كان أول ما تعلمه الإنسان عن مواراة الجثث هو دفنها تحت التراب، كما شاهد قابيل الغراب يفعل عندما قتل أخيه هابيل، إلا أن الأمر الآن أصبح مختلف ومتعدد الأشكال، فهناك الكثير من المقابر التى يسعى أصحابها إلى جعلها أقرب ما يكون للقصور، ولم تعد رفاهية المسكن فقط من شأن الأحياء، فالموتى أيضا بات لهم نصيب من تلك الرفاهية.
"إكرام الميت دفنه" هذا ما نعرفه، إلا أن البعض لا يفضلون دفن الميت فقط، بل يوفرون له مظاهر الترف والثراء في قبره أيضا وبعد وفاته، اعتقادا منهم أن هذا تكريما له وتعبيرا عن مكانته الغالية، فهناك من يضعون الذهب والمجوهرات، أو الأشياء الثمينة والهامة في حياة المتوفي معه في المقبرة، وهناك من يوصي هو بذلك، بالإضافة إلى الاهتمام بالمكان كله من تشطيبات وأثاث وإضاءات، وجعل بعضها سيراميك والأخرى رخام من أفخر الأنواع، وغيرها الكثير من مظاهر الترف والرفاهية.
مقبرة الفنانة الراحلة صباح
اقرا ايضا| «فاتن حمامة وسيد زيان» الأبرز.. مواقف غريبة في تشييع جنازات المشاهير| صور
ومن تلك الأمثلة مقبرة الفنانة الراحلة صباح التى أوصت بأن تكون بمواصفات خاصة، فقد أوصت أن يكون قبرها "خمس نجوم" يضم سرير وتليفزيون و«تسريحة» بجانب بعض مجواهراتها، وكأنه أشبه بجناح فندقي.
مقبرة "الست" أم كلثوم
اقرا ايضا| أسوار وأبواب «برائحة الموت».. عقوبة سرقة مستلزمات المقابر
كذلك مقبرة "الست" أم كلثوم، والتى تشبه واجهة القصور بمعمارها الفريد وارتفاعها الكبير، وقد خصص لها مساحة كبيرة، وتجذب كل من يدخلها من شدة جمالها، وتضم حجرة حجرة لاستقبال الضيوف مجهزة بمقاعد مريحة، لراحة الزوار وأفراد عائلتها، صممتها بنفسها قبل وفاتها، ويغلق عليها سور وباب من الخارج بخلاف باب المقبرة.
ونجد الآن الكثير من الإعلانات عن مقابر بأسعار خيالية تفوق أسعار مساكن الأحياء، ويشمل وصف المقابر بهذه الإعلانات عن كم الفخامة في التشطيبات والخدمات، فكان هذا نص إحدى إعلانات القابر في مدينة 6 أكتوبر بطريق الواحات "مدفن فاخر للبيع تشطيب حجاري هاشمي يطل على شارع رئيسي 25متر امامه parking سيارات 5×8 غير مساحة الحوش كما يوجد به استراحة شغل interlock فاخر ع أعلي مستوي بجانب أحمد زويل"، وكان السعر 850 ألف جنيه.
كمباوند المقابر
اقرا ايضا| حتى الأنبياء لم يسلموا من منتهكي حرمة القبور.. 5 مواقف لنبش القبر الشريف
وهناك بعض الصفحات على مواقع التواصل تروج لبيع وشراء المقابر، وهناك من يعلن عن "كمباوند المقابر" للتسويق إلى مقابر "5 نجوم"، أسعارها تبدأ للمساحات الصغير بأكثر من 100 ألف جنيه، ومع زيادة الخدمات وفخامة التشطيبات تتضاعف هذه المبالغ التى قد تتجاوز مئات الآلاف، إلا أن البعض يسعى لإمتلاك مثل هذه المقابر كنوع من التفاخر والتباهي والوجاهة الإجتماعية خاصة للعائلات الكبرى.
الترف والمغالاة في بناء وتجهيز القبور
اقرا ايضا| حرمة الموتى| هل توجد عقوبة جنائية للتمثيل بالجثث؟.. مفاجأة في التفاصيل
وعلى جانب أخر فقد أكد علماء الدين أن هذا الترف والمغالاة في بناء وتجهيز القبور أمر منهي عنه ومخالف للشريعة، واعتبرها دكتور عبد الغني هندي عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مبالغة في غير محلها، منوها أن الإسلام جعل طريقة الدفن قمة في البساطة والتواضع، فليس الهدف التفاخر والتباهي إنما العظة، ولو أن هذه الأموال تنفق على صدقة جارية يكون أولي للمتوفى.
متابعا أن الشرع عمل ضوابط وأكد عليها وليس من ضمنها على الإطلاق الزينة في القبور،قائلا " الدفن أصلا يجب أن يكون في باطن الأرض، ولكن عندنا مثلا في مصر يتم وضع مباني لان التربة لدينا قد لاتكون مناسبة لذلك، ولكنه ليس الأصل، فهذه مبالغة في غير موضعها ومحلها".
وأشار إلى أن الإسلام وضع ضوابط للدفن والجنازات لها علاقة بالبساطة والتأكيد على أن العمل الصالح هو المستمر، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن المغالاة في كل شئ، سواء للحي أو للميت.
كسر لقلوب الفقراء
اقرا ايضا| جلسة تصوير وفرح.. جرائم الأحياء في حق الأموات| صور
متمنيا أن تنتهي هذه الظواهر، التي بالإضافة إلى كونها أمر حرام شرعا ولايجوز، فهي أيضا كسر لقلوب الفقراء، الذين لا يستطيعون أن يعيشو على الأرض حياة آدمية، ويرون مقابر الموتى بهذا الترف، فما هو شعور العامل الذي يشتغل بها وهو يعلم أن من سيسكنها هو ميت، وهو وأولاده يحيون لايجد ما ينفقه، مختتما "هذه ما هي إلا مغالاة ورياء وكسر لقلوب الفقراء".
وأوضح الأمير محفوظ عضو المجلس الأعلى للبحوث الاسلامية، أن عموم الترف مكروه شرعا سواء في الحياة العامة اليومية من ملبس أو مأكل أو مسكن أو طبعا فى الوفاة، فالإنسان المترف يتصف بالإسراف ، والاسراف قال تعالى فيه "ولا تسرفوا إن الله لايحب المسرفين" ، مستكملا أنه يقاس على ذلك الإسراف في المقابر أو أى أمر آخر، والأولى أن يوضع قيمته في جوف جائع، أو يكسى به عريان أو تقضى به مصلحة وحوائج للناس.
