لماذا يعقد بايدن قمة أخرى غير مجدية من أجل الديمقراطية؟

قمة بايدن للديمقراطية
قمة بايدن للديمقراطية

فى يوم 27 من فبراير عام 1953، شهدت اتفاقية لندن للديون شطب نصف ديون ألمانيا الغربية والتى تراكمت بعد حربين عالميتين. قاد عملية إلغاء الديون، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. فقد أسهمت الدول الغنية فى صنع المعجزة الاقتصادية الألمانية بعد الحرب، بينما لا تفعل الشيء نفسه مع الدول الفقيرة اليوم. فالدول الغنية حاليا هى أهم الدائنين للدول الفقيرة، وبدأت المؤسسات التى تديرها الدول الغنية - البنك الدولى وصندوق النقد الدولى - فى التنازل عن ديون الدول الفقيرة بشروط فى أواخر التسعينيات فقط من القرن الماضي. ومع ذلك، فإن الكرم الذى ظهر لألمانيا تُحرم منه الدول النامية اليوم.
العولمة التى تنظمها حاليا أغنى دول العالم تخنق الدول الفقيرة. وما كشفته التجربة الألمانية هو «أن إزالة القيود الاقتصادية ستسمح للدول النامية بالتنفس مرة أخرى».

 

وفى إطار وعده بترميم الزعامة الأمريكية فى العالم بعد سنوات ترامب الأربع ب البيت الأبيض، استضاف الرئيس الأمريكى جو بايدن يوم الثلاثاء، قمة ثانية من أجل الديمقراطية تهيمن عليها هذه السنة الحرب فى أوكرانيا والمخاوف حيال صعود نفوذ الصين.

وقد حضر قادة 121 دولة ومنطقة، بزيادة ثمانية عن القمة الأولى، ومن أجل تجنب انتقادات «الوسطية الأمريكية»، دعت إدارة بايدن زامبيا وكوستاريكا وكوريا الجنوبية وهولندا كمضيفين مشاركين لضمان تمثيل القارات الخمس. ومع ذلك، عقدت معظم القمة عبر الإنترنت، مما يقوض بشدة الشكل والتأثير اللذين تسعى إليهما قمة الديمقراطية.

وعقدت القمة الجديدة فى ظل صعود الأنظمة المتسلطة بالعالم وتفاقم التهديدات للديمقراطية بما فى ذلك فى الولايات المتحدة نفسها التى شهدت هجوما على مقر الكونجرس فى السادس من يناير 2021. ففى اليوم السابق لافتتاح القمة، فى تينيسي، اقتحم مسلح مدجج بالسلاح مدرسة وقتل ثلاثة أطفال تبلغ أعمارهم تسعة أعوام وثلاثة موظفين، بمن فيهم مدير المدرسة. هذه المذبحة الأخيرة تلطخ راية «الديمقراطية» التى رفعتها الولايات المتحدة بإراقة الدماء. وقال الرئيس بايدن فى خطاب إن إطلاق النار كان «أسوأ كابوس للأسرة».

وتشير البيانات إلى حدوث أكثر من 100 عملية إطلاق نار جماعى فى الولايات المتحدة حتى الآن هذا العام، محطمة بذلك رقمًا قياسيًا فى 10 سنوات. وترى الجلوبال تايمز أنه عندما تعيش العديد من العائلات الأمريكية فى «كابوس»، فإن ترويج واشنطن «للديمقراطية على النمط الأمريكي» يبدو منافقًا. وفى ظل هذه الخلفية، تبدو «قمة الديمقراطية» أكثر شحوبًا.

ولم تدع إلى هذه القمة دول مثل مصر والسعودية، وسنغافورة وبنجلاديش، وتركيا والمجر التى يترأسها القومى فيكتور أوربان اللتين تعتبرهما واشنطن وأوروبا الغربية ديمقراطيات غير ليبرالية. فى المقابل، دعيت الهند التى يقولون إنها أكبر ديمقراطية فى العالم.

وبعد أيام من إقصاء زعيم المعارضة راهول غاندى من البرلمان وسجنه بتهمة ملفقة، وإسرائيل التى يريد زعيمها بنيامين نتنياهو إغلاق استقلال القضاء، والمكسيك، التى يحاول زعيمها، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إنهاء انتخابات حرة ونزيهة. كما دعيت 5 دول أفريقية استبعدت من القمة الأولى، وهى تنزانيا وساحل العاج وغامبيا وموريتانيا وموزمبيق.

وقد امتنعت خارجية الولايات المتحدة عن التعليق على المعايير المعتمدة فى دعوة بعض الدول واستبعاد بعضها الآخر، مشيرة إلى توزيع ذى «صفة تمثيلية» على الصعيدين الاجتماعى الاقتصادى والإقليمى.

ومن المثير للاهتمام أن العديد من وسائل الإعلام الأمريكية صرخت «الإمبراطور لا يرتدى ملابس. وتساءلت العديد من المقالات الإعلامية الأمريكية باستنكار: «لماذا يعقد بايدن قمة أخرى غير مجدية من أجل الديمقراطية؟» «ما الذى يمكن إنقاذه من قمة بايدن الديمقراطية»، «الولايات المتحدة لا تحتاج إلى قمة ديمقراطية أخرى» وما إلى ذلك.

وأشارت هذه المقالات إلى أن عملية التنظيم واتخاذ القرار للقمة كانت فوضوية ومبهمة وتفتقر إلى الشمولية، وأن هناك خلافات مستمرة حول اختيار المشاركين. هذه الشكوك والانتقادات والنفى من داخل الولايات المتحدة حول «قمة الديمقراطية» تعكس شدة الانقسامات الداخلية فى البلاد وتكشف الألوان والأغراض الحقيقية للقمة.

وترى «فورين بوليسى» أن دوافع ونتائج «قمة الديمقراطية» معادية للديمقراطية، وهى تخدم بشكل كامل المصالح الدبلوماسية والجيوسياسية للولايات المتحدة. من خلال رسم الخطوط الأيديولوجية واستخدام المعايير التى وضعتها الولايات المتحدة، فإنها تقسم المجتمع الدولى إلى ما يسمى «المعسكرات الديمقراطية وغير الديمقراطية»، وتخلق الانقسام والمواجهة فى عالم يحتاج بشكل عاجل إلى الوحدة والتعاون.

وقد أكدت التقارير حول القمة بشكل عام أنها تهدف إلى التعامل مع الصراع بين روسيا وأوكرانيا وصعود الصين. ليس من المستغرب أن يتحول الأمر مرة أخرى إلى حدث دعائى لواشنطن لإقناع الدول الأخرى بالتعاون مع استراتيجية «المنافسة» الخاصة بها.

وتؤكد الصحيفة أن الولايات المتحدة تروج جوهر ديمقراطيتها السياسية وهو «الحرية» و«التنوع» و«الشمولية»، لكن «قمة الديمقراطية» أصبحت هجاءً حادًا لهذه القيم: فواشنطن تغلق أبوابها وتضع معيار الديمقراطية، وعدم السماح بالتساؤل والمناقشة، ولا يمكن أن تتسامح مع وجود ديمقراطيات أخرى تختلف عن الديمقراطية على النمط الأمريكى.

وتحت تأثير جولة تلو الأخرى للأحداث المتطرفة مثل إطلاق النار المتكرر والتمييز العنصرى الشديد وسياسة المال المتفشية وأعمال الشغب فى الكابيتول، أصيب معبود «الديمقراطية على الطراز الأمريكى» بالجروح وهو على وشك الانهيار.

ولقد فقدت أمريكا جاذبيتها للعالم منذ زمن بعيد. لا تزال بعض الدول تحضر هذه القمة، لكنها لا تؤيد بالضرورة القيم الديمقراطية الأمريكية، ومعظمها لديه مصالح مختلفة. حتى فى مكان انعقاد القمة، يعتقد معظم الحاضرين أنه لا توجد صيغة واحدة أو نموذج واحد للديمقراطية، ولكل دولة ثقافتها السياسية واحتياجاتها الديمقراطية، والتى تتوافق بشكل أساسى مع موقف الصين الراسخ منذ فترة طويلة، وهى فى الواقع، رفض «الوعظ الديمقراطى» الأمريكى.

والولايات المتحدة ليست مؤهلة لأن تكون «داعية الديمقراطية» فى العالم، وبتحويل الديمقراطية إلى عمل تجارى، بالغت واشنطن فى تقدير سوقها. إذا كانت واشنطن تعلق أهمية فعلية على «قمة الديمقراطية» هذه، فإن ما تحتاجه أكثر من غيره هو استغلال هذه الفرصة لكتابة وصفة طبية لنفسها، كما أشارت بعض وسائل الإعلام الأمريكية، «أفضل شىء يمكن أن تفعله الولايات المتحدة «تعزيز» قضية الديمقراطية فى العالم هو تحسين ممارستنا لها هنا».

وعلى الرغم من تلقيها الكثير من الانتقادات، لا تزال واشنطن تعقد «قمة الديمقراطية» مرة أخرى والغرض منه هو اكتساب القوة لتحديد «الدول الديمقراطية» ثم استخدام تلك القوة لمصالحها الخاصة، هذه تعد إهانة وتجديفا لروح الديمقراطية.

وتشكل القمة أيضا مناسبة جديدة لواشنطن من أجل التقرب من أفريقيا فى وقت عززت الصين وروسيا وجودهما بهذه القارة، خاصة فى ظل قيام كامالا هاريس نائبة بايدن بجولة أفريقية هذا الأسبوع تشمل غانا وتنزانيا وزامبيا، سعيا للترويج للصورة الإيجابية التى تراها واشنطن حيث تعتبر هذه القارة «مستقبل العالم».

اقرأ ايضاً| روسيا تمدد تخفيضات إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام