عُملة البريكس.. حلم روسى يهدد هيمنة الدولار

«عقوبات روسيا».. زلزال هزَّ ثقة دول العالم

عُملة البريكس.. حلم روسى يهدد هيمنة الدولار
عُملة البريكس.. حلم روسى يهدد هيمنة الدولار

ياسمين السيد هانى

هل يمكن لمجموعة البريكس تسهيل إيجاد بديل للدولار الأمريكى قابل للتطبيق بنجاح؟ قد تفسر الأزمة المالية العالمية المستمرة والسياسة الخارجية الأمريكية المواجهة سبب قيام دول البريكس بتكثيف جهودها لإطلاق عملة بديلة للدولار الأمريكى..

لسنوات طويلة هيمن الدولار على اقتصاد العالم فيما بدا كقاعدة بديهية لا تعرف أجيال متعاقبة سواها.

يأتى ذلك فى الوقت الذى يفترض فيه أن رفع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة يرفع تلقائيا من قيمة الدولار أمام سلة العملات الأخرى، إلا أن هذا الارتفاع يحمل فى طياته ارتفاعا لنقاط ضعف العملة الخضراء..

وفى القارة العجوز، يحاول الرئيس الفرنسى أن يقنع جيرانه بتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى خارج الحدود الإقليمية مؤكدًا نظريته حول «الحكم الذاتى الاستراتيجى» لأوروبا، التى من المفترض أن تقودها فرنسا، لتصبح «قوة عظمى ثالثة»..

فى هذا الملف، نسلط الضوء أيضا على إساءة استخدام وضع الدولار الأمريكى كعملة احتياط، واستعداد أكبر الدول اقتصاديًا لإطلاق البديل، ونجيب عن عدة أسئلة بما فى ذلك ما هو مطلوب لجعل هذه الرؤية حقيقة واقعة وفرص نجاح هذه التجربة.

فى الوقت الذى يفترض فيه أن رفع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة يرفع تلقائيا من قيمة الدولار أمام سلة العملات الأخرى، إلا أن هذا الارتفاع يحمل فى طياته ارتفاعا لنقاط ضعف العملة الخضراء.
ورغم مساعى دول فى مقدمتها الصين وروسيا لتجاوز الدولار فى إطار التنافس الاستراتيجى مع الولايات المتحدة، إلا أن العقوبات التى فرضتها واشنطن على موسكو بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا مثلت الشرارة التى أطلقت هذه المساعي. 

ووفقا لمحللين، فقد كان التعامل الغربى مع روسيا جرس إنذار لكثير من دول العالم، بشأن الأرصدة الدولية الموجودة كافة بالعملة الأمريكية، وبات التساؤل: لماذا الرهان بالمطلق على الدولار؟ وها هو العالم يرى مصادرة الدول الغربية لأرصدة النقد الروسية الموجودة لديها، وهو إجراء قد يطال أى دولة فى أى وقت.

وفى أحيان كثيرة، بدا أن هناك توافقاً بين موسكو وشركائها التجاريين الآخرين لإلغاء الدولار من المبادلات التجارية بشكل كليّ أو جزئي.  

وهذا ما حدث فى حالة الهند التى تتعامل حالياً مع روسيا بالروبية والروبل، والتى أبرمت صفقة كبيرة مع الكرملين، من أجل زيادة كبيرة فى تجارة النفط.  

روسيا أيضاً أعلنت مؤخراً أنها ستتخلى عن الدولار كلياً فى مبادلاتها التجارية الدولية، لا فقط على صعيد المبادلات التجارية الثنائية، وستستبدل الدولار باليوان الصيني. 

وفى إطار التنافس الجيوسياسى أيضا، تحدث محللون عن خطط الصين لتوجيه ضربات للدولار، وصولاً للاستغناء عنه، ومن ثم تخزين الذهب لأغراض استراتيجية، تمهيداً للخلص من التعامل بالعملة الأمريكية إلى الأبد.

فى هذا السياق يمكن للمحلل الاقتصادى المحقق والمدقق، أن يدرك لماذا تمضى شركات تعدين الذهب الصينية فى طريق تكثيف نشاطاتها لاستخراج المعدن الأصفر النفيس، وتقبل على شراء مؤسسات صناعية أخرى للتعدين حول العالم بنشاط ملحوظ. وقد تصبح الصين صاحبة أكبر مخزون من الذهب فى العالم، ولهذا تعمق استثماراتها وتوسعها فى قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية. 

وفى يونيو 2020،  قال «فانج هاى شينج»، نائب رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، إن اعتماد الصين على النظام المالى الدولى القائم على الدولار يجعلها عرضة للخطر، ولهذا يبدو واضحاً أن الصين لديها خطط لتغيير النظام المالى العالمي، «بريتون وودز»، والعودة مرة أخرى لنظام يرتكز على الذهب كمعيار.

وفى السياق ذاته، يسلط الاتفاق الصيني-البرازيلى فى مارس الماضى الضوء على مسألة العزوف الدولى عن الدولار. فالاتفاق الأخير مع البرازيل سيتيح للصين، أكبر منافس للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وللبرازيل، أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية، إجراء صفقاتهما التجارية الهائلة مباشرة واستبدال اليوان الصينى بالريال البرازيلى والعكس بالعكس، أى باستخدام اليوان، بدلاً من الاعتماد على الدولار.

كما تخلت الصين عن التعامل بالدولار مع روسيا وباكستان وعدة دول أخرى. وكثفت دول مثل بنغلادش وكازاخستان ولاوس مفاوضاتها مع الصين لتعزيز استخدام اليوان الصينى فى التعاملات التجارية كما بدأت الهند منذ أشهر قليلة فى تأمين آلية دفع ثنائية مع الإمارات العربية المتحدة بالروبية الهندية.

وفى مارس الماضى أيضا، أكملت الصين أول عملية شراء للغاز الطبيعى المُسال باستخدام التسوية باليوان الصينى بدلاً من الدولار، وذلك لشراء دفعة قادمة من الإمارات، وفق موقع «أوول برايس».

وكانت وزارة الخارجية الهندية قد أعلنت ان البلاد وماليزيا ستستخدمان الروبية الهندية فى التعاملات التجارية بين البلدين، بعد سماح بنك الاحتياطى الهندى بتسوية التجارة الدولية بالعملة الوطنية.

كما اتفقت البرازيل والأرجنتين فى يناير الماضى على إطلاق عملة موحدة جديدة، تحمل اسم «سور»، بهدف تعزيز التجارة الإقليمية، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. وفى تصريحاته لصحيفة «فايننشال تايمز»، كان وزير الاقتصاد البرازيلى «سيرخيو ماسا»، يؤكد على أنه سيكون هناك قرار لبدء دراسة المعايير اللازمة لعملة مشتركة، بما يشمل كل شيء بداية من الأمور المالية وصولاً إلى حجم الاقتصاد ودور البنكين المركزيين.

لكن بحسب تقرير الفايننشال تايمز، فإن القصة تبدو أعمق وأشمل من الأرجنتين والبرازيل فقط، إذ توجد بالفعل ميول لدى عديد من دول أمريكا اللاتينية للانضمام لمثل تلك العملة حال ظهورها، مع الأخذ بالاعتبار أن خطة فى هذا الشأن قد تستغرق أعواماً لاستكمالها.

الخطة الجديدة بين برازيليا وبوينس آيرس، تدور حول بلورة وحدة مشتركة لتسوية العمليات التجارية بين البلدين دون الاعتماد على الدولار الأمريكي.
والمعروف أن البرازيل والأرجنتين منذ عقود تتطلعان لشراكة اقتصادية ما بوصفهما أكبر اقتصادين فى أمريكا اللاتينية، وتناقشان خيارات تنسيق عملاتهما كمشروع سياسى فى الغالب، وذلك لمواجهة تأثير الدولار فى المنطقة، وتعزيز التجارة الثنائية، غير أن الاختلالات المستمرة فى الاقتصادات الكلية بين البلدين، بجانب العقبات السياسية، أعاقت تقريباً تقدم هذه الفكرة.

ويشكل تكتل الاتحاد المستقبلى لأمريكا اللاتينية الذى يقف خلف هذه العملة قرابة خمسة فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، والمؤكد أن محاولة دول أمريكا اللاتينية هذه ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها محاولات مشابهة فى السبعينيات والثمانينيات، أى فى أوج ارتفاع أسعار النفط، غير أن الظروف السياسية الدولية فى ذلك التوقيت لم تكن مواتية.

وفى حال نجاح دول أمريكا اللاتينية فى العملة المشتركة وربما تحولها إلى عملة موحدة، تزيد التحديات أمام دور الدولار فى النظام المالى العالمي، حتى لو اختارت المكسيك مثلاً البقاء بالقرب من الولايات المتحدة وكندا، بعيداً عن البرازيل والأرجنتين وباراجواى وأوروجواى وغيرها. وطبقاً لوكالة بلومبرج، بدأ ما لا يقل عن 12 دولة في أمريكا الجنوبية في تجارب للتخلي عن الدولار.

إقرأ أيضاً|استقرار سعر الدولار في بداية تعاملات الأربعاء 26 أبريل