الروائي الذي استحضر روح «محمود سعيد»: نسجت حكايته بين الواقع والخيال

رواية «بعد 1897 صاحب المدينة»
رواية «بعد 1897 صاحب المدينة»

منذ أسابيع قليلة، مرت ذكرى الفنان الكبير الراحل محمود سعيد، أحد أعظم مؤسسى المدرسة المصرية الحديثة للفنون التشكيلية، والذى رحل عن دنيانا فى 4 أبريل 1964، وهو نفس التاريخ الذى تبدأ معه رواية «بعد 1897 صاحب المدينة» الصادرة حديثًا للروائى وجدى الكومي، عن دار العين للنشر، لتأخذنا إلى مراحل فى حياة الفنان الراحل، وفى تاريخ الفن المصرى المعاصر، وفى المدينة التى جَسَّدها فى فنه؛ الإسكندرية فى لحظة مؤثرة فى التاريخ المصري، عبر عدد من الأصوات والرؤى والطرق السردية، تطلب الأمر من الكومى رحلة بحث خلف الفنان والمدينة، للعمل على روايته السابعة، حيث درس لفترة قصيرة فى ورش لفن التصوير و«البورتريه» حتى يقترب من عالم بطله، وربما تكون رحلته التى بدأت بالقاهرة قد قادته إلى حصوله على منحة دراسية لنيل درجة «الماجستير» فى تحليل الثقافة فى ألمانيا، وهى دراسة،

على حد تعبير «الكومي»، تجعله يتعامل مع فنون مختلفة من بينها فن التصوير الذى قادته إليه رحلة البحث عن محمود سعيد، والبداية يصفها الأديب فى حوارنا معه بقوله: التحدى يكون مُضاعفًا إذا كان بطل الرواية «السيرة الروائية المُتخيلة» شخصًا حقيقيًا، لهذا جاء اختيارى لمحمود سعيد، والذى باغتنى حينما قرأت خبرًا عنه عام 2018 بأن لوحات له تظهر تِباعًا من مجموعات فنية لمقتنين، وتُباع فى صالات مزادات عالمية، مُحققة أرقامًا فلكية، سألت نفسي: لماذا يحقق هذا الفنان الذى ينتمى إلى مدرسة «كلاسيكية» فى فن التصوير المصري، هذا النجاح وسط الثورات الفنية المتتالية؟ أقصد بالثورات الفنية أى امتزاج الفنون الجميلة، والفنون البصرية، وظهور ما يُعرف بالفنون التركيبية، وحتى فن التصوير لم يعد قاصرًا فقط على التصوير الزيتى العادي، بل مزج المصورون أشكالًا عديدة فى لوحاتهم، وظهرت لوحات ممتزجة بمواد مختلفة واستمرار تربع «محمود سعيد» على عرش الاهتمام الفنى لأعماله لا يعنى غلبة لون فنى قديم على لون عصري، فالتجديد والتجريب فى الفنون الجميلة مهم كما هو فى الأدب والكتابة».


- ونسأله: الإسكندرية فى حياة «محمود سعيد» وفنه بطل مركزي، وهو ما جَسَّدته فى روايتك، فهل كانت هناك رحلة بحث عن المدينة موازية لرحلة البحث عن الفنان؟


- كنت أكتب عن مدينة لا أنتمى إليها، وهذا كان تحديًا كبيرًا فى الكتابة، للتغلب على هذه الإشكالية فدخلت عن طريق أكثر من محور منها الكُتب التاريخية سواء الأدبية مثل رباعية محمد جبريل، ورباعية «إبراهيم عبد المجيد»، ورباعية «لورنس داريل»، و«ترابها زعفران» لإدوار الخراط، و«ميرامار» لنجيب محفوظ، و«إجازة تفرغ» لبدر الديب، أو غير الأدبية، مثل كتاب «الإسكندرية.. تاريخ ودليل»، ثم بدأت فى رسم خريطة للمدينة فى الفترة منذ نهاية القرن التاسع عشر وفى القرن العشرين، وبحثت عن أسماء الشوارع القديمة خلال السنوات الأولى للاحتلال الانجليزى لمصر، واطلعت على خرائط قديمة لمدينة الاسكندرية خلال فترة الثلاثينات، وكذلك الصحف السكندرية القديمة التى كتب فيها محمود سعيد، ورغم كل ذلك لم أشعر بأننى أحيط بالموضوع من كل جوانبه إلا بعد البحث عن «محمد سعيد باشا» أبو محمود، وكان رئيسًا لوزراء مصر، وأثناء البحث عنه وجدت أنه تعرض لمحاولة اغتيال ومن حاول ذلك كتب مذكراته، وحصلت عليها، وبذلك استطعت أن أُحكم سيطرتى على إسكندرية «محمود سعيد».


- ما المساحة الواقعية التى كانت لا تحتمل شطط الخيال فى كتابتك لتلك السيرة المُتخيلة عن شخصية تاريخية؟


كل المواضع التى تخص الحياة الشخصية لفنان مثل محمود سعيد والتى لم تكن مكشوفة أو معروفة غير أطرها العريضة، مثل إنه تزوج وأنجب، كان فنانًا، كان قاضيًا ثم استقال، هذه المواضع لم يكن من المُمكن تغييرها، بل هى الأطر التى كانت تبنى حدودي، أو تُحدد طرق سيري، لكن، كل ما وراء ذلك، ظروف زواجه، واستقراره، وسفره إلى باريس لدراسة الفن وليس القانون، عمله بالقانون وهو مجبر، ثم استقالته من القضاء، كلها نقاط شَكَّلت البناء الكبير الذى عملت على تشييده، فمواطن الصراع كانت معروفة بالنسبة إلى فى رحلته، ويبقى لى تجسيدها على الورق بحكايات مُتخيلة، كأن تعرفى مثلًا أن بطلك تزوج وأنجب، لكنك حرة فى أن تتخيلى ما شئت حول ملابسات الزيجة، كنت أعرف مثلًا أن «محمود سعيد» امتهن الفن دون رضاء جل أهله، ومع ذلك فرض قصته عليهم، والدليل على ذلك استقالته من القضاء، هذا القرار أيضًا كان حتميًا بالنسبة إليه، وموضع صراع، وهكذا نحشو الحقائق بالخيال، فتنبنى القصة رويدًا رويدًا.