صندوق النقد: التشديد الحاد للسياسة النقدية أظهر آثارًا جانبية خطيرة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قال صندوق النقد الدولي إن الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن التشديد الحاد للسياسة النقدية على مدار الاثني عشر شهرا الماضية بدأ يؤدي إلى ظهور آثار جانبية خطيرة في القطاع المالي، وهذا ما حذرنا مرارا من احتمال حدوثه، وربما كانت المفاجأة هي أنه استغرق هذا الوقت الطويل.

فبعد فترة مطولة من انخفاض التضخم والتدني الشديد في أسعار الفائدة، أصبح القطاع المالي شديد التراخي حيال آجال الاستحقاق وعدم اتساق تدفقات السيولة. وأفضت السرعة في تشديد السياسة النقدية العام الماضي إلى تكبد خسائر فادحة في الأصول طويلة الأجل ذات الدخل الثابت، وأدت إلى رفع تكاليف التمويل.

ويعتمد استقرار أي نظام مالي على قدرته على استيعاب الخسائر دون اللجوء إلى أموال دافعي الضرائب. ومن خلال الفترة الوجيزة من عدم الاستقرار التي شهدها سوق سندات الخزانة البريطانية في المملكة المتحدة في فصل الخريف الماضي واضطراب الجهاز المصرفي في الولايات المتحدة مؤخرا، يتضح أن هناك مواطن ضعف جسيمة على مستوى البنوك ومؤسسات الوساطة المالية غير المصرفية على حد سواء. وفي كلتا الحالتين، اتخذت السلطات المالية والنقدية إجراء سريعا وقويا وتمكنت من منع حدوث مزيد من عدم الاستقرار.

ويبحث تقريرنا عن آفاق الاقتصاد العالمي سيناريو تواجه البنوك فيه ارتفاعا في تكاليف التمويل والحاجة إلى التحلي بمزيد من الحكمة، واتخاذ مزيد من الخطوات نحو تخفيض الإقراض. ويؤدي ذلك إلى انخفاض إضافي في الناتج قدره 0,3% هذا العام.

غير أن النظام المالي قد يوضع على المحك من جديد. وغالبا ما يبحث المستثمرون الذي يساورهم القلق عن الحلقة الأضعف التالية، كما فعلوا مع بنك كريدي سويس، وهو بنك أوروبي مؤثر في النظام العالمي لكنه متعثر. وقد يكون الهدف التالي هو المؤسسات المالية ذات المستويات المفرطة من الرفع المالي أو مخاطر الائتمان أو التعرض لمخاطر أسعار الفائدة، أو شديدة الاعتماد على التمويل قصير الأجل، أو الكائنة في مناطق اختصاص ذات حيز مالي محدود. وكذلك حال البلدان التي يُتصور أن أساسياتها الاقتصادية أضعف.

ويمكن أن يترتب على التشديد الحاد للأوضاع المالية العالمية – أي ما يُطلق عليه "تجنب المخاطر" – تأثير كبير للغاية على أوضاع الائتمان والموارد العامة ولا سيما في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وسوف يعجل ذلك بخروج تدفقات رأسمالية كبيرة، وحدوث ارتفاع مفاجئ في علاوات المخاطر، وارتفاع سعر الدولار في ظل الاندفاع نحو الأمان، وهبوط النشاط الاقتصادي العالمي بشكل كبير وسط أجواء تراجع الثقة وانخفاض إنفاق الأسر واستثماراتها.

وفي ظل هذا السيناريو من التطورات السلبية الحادة، قد يتباطأ النمو العالمي إلى 1% هذا العام، وهو ما ينطوي على أن نصيب الفرد من الدخل شبه ثابت. وتشير تقديراتنا إلى أن احتمالية الوصول إلى هذه النتيجة تقرُب من 15%.

وبالتالي، نحن ندخل الآن في مرحلة خطرة يظل النمو الاقتصادي فيها منخفضا بالمعايير التاريخية، بينما ازدادت المخاطر المالية، ولكن التضخم لم يتجاوز المنعطف الحرج بشكل حاسم بعد.

السياسات

سوف يتعين على صناع السياسات، أكثر من أي وقت مضى، التحلي بالصمود والتواصل بوضوح.

وفي ظل احتواء عدم الاستقرار المالي، ينبغي أن تظل السياسة النقدية مركزة على تخفيض التضخم، ولكن مع التأهب للتكيف بسرعة مع التطورات المالية. وبارقة الأمل هي أن الاضطراب المصرفي سيساعد على إبطاء النشاط الكلي مع تقليص البنوك للإقراض. والمتوقع من هذا الأمر في حد ذاته أن يخفف جزئيا الحاجة إلى مزيد من التشديد النقدي للوصول إلى نفس الموقف على صعيد السياسات. ولكن أي توقع بأن البنوك المركزية ستتخلى قبل الأوان عن مكافحة التضخم سيكون له تأثير معاكس: انخفاض العائدات، ودعم النشاط الاقتصادي على نحو يتجاوز ما تبرره الحاجة، وتعقيد مهمة السلطات النقدية في نهاية المطاف.

وقد يكون لسياسة المالية العامة دور حيوي كذلك. فمن خلال تهدئة النشاط الاقتصادي، يمكن لتشديد سياسة المالية العامة أن يدعم السياسة النقدية، وهو ما يسمح بتعجيل عودة أسعار الفائدة الحقيقية إلى مستوى طبيعي منخفض. ويمكن لضبط أوضاع المالية العامة بالشكل الملائم أن يساعد كذلك على إعادة بناء هوامش الأمان المالي التي توجد حاجة ماسة إليها ويساعد على تعزيز الاستقرار المالي وبينما سياسة المالية العامة ستكون أقل توسعا في كثير من البلدان هذا العام، يمكن عمل المزيد لاستعادة الحيز المالي.

اقرأ أيضًا.. توقعات صندوق النقد الدولي لآفاق أسعار الفائدة