بقلم : د. يوسف إدريس
ملايين المسلمين ينتظرون إشارة من مجلس القضاء فى المملكة العربية السعودية أو دار الإفتاء فى القاهرة، بحلول أو عدم حلول عيد الفطر المبارك فى اليوم التالي، الجيران يسألون بعضهم بعضًا إن كانوا قد سمعوا، التليفونات تتساءل، دور الصحف ليس لديها أى أخبار، والكل فى حالة قلقٍ غريب غير معقول، هل يحضرون السحور؟ هل يستعدُّون غدًا للعيد؟ هل يسافرون؟ هل ينامون على عمل فى اليوم التالى أو على إجازة ؟ مئات «الهلات» التى تنتظر «الهلال» .
وهذه ليست المرة الأولى التى يُكتب فيها هذا الكلام، وليست المرة الأولى التى تخوض فيها الصحف فى الموضوع أو يدور النقاش حول الأخذ بمبدأ الرؤية العينية لهلال شوال أو هلال رمضان أو مبدأ الحساب الفلكي، وأريد أن أقول كلامًا أرجو أن يكون بسيطًا جديدًا، فقد قرأتُ فى صحفنا أن مجلس القضاء فى السعودية أصدر بيانًا ناشد فيه المواطنين أن يبلغوا المجلس فورًا إذا «رأى» أحدهم هلال شوال، أخذًا بالمبدأ القائل بضرورة ثبوت الرؤية بالعين المجرَّدة.
وثبت لنا الآن علميًّا أن العين ليست «مجردة» وأنها مكونة من عدسة وقرنية وسائِلٍ وشبكية، إلى آخر مكونات العين، وأن كثيرين من الناس يستعملون النظارات لتصحيح قوة عدسة العين، فهل تعتبر العين التى تستعمل النظارة مثلًا عينًا «مجردة» أم هى عين تستعمل العلم الحديث وقوانين الضوء والعدسات لتصحيح ما فيها من خطأ ؟.
أعتقد أن مجلس القضاء إذا جاءه شاهد أو شاهدان يقولان إنهما رأيا هلال رمضان أو شوال رؤية العين وكانا يرتديان نظارات، سيأخذ بالقطع بكلامهما ويعتبر رؤيتهما للهلال شرعية، وإذا كان المجلس قد أصدر بيانًا يناشد فيه «أي» مواطن رأى الهلال أن يبلغه بهذه الرؤية، ألا تنطبق هذه المناشدة على «علماء الفلك» المسلمين الذين قد يرون الهلال من «نظارات» أقوى كثيرًا من النظارات العادية وأقدر وأدق ؟.
إن علم الفلك وحساب مدارات النجوم والأقمار ليس علمًا «وثنيًّا» ولا هو بعلمٍ «كافر»، وإنما هو علم إسلامى نبغ فيه علماء المسلمين وأخذته عنهم أوروبا المسيحية، وإذا كُنَّا نحن نستعمل ونعتمد على الموجات السلكية واللاسلكية «وهى اختراع أوروبى مسيحي» فى توصيل «الرؤية» وخبرها إلى كافة المسلمين فى بقاع العالم المختلفة، فكيف نستحل هذه الوسيلة «غير الواردة فى الشرع» ونُحرِّم الوسيلة التى ابتكرها علماؤنا المسلمون لمعرفة وحساب ظهور الهلال ؟.
والمسألة فقط ليست مسألةً فقهية أو شرعية من اختصاص القضاة والفقهاء، لقد أصبحت بداية رمضان المعظَّم وحلول عيد الفطر مسألة «تنظم» حياة مئات الملايين من المسلمين فى كافة بقاع الأرض، أصبحت مسألةً اجتماعية اقتصادية فوق كونها دينية ؛ ونتيجة لهذا الارتباك يفقد المسلمون مئات بل آلاف الملايين من ساعات العمل والإنتاج، والمسلمون فى كافة أنحاء الأرض معظمهم فقراء وفى حاجة إلى جهدٍ جبار خارق للإنجاز والإنتاج، ويكفى أن نضرب مثلًا على ما حدث يوما الاثنين والثلاثاء ١٢ و١٣ سبتمبر، فأعتقد أنهما فقدا تمامًا كيومى عملٍ مثمرٍ للمسلمين كافة، وضاعت على المسلمين لا أقل من ألف مليون ساعة عمل. والسؤال هو: أين الحرام وأين الحلال فى هذا؟ أن نضيع أموال المسلمين وحياتهم على هذه الصورة ليزدادوا فوق فقرهم فقرًا، ، أم نبحث عن وسيلةٍ موحَّدة يتفق عليها جميع المسلمين لتحديد يوم صومهم ويوم إفطارهم.
من كتاب «اسمع تُسمع»
