عبد الناصر الجعفري: الالتزام الأخلاقي أبرز وسائل تماسك المجتمعات| حوار

د. عبد الناصر الجعفرى
د. عبد الناصر الجعفرى

نجاة الفرد في التصالح مع نفسه وتقديم الخير للآخرين ، ويؤكد د. عبد الناصر أن العبادات أبرز وسائل تماسك المجتمعات المسلمة ورقيها النفسي والروحي والأخلاقي؛ لأنها تحقق العبودية فرديًا وجماعيا، فتصل العبد بربه، وتقوّى روابط المجتمع؛ فلا ينحصر الدين فى العبادات، ولكن يعم المعاملات، فيتحقق المعنى الصحيح للعبودية؛ فالصلاة، كما أنها عبادة خالصة: بدنية وروحية.

وهى صلة بين السماء والأرض، بين العبد وربه، فهي صلة بين المسلم ومجتمعه، حيث تؤدّي جماعة في كثير من أحوالها، ليس في الفرائض الخمسة فقط، بل في الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الجنائز والتراويح.

جماعية العبادة

ويوضح أنه حين يتفكر الإنسان لماذا يحرص الإسلام أن تكون العبادات جماعية، فيجعل الصلاة جماعة تسبق صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، الصلاة التى يلتقى فيها المسلمون كل يوم خمس مرات، ويجتمعون مرة كل جمعة فى المساجد الجامعة يتعرّفون أحوالهم ومصالح ضعفائهم، ويسود الود والتراحم بينهم، فتنمو مجتمعاتهم ويفيض خيرهم وطهرهم؛ فالصلاة صلة دائمة بالله تعالى وطهارة مستمرة دائمة للمسلمين ولمجتمعاتهم؛ كذلك الزكاة، عبادة جماعية، فيها التزكية والتطهير، ومثلها الصدقات.

اقرأ ايضاً | محمد عباس: الدعوة إلى التكافل من المشتركات الإنسانية عند كل الأنبياء

وهى من علامات الصدق والإيمان؛ والتزكية والتطهير لنفوس الأغنياء من الجشع واكتناز الثروات، بل من الذنوب والمعاصي؛ وإذا كان الحج والعمرة يمثلان لقاء جماعيا كبيرًا يضم أطياف المجتمعات الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها فى مكان واحد وزمان واحد، يتعارفون ويتراحمون، فإن الزكاة والصدقات أكبر من الحج صورة ومعنى.

من حيث عدد المؤدين لها والمستفيدين منها، فليس أظهر للبر والتراحم من الزكاة التى هى طهرة للمال مما قد يكون شابه من الأكدار، وإذا كانت طهرة لنفس المزكى من أمراض الشح والبخل، وطهرة لنفس الفقير من الحقد والحسد والبغي، ومن رذائل الفقر؛ فهى طهرة للمجتمع من أمراض عديدة ليس آخرها الحقد والحسد والرذيلة.

روح الجماعة

ويتابع د. الجعفرى أن الصوم فى شهر رمضان مظهر عظيم لروح الجماعة، ونقاء للنفوس والأرواح، وتقوية للإيمان، وزاد للمحبة والتواصل، وتربية للصبر والخلق القويم، فالصوم ليس عبادة ونسكا فرديا فقط، بل عبادة وتواصل اجتماعي؛ فالصوم ترك للطعام والشراب والشهوات المباحة، واستغناء عنها بإرادة حرة، ونية صادقة؛ ومن ثم تدريب عظيم للنفس بالانتهاء، مختارةً، عن المحظورات والمُهلِكات، مهما بدا فيها من الإغراء.

وبهذا تسمو النفوس وتتطهر المجتمعات المسلمة؛ وهذا الشهر الفضيل فرض الله صيامه ليربينا على كل خلق كريم، ويمنعنا من كل خلق ذميم؛ جاء ليربينا على المحبة والرحمة، لا على التنازع والتخاصم، وهو فرصة عظيمة لوقاية النفس والمجتمع من الآثام، فمن لم يكن صومه مانعا له من الإثم والفحش والمعصية، ففى صومه خلل.

فرصة عظيمة

ويضيف د. الجعفرى أنه إذا كان الله تعالى قد وعد عباده فى هذا الشهر بالعفو والمغفرة والتجاوز؛ فعلى العباد كذلك أن يعفوا عمن ظلمهم، وأن يغفروا لمن أساء إليهم، وأن يسابقوا فى الخير والبر وبذل المعروف والإحسان، وحين يعيش الصائم حالة من لا يجد القوت؛ يرق قلبه وتسمو روحه وتشرق نفسه، فيفيض خيره على من حوله، تشبهًا بخير الخلق صلى الله عليه وسلم؛ ورمضان فرصة عظيمة للتدريب على رفعة الهمم وتقوية لفضيلة الرحمة والحلم والصبر ورقى الأخلاق.

ودليل إلى الجنة ونجاة من النار؛ لأن الصيام يغرس فى النفس شيما لازمة من التعاطف والتراحم والتعاون والتكافل والتآخى والحب والمودة والعدل والمساواة والتواصل، يتعامل بها المسلم مع مجتمعه، خصوصا المحتاجين والفقراء، طوال العام، وفى عمره كله؛ وكل مسلم يقدم الخير حسب قدرته، وقد وعده الله أن يقبله؛ فالإطعام والإفطار يقبل منه ويثاب عليه، ولو على تمرة، أو مذقة لبن، أو شربة ماء، وهذه ميسرة على الجميع.

ويوضح د. الجعفري: أن كل هذه العبادات وغيرها من شعائر الإسلام وأحكامه تجمع أمة واحدة متكافلة متعاطفة، يوقر صغيرها كبيرها ويرحم قويها ضعيفها، ويعطى غنيها فقيرها؛ فالمسلم مسئول عن أمته فى الدنيا توادًّا وتراحمًا يحرص على حفظهم ومنفعتهم كأنهم بضعة من جسده، ويعلم أنه موقوف يوم القيامة لنوعين من الحساب: الحساب الفردى وكذلك الحساب الجماعي؛ فيعلم أن النجاة فى الآخرة ليست فردية فقط بل جماعية أيضا.

وأنه محاسب يوم القيامة عن نفسه، ثم عن أمته، ويدرك أن نجاته أن يكون صالحا فى نفسه، قائما بحقوق مجتمعه، مؤديا عباداته، باذلا الخير والفضل والبر لمجتمعه، فكما أنه من المصلين، فهو يطعم ويحض على طعام المسكين، ولا يخوض فى الشر مع الخائضين، فليهنأ المؤمنون بإيمانهم، ولينعم المجتمع كله بأخلاق المؤمنين وأعمالهم.