «الأيام» لصاحبها د.طه حسين، واليوم يوجد فى الصحف عشرون مصححا لغـويا، وأنـا أصحح مقالتى بنفسى ! كنت وزملائى عام 1949 نتبارى لكى ننشر مقالة فى «روز اليوسـف» بخمسين قرشـاً، ومنهم أمين العالم، وأنيس منصور، ومصطفى محمود، وصلاح حافظ، وفتحى غانم، الآن الشباب يتصلون من مكـاتبهم بعمرو دياب: ازيك ؟ وأمه تزغرد حين تعلم أن ابنها تشرف بمهاتفة عمرو! لقد ضاعت الموازين، وما لم نغير ذلك سوف «نروح فى داهية».
- وعن أول كتابٍ يصدره يقول: «كان بعنوان «السماء السوداء» وكنت خائفاً من نشره، لكن صديقاً شجعنى، وطبـاعتـه تكلفت «32» جنيهـاً، واكتشفنا أنه باع 17 نسخـة فقط، وطُبع فيما بعد سبع طبعات، وفى عـام 1954 فكـرت «روز اليـوسف» التى كـانت تنشر لطه حسين والـعقـاد ويوسف السبـاعى وإحسـان عبد القدوس أن تشجـع المواهب الجـديدة، فـاختارت شابين تنشر لهـما، فطبعت ليوسف إدريس «جمهورية فرحـات»، وطبعت لى «جنة رضوان»، وحـدد يوسف السبـاعى مـوعداً لكى نقابل «الست روز» لنتسلـم حقوقنـا ! واتفق معى يـوسف إدريس ألا نقـبل أقل مما يتقاضى أمين يوسف غراب ومحـمد عبد الحليم عبد الله، دخلنا إلى «الست» وقـال لها السباعى: «الشباب الجدد يشكرونك يا ست.. أدامك الله لهم»، فصرخت قائلة: «يخرب بيـوتهم أولاد الـ «...» هـذه الروايات لم تبع.. لقد خسـرنا لأننا نشرنا لهم»، فقال لهـا: «ولكن لا بـد من بعض التشجيع»، فردت عليه غاضبة: «اكتب لكل منهما 40 جنيهـاً.. ولا تـدعنى أرى وجهيهما مـرة أخرى»!. 
مجلة «العربى» مايو 1994