كواليس رحلة «هاريس» إلى أفريقيا

هاريس في رحلتها إلى غانا وتنزانيا وزامبيا
هاريس في رحلتها إلى غانا وتنزانيا وزامبيا

■ كتبت: دينا توفيق

ليس جديدًا أن تشهد أفريقيا التصارع عليها وعلى ثرواتها ومحاولة استغلال كل ما يمكن الانتفاع به وإن كان ذلك على حساب شعوبها.. فى الوقت الذى تضع فيه الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية الولايات المتحدة ضد روسيا والصين، أصبحت الشعوب والموارد الأفريقية مرة أخرى هدفًا لمصالح القوى الثلاثة. جلبت الحرب الباردة الجديدة وفودًا رفيعة المستوى من الدول الثلاث إلى القارة بوعود تجارية ومساعدات واستثمارات مقابل موارد استراتيجية وولاء سياسي. ومن المتوقع أن يقوم الرئيس الأمريكي «جو بايدن» بزيارة القارة بحلول نهاية العام.

واشنطن تواصل النهج العسكرى رغم تعهدها بضخ 55 مليار دولار استثمارات فى 3 سنوات

الصين أنفقت مليارات الدولارات على البنية التحتية الأفريقية وباتت الشريك التجارى الأهم للقارة

قدمت تقارير إعلامية غربية رحلة نائبة الرئيس الأمريكي «كامالا هاريس» الأخيرة إلى أفريقيا على أنها انطلاق تاريخي لسياسة الولايات المتحدة تجاه القارة. ولكن فى الحقيقة تواصل إدارة بايدن النهج العسكري ذاته الذى يخدم مصالح واشنطن مثل سابقيه. وتعد هاريس هى المسئول الأمريكى الثامن عشر والأكبر الذى يزور أفريقيا هذا العام. ومنذ يناير، زار المسئولون الأمريكيون 11 دولة أفريقية، ووفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، قامت وزيرة الخزانة الأمريكية «جانيت يلين» والسيدة الأولى «جيل بايدن» برحلات إلى القارة فى يناير وفبراير. وتأتى زيارة هاريس بعد أسابيع فقط من زيارة وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكين» لإثيوبيا والنيجر.

◄ المهمة
وكانت مهمة هاريس هى إقناع الأفارقة بأن الولايات المتحدة مهتمة بالقارة السمراء لمصلحة أبنائها، وليس بسبب محاولة مواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا فى ثانى أكبر قارة فى العالم من حيث عدد السكان والغنية بالموارد، لقد استندت إلى الرسالة التى تم التعبير عنها فى قمة القادة الأمريكية الأفريقية التى استضافتها إدارة بايدن فى ديسمبر 2022، والتى أكدت على الاستثمار الاقتصادى العام والخاص، ومنح اتفاقيات التجارة التفضيلية، والوصول إلى تمويل أكثر بأسعار معقولة.

يأتي ذلك بعد أن أعطت الأولوية لمكافحة الإرهاب لفترة طويلة باعتباره مصدر قلقها الرئيسى فى القارة، فإن لدى واشنطن الكثير لتفعله للحاق بالركب كل من التنين الأصفر والدب الروسي؛ خاصة بعد أن تجاوزتها الصين باعتبارها الشريك التجارى الأهم لأفريقيا، بقيمة وصلت إلى 250 مليار دولار عام 2021 مقارنة بالولايات المتحدة بقيمة بلغت 64 مليار دولار فى العام ذاته. تعد القارة مصدرًا رئيسيًا للمعادن اللازمة لإنتاج السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وتقنيات الطاقة النظيفة التى تكافح تغير المناخ.

اقرأ أيضًا | رئيس الوزراء البولندي: كامالا هاريس تعهدت بنشر قوات إضافية في بلادنا

وتتحكم الصين فى تصدير المعادن الرئيسية فى جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وتنزانيا؛ ولضمان الوصول إلى موارد الطاقة والأراضىي الزراعية والمواد الاستراتيجية الأخرى، أنفقت بكين مليارات الدولارات على البنية التحتية الأفريقية، من تطوير وإعادة تمهيد الطرق والسكك الحديدية والسدود والجسور والموانئ وخطوط أنابيب النفط والمصافى ومحطات الطاقة وأنظمة المياه وشبكات الاتصالات، بالإضافة إلى إنشاء المستشفيات والمدارس والاستثمار فى صناعات الملابس والأغذية والزراعة ومصايد الأسماك والعقارات التجارية وتجارة التجزئة والسياحة. واستغلت بكين تجاهل واشنطن للدول الصغيرة، لتولى اهتمامًا دبلوماسيًا لها وكذلك الكبيرة. يدرك الكثيرون أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وراء الاهتمام المتجدد من قبل الولايات المتحدة. فيما سعت روسيا إلى إقامة تحالفات سياسية جديدة ردًا على عزلتها المتزايدة فى المجتمع العالمي. 

◄ الصدمة!
جاءت هاريس إلى أفريقيا بوعود تعكس تلك التى تم التعهد بها فى قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا الأخيرة؛ حيث تعهدت واشنطن باستثمار ما لا يقل عن 55 مليار دولار فى القارة على مدى السنوات الثلاث القادمة لتعزيز الاقتصادات والأنظمة الصحية والقدرات التكنولوجية، ومكافحة انعدام الأمن الغذائى والأزمات الناجمة عن المناخ، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإرساء السلام.

حيث تريد إدارة بايدن فى تمييز نفسها عن إدارة سلفها «دونالد ترامب»، التى تنظر إلى البلدان الأفريقية على أنها تهدد الرفاهية الأمريكية بالمرض والإرهاب والمهاجرين غير المرغوب فيهم. وفى الشهر الماضي، كانت الدول الأفريقية لا تزال تمثل ما يقرب من نصف جميع الدول التى امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى يدين روسيا. حينها قال بلينكين إن هذا التاريخ يجعل من الصعب تغيير علاقات الدول الأفريقية التى استمرت عقودًا مع موسكو. خصوم الولايات المتحدة لم يتراجعوا عن مغازلة القادة الأفارقة.

حيث زار وزير الخارجية الروسي «سيرجى لافروف» القارة مرتين فى غضون ستة أشهر، ومن المقرر عقد قمة روسية أفريقية فى يوليو فى موسكو. وكما هو معتاد بالنسبة لدبلوماسية بكين، بدأ وزير الخارجية الصينى الجديد «تشين جانج» فترة ولايته بجولة فى خمس دول أفريقية فى يناير. أدرك دبلوماسيو بكين منذ عقود، أن التجارة- وليس المساعدة- هى أضمن الطرق لبناء علاقات أقوى مع الدول الأفريقية.

◄ المصالح المتبادلة
ومن ناحية أخرى، تدعى إدارة بايدن أنها تسعى إلى شراكة مفيدة للطرفين، لكن العديد من القادة الأفارقة مازالوا متشككين. وخلال الحرب الباردة الأولى، رفض عدد كبير من الدول الأفريقية الاختيار بين الشرق والغرب. وبدلاً من ذلك، سعوا للحصول على حلفاء واستثمارات من كلا الجانبين. أقامت موسكو علاقات مع شركاء متنوعين، وفقًا لموقع «جاكوبين» الأمريكي. وفى المقابل، تبنت واشنطن نهج «معنا أو ضدنا»، معتبرة أولئك الذين يرفضون التعاون معها على أنهم يقفون إلى جانب روسيا والصين.

وعلى الرغم من أن إدارة بايدن تدعى أن نهجها مختلف، إلا أن العديد من الأفارقة غير مقتنعين؛ نظرًا لأن سجل إدارة بايدن لا يبشر بالخير. وعلى الرغم من أن هاريس قد وعدت بالتركيز على التنمية الاقتصادية، إلا أن البيت الأبيض يواصل إعطاء الأفضلية للجيش على الأنشطة المدنية.

حيث تضمن طلبه للسنة المالية 2024 إلى الكونجرس 842 مليار دولار لوزارة الدفاع - بزيادة قدرها 3٫2% عن اعتمادات السنة المالية لعام 2023، بالإضافة إلى زيادة قدرها 44 مليار دولار من الإنفاق الدفاعى لمكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الطاقة ووكالات أخرى، والذى يمثل 47% من إجمالي الإنفاق التقديري.

تدعى الإدارة الأمريكية أنها ستوازن بين المخاوف الأمنية والأنشطة الدبلوماسية والتنموية، ومع ذلك لا يوجد دليل يذكر على أرض الواقع. تقدم ميزانيات وزارة الدفاع والقطاع الأمنى السابقة فى وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) دليلاً على أن التدريب العسكرى الأفريقى قد تفوق باستمرار على البرامج الموجهة نحو المدنيين، وفقًا لمؤسسة responsible statecraft الفكرية الأمريكية. ليس هناك دلائل على أن إدارة بايدن أو الكونجرس الحالى لديهم الإرادة لتغيير هذا. واتفاق الحزبين، انضم الديمقراطيون إلى الجمهوريين فى المطالبة بميزانيات دفاعية أكبر، بحسب ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

ومنذ إنشاء قيادة العسكرية الأمريكية فى أفريقيا (أفريكوم) عام 2008، أصبحت المساعدات الاقتصادية الأمريكية ذات طابع عسكرى بشكل متزايد. وعندما تولت أفريكوم المسئولية عن العديد من المبادرات التى كانت تخضع سابقًا للولاية القضائية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، شارك الجنود فى أنشطة لم يتم تدريبهم عليها، وتم إبعاد الخبراء المدربين جانبًا. وعلى الرغم من وصف أفريكوم بأنها تروج «لحلول أفريقية لمشاكل القارة»، فقد تم تطوير برامجها دون تشاور مع المجتمعات الأفريقية، وهيمنت المخاوف الأمنية الأمريكية وليس الأفريقية على جدول الأعمال.

◄ المصالح
ويرى زعيم الحزب الاشتراكي فى زامبيا «فريد ميمبي»، أن ما تريده الولايات المتحدة ليس الديمقراطية وحقوق الإنسان التى يسعون وراءها فى أفريقيا. إنهم يسعون وراء مصالحهم الجيوسياسية، إنهم يسعون وراء مصالحهم الاقتصادية الخاصة. هناك تدافع جيوسياسى على معادن الأرض النادرة لتشغيل الثورة الخضراء فى العالم، مثل الكوبالت والنحاس والنيكل، التى تمتلكها العديد من الدول الأفريقية بكثرة وهى ضرورية للمركبات الكهربائية والتقنيات المتجددة.

ويتحكم الصينيون فى معظم الصادرات التجارية فى بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وتنزانيا. وفقًا لتقرير عام 2022 الصادر عن مؤسسة «بروكينجز» ونتائج التنمية، تقوم الصين بتكرير 59% من الليثيوم فى العالم، و 40% من النحاس، و 73% من الكوبالت. وفى قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا فى ديسمبر الماضي، كان الهدف هو أن تحاول الولايات المتحدة من خلال قطاعها الخاص إزاحة هيمنة الصين.

وتشير الأدلة من أماكن مختلفة فى القارة إلى أنه عندما يشتد العنف والتطرف، يتم تنحية الأهداف السامية جانبًا، وتزيد الولايات المتحدة الإنفاق العسكري. مرة أخرى، ما تتحدث عنه إدارة بايدن هو مجرد كلام دون أفعال، ولكن هل سيتحقق هذه المرة أم تضاعف من سياساتها الفاشلة مثل الماضي؟