الشاعر الدكتور محمد حلمي حامد يكتب: كُنْتُ هنا

الشاعر الدكتور محمد حلمي حامد
الشاعر الدكتور محمد حلمي حامد

كنت هنا

عِنْدَما تَعْبُرُ الـمَيْدانَ ظلاً دُونَ جِسمْ

أوْ تَرى فى الليلِ طَيْفَاً سَابحاً يَعْلوْهُ وَشمْ.

أوْ تُغَنِّى ..

راعشَ الطرْفِ وحيداً لا يوافِيكَ الغَرامْ ..

تُطعِمُ الطيرَ .. وتَرجوَ أنْ تنامْ

تَأكلُ الخُبزَ بملـحٍ أوْ بشاى

بقصيدٍ .. دَامِعِ العَينَينِ .. مُـرٍّ

هوَ ما أبقَتْ يداىْ

فأنا كُنتُ هُنا

خُطْوتىْ كانتْ هنا

غيمةٌ فى الروحِ عاشَتْ فى ردَائىَ

قُربَ تلكَ السَوسَنةْ

حسرةٌ نامتْ بأجفانى

وأحضانِ المُنى

عندما أدركتُ أنىْ

كنتُ والدنيا ... هنا .

 

 

عندما تُغْلِقُ أبوابَ الـمَساءْ 

ليسَ فى كفَّيكَ خُبْز ٌ للعَشاءْ

ليسَ إلا نَفْثةُ الدخانِ تَذويْ

عَبرَ أحْجارِ الجَدارْ 

وصفيرُ الريحِ يَعدو

خَلفَ دَقاتِ القطارْ

وصريرُ البابِ ... يَعْلوهُ الغبارْ 

 

تَدْخلُ الذكرى زهوراً ذابلةْ

في جفونٍ نَاعِساتٍ وعيونٍ مُقْفَلَةْ

وجَداريْ مائلٌ في الريحِ يَهوِي

تَحتَ أنقاضِ المَنونْ

ذاكراتٍ أننى كنتُ هنا

تـحتَ هذا السقفِ أحْيا بـجنونْ

 

أتمني

لدْغةَ الحبِّ علي العشبِ

وقَـطراً صارَ نوَّةْ 

أغرقَ الزهرَ حَناناً وفتوةْ

وعناقاً من لهيبٍ يّتـلوَّي

أتمني

ضحكةً فى الليلِ ..

صمتاً فيهِ مَعني

وابتساماتِ شريدٍ أحْمَقٍ

صَبٍّ .. مُعنَّى

أتمني

لمسَ كفيكِ ولو فى العمر مرَّة 

ألمسُ النشوةَ حتي يهربَ الليلُ طريداً ..

خلفَ ثيرانِ النهارْ

 

أَهمُ الأصْحَابُ فاتوكَ وفاتَتكَ الفتونْ؟

أَمْ تهاوتْ روحُكَ الوسْنَى وتَاهتْ

عندما تَرْخِى الجُفون؟

وبريقُ الضوءِ يَعويْ فوقَ قطعانِ الذئابْ 

نافراتِ النابِ يَحميها الضَّبابْ

تَذكرُ الحبَّ وشوقاً ..

غارَ في الصَّدْرِ وغَابْ

طارَ كالعُصفورِ

يَعلوْ فوقَ أسْرابِ الذُّبابْ

ثمَّ غضَّ الطرفَ حُزناً في ارتيابْ

دُوْنَهُ الحَاجبُ والذنبُ

وأسْتارُ الحِجابْ

حالماً بالنوِّر يَأتي  ..

بعدما صِرتَ تُراباً فى تُرابْ. 

 

 

 

عندما كنتُ هنا

زهرتى كانتْ هنا

بين أولادٍ لنا

يلعبونَ بلا اكتراثٍ أو ضنى

يَمْرَحُونَ كأنَّ فى عَينىَّ نُورَ المِئْذنَةْ

كنتُ أحْميهمُ من البردِ

ومن غَدرِ الزمانْ

وأرى الأحْلامَ فيهمْ والمُنى

إنهُ عمرى أنا..

وليالىَّ أنا

بعدما تُهتُ بعيداً

سنةً ..... تتلو سنةْ.

 

 

كَمْ كَرهتُ الظُّلـمَ فى الأرضِ

وأعْيَتْنى الـحَقيقةْ

وتـخلى الكلُّ عَنِّى ..

ثائراً ..صَعبَ الـمِراسْ

يتخطى لخدور الحب أحْرَاساً

بِلا أىِّ احتراسْ

كمْ لَعبتُ وكمْ تَعبتُ

مالذى أبقـتهُ منى الذكرياتْ؟

غيرَ أنِّى ..

ذاتَ يومٍ كانَ فيهِ الصبــحُ طفلاً ..

ثم ماتْ

كانَ فيهِ القلبُ طفلاً مَاجناً

عندما كنتُ هُنا.