معاش النقابة «زهيد».. ويجب ضم القراء إلى مستشفى الدعاة

القارئ أحمد محمود علي البنا: ورثت من والدي خامة الصوت.. ولا أقلده

القارئ أحمد محمود على البنا
القارئ أحمد محمود على البنا

عندما تسمع تلاوة القرآن الكريم من الشيخ محمود على البنا، تشعر بالسكينة والهدوء، وتدخل فى عوالم من الاطمئنان والسعادة، وكأن قراءته علاج لحالات الاكتئاب والإرهاق.. وكان هذا الحوار مع ابنه القارئ الكبير الشيخ أحمد محمود على البنا:

يؤكد الشيخ أحمد البنا، أن أباه قد قصَّ عليه بعض وقائع هذا الموقف، وأنه قد قرأ هذه الآية بالفعل بجميع القراءات المعروفة، وأنه كان متأثرًا جدًّا، خاصة مع انفعال الناس وإلحاحهم على إعادة هذه الآية وشدة طربهم لها، وتأثرهم بها؛ غير أنه أكد أن أباه لم يذكر له أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا، غير أننى أعلم أنه كانت لوالدى علاقة وطيدة بمحبة سيدنا النبي.

ومن حيث كان دائم الصلاة والسلام عليه، وله أوراد يومية معروفة فى الصلاة عليه وعلى آله، وكذلك قبل القراءة فى المحافل وبعدها، وربما تكون العلاقة الوطيدة لأبى بسيدنا النبى قد تمثلت فى إجماع الناس على تلاواته وقراءاته المتعددة، واحتفاظهم بتسجيلاته النادرة وإذاعتها بصورة متكررة.

معاش زهيد

ويوضح الشيخ البنا أن نقابة القراء تقوم بجهد كبير فى خدمة القراء، ولكنها تحتاج إلى دعم متواصل؛ لأن معاش القارئ رغم كل هذا لا يتعدى خمسمائة جنيه كل ثلاثة أشهر، وهو مبلغ زهيد جدا لا يليق بأهل الله وخاصته؛ وصحيح أن الظروف الاقتصادية صعبة.

وأن وزارة الأوقاف تقدم كل الدعم المتاح، ولكن هناك أوقافًا كثيرة خاصة بأهل القرآن يجب أن تُنفق عليهم، ونحن ننتظر المزيد من دعم الوزارة للقراء؛ وقد كانت لى جهود منذ سنوات مع الشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ أحمد الرزيقى للاتفاق مع الوزارة على زيادة الدعم، عندما كنتُ عضوا بمجلس النقابة وأمينًا للصندوق.

وأضاف الشيخ البنا أن ما يحدث من تجديد فى المساجد الكبرى وإعادة المقارئ إليها بأصوات كبار القراء مبادرة جميلة وخطوة مهمة لإعادة الناس إلى المساجد وسماع القرآن والتعلم من كبار القراء، ولكننا نتمنى أن تنتشر المقارئ فى باقى المساجد الكبرى بالمحافظات.

وقد يقوم كبار القراء فى هذه المحافظات بهذه المهمة الجليلة؛ والحقيقة أن هذه الخطوات من ثمرات جهود الشيخ محمد حشاد، شيخ عموم المقارئ ونقيب القراء، وهو قارئ كبير من بقية أجيال القراء الكبار، وكان والدى الشيخ محمود على البنا يُحبه ولا ينزل إلى الإسكندرية إلا ويتصل به ليتقابلا.

وبرغم هذا فإن القراء يحتاجون إلى نظام علاجى خاص بهم أو ينضمون إلى أى نظام متاح، مثل مستشفى الدعاة، مثلا؛ لأن معظم القراء دخولهم محدودة وعندما يمرضون أو يكبرون فى السن تتوقف مصادر دخلهم ويحتاجون إلى الدعم والرعاية.

دولة التلاوة

وأشار الشيخ البنا إلى أنه يلاحظ غياب الاهتمام الكافى بالقراء فى وسائل الإعلام؛ وأذكر أننى عندما كنت مع والدى فى الستينيات، حين قراءة الجمعة بمسجد الخازندار، ووصلنا المسجد قبل القراءة بنصف ساعة تقريبًا، وقتها سمعت المذيع يقول لوالدى إن القراءة اليوم 45 دقيقة كاملة، فابتسم والدى وقال: هذه مدة كبيرة، ولكن المذيع قال له: إن معنا «البطل» الكبير.

وبالمقارنة بقرآن الجمعة الآن الذى لا يتجاوز 15 دقيقة، فإننى أطالب بزيادة المساحة الإعلامية لقراء القرآن الكريم؛ لأن مصر بها أصوات جميلة جدا ولا نريد أن نفقد ريادة دولة التلاوة المصرية.

وعن أخطاء بعض القراء فى التلاوة، يقول الشيخ البنا: إن القرآن غالب لا مغلوب، خاصة فى السهو الذى قد يستدركه القارئ، وهو شيء قديم يقع فيه معظم القراء؛ لكن مهاجمة أهل القرآن والتشنيع عليهم وتكبير كل شيء يقومون به، والعقوبات والغرامات، كل هذا لا معنى له؛ لأن السهو ليس معناه دوام الخطأ، ويجب ألا نُظهر القراء بمظهر المتهمين دومًا.

ويوضح الشيخ البنا أن عامل الوراثة بينه وبين والده كبير جدا فى خامة الصوت، صحيح أنها غير مطابقة تمامًا ولكنها قريبة جدا، ورغم أن طبعى هو طبع والدى فى التلاوة فإننى لا أقلده، ولكن هذا ما تعلمته منه؛ وقد تحدث تجليات وفتوحات خاصة بى من عند الله، إضافة إلى أن القارئ ينضج مع دوام القراءة.

وأما عن بداياتى فى القراءة فإننى كنت أقلد والدى فى كل مكان بالبيت منذ صغري، حتى سمعنى فنادى عليّ وطلب أن يسمعني، وكنت أرتجف أمامه، ثم بدأت الاستعاذة بقوة، فنبهنى إلى طريقة القراءة الصحيحة، وكان هذا الدرس الأول؛ والغريب أنه منذ أربع سنوات فقط.

وكنت أعتمر فى مكة أرسل لى صديقى حسام عصفور، وهو من المهتمين بتراث الشيخ، تسجيلًا نادرًا له مع الإذاعة العراقية وكان يتحدث عن أبنائه، وعندما سمعت ما قاله عنى بكيت؛ لأنه قال: «أحمد فى كلية التجارة وصوته حلو وبيقلدنى وفنان».

مدارس قرآنية

وأما عن ذكريات الشيخ البنا فى رمضان، فيقول الشيخ أحمد إن والده كان إما مسافرًا للخارج أو مشغولًا يوميا، ولهذا كان احتكاكنا بوالدى قليلًا جدا فى رمضان؛ ولكنه كان يحكى لنا عن الاستقبالات الكبيرة للقراء المصريين وكيف يشتاق الناس لهم، وحكى أن هناك مدارس كاملة فى معظم الدول الإسلامية بأسماء كبار القراء المصريين، بحيث ينتقون الأطفال المميزين لتدريبهم على قراءة كل قارئ مصري.      

وعن علاقة والده بزملائه القراء، يقول الشيخ أحمد إنها كانت علاقة الكبار بالكبار، محبة وود وتزاور واحترام، وتنافس شريف فى الوقت نفسه؛ وأذكر أن عمى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد هو الذى كان يأخذ العزاء فى والدي، باعتباره فردًا من أسرتنا، وهذه هى أخلاق القرآن.

اقرأ ايضاً| أستاذ التفسير بجامعة الأزهر: محبة الأوطان واجبة بنص القرآن الكريم