علاء عبد الهادي يكتب: كثير من الأدب| الوثائقية.. خطوة في معركة الوعي

علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى

أنتظر أن تقدم لنا «الوثائقية» جرعة تاريخية وفنية وثقافية بما يليق بحضارة وحاضر مصر وبما يليق بالجمهورية الجديدة.

خطوة تأخرت كثيرا لكنها وبحمد الله تمت، وبداياتها مبشرة وتدعو للتفاؤل، خطوة كانت تمثل حلماً شخصياً لى، وحلماً لك مصرى محب لبلده، هاهى قناة مصر «الوثائقية» أحدث انتاج «المتحدة للخدمات الإعلامية» تخرج للنور، قوية عفية، تسابق، ولا تحبو، أخيراً تحقق الحلم. 


فى الماضى، وعندما كنت عندما أتحدث مع أى من الإعلاميين عن ضرورة وجود قناة وثائقية مصرية، لأسباب كثيرة، أسردها وأعددها بحماس له، كان الرد المعلب يأتى مصحوباً بهزة رأس:كلامك صحيح، ولكن هل تعلم كم يتكلف إنشاء قناة وثائقية محترمة، بل هل تعرف كم يتكلف انتاج البرنامج الوثائقى الواحد؟.


ولم اقتنع بالرد أو بالردود المحبطة، لأن أية تكلفة مهما كانت كبيرة سوف تتقزم أمام روعة وعظمة العائد، كنت دائما أحرص على متابعة مجلة «الناشيونال جيوجرافيك» ثم تعلقت بالقناة الوثائقية التى تحمل اسمها.

ومن ثم ازداد تعلقى بها عندما أنشأت نسختها العربية من أبو ظبى، وبعدها التفتت الجزيرة إلى أهمية الدور الذى تلعبه القنوات الوثائقية، فى تشكيل الوعى فسارعت بانشاء «الجزيرة الوثائقية»، تابعتها عن كثب، ورأيت كيف كان يتم توظيف المحتوى لخدمة توجهات بعينها.


واكتشفت اننى أقضى ساعات طويلة أمام «ناشيونال جيوجرافيك» اتابع برنامجاً يتحدث عن مصر التى لم أعرفها، يقدم لى أسرار الحضارة الفرعونية، بصورة مبهرة، تصوير رائع يستخدم أحدث التقنيات، إعداد محكم.

وكتابة متفردة تخلق عندك حالة شغف، للمتابعة، لم يقتصر الأمر على الحضارة الفرعونية التى قد تمتلك كل عوامل الجذب بل شاهدت برامج تمسح قاع المجتمعات فى العالم، عوالم المهمشين، وعوالم الجريمة، وغيرها، برامج يمكن أن يشاهدها أى مشاهد فى أى بلد، لا أنسى برنامجاً ممتعا عن مربى الحمام فى مصر، والسباقات التى يجرونها، وانواع الحمام وأسعارها وأسرار تربيتها، وآخر عن التركيبة العرقية لأهل سيوة، معلومات بالصوت والصورة لا أعرفها عن جزء من مصر.

وهنا تأتى المساحة التى يمكن أن تتخصص فيها أية قناة وثائقية، فهى ليست قناة عامة، وليست قناة ثقافية عامة، بل تتخصص فى التوثيق، مثلا أهل الدلتا قد لا يعرفون شيئا عن ثقافة وتراث أهلنا فى منطقة جبال علبة فى البحر الأحمر.

ولا يكاد يصدقون عادات وتقاليد أهلنا من قبائل أولاد على من البحيرة والإسكندرية وحتى حدود ليبيا، تنوع ثقافى وبشرى ثرى ربما لن تجد له مثيلا إلا فى مصر. 


وكل أسباب إنشاء قناة وثائقية تتوافر فى مصر دون غيرها : قوة بشرية لا مثيل لها ، تراكم حضارى فريد ، من أيام الفراعنة إلى اليوم .. مفردات قوة ناعمة لا نظير لها فى الغناء والتمثيل والمسرح والفن التشكيلى والأدب، تمثل نبعاً لا ينضب لمن يريد أن يقوم بانتاج برامج وثائقية، يلتف حولها المشاهد، ويتابعها بشغف ومتعة.


وأهمس فى أذن الزملاء المسئولين عن القناة بسرعة انتاج برامج وثائقية تتحدث عن معجزة انشاء حفرة قناة السويس الجديدة يوم بيوم بل ساعة بساعة، وكما رأيت وتابعت مثلا قصة انشاء مطار دبى كاحد أكبر مطارات العالم باليوم ومنذ أن كان فكرة.

وإلى أن تم تجريبه ، والإخفاقات التى مروا بها إلى ان استقبل أول طائرة ، انتظر فيلما يعرف المشاهد المعجزة باليوم واللحظة ، ليلا ونهارا والتحديات التى مررنا بها إلى أن تمت المعجزة...الخ.


وهذا الأمر يمكن تطبيقه أيضا فى تحدى حفر الأنفاق التى ربطت بين سيناء والدلتا، من خلال البشر قبل الحجر، ومن خلال استعراض التحديات، وكيف تغلب عليها فريق العمل، من مهندسين وفنيين، وادارة قبل هذا وذاك.

وفى معجزة انشاء العاصمة الإدارية، وكيف كانت أول لقطة (على الأقل أتذكرها) لرئيس الوزراء محتفلا بوصول أول ماسورة مياه إلى الصحراء التى تحولت إلى عاصمة الجمهورية الجديدة.. مثل هذه البرامج الوثائقية اذا احسن انتاجها وتنفيذها قد تنجح فيما قد تفشل فيه عشرات الكتب ، وفيما قد تعجز البرامج المباشرة عن انجازه لأنك تقدم له المحتوى بالصوت والصورة، وكانه يعيش الحدث وهو جزء منه «بشحمه ولحمه».


وأريد أن تكون هناك أفلاما وثائقية ولو قصيرة تبين لنا كيف يتم العمل فى مزرعة غليون للثروة السمكية، والدلتا الجديدة، وفى توشكى، والدلتا الجديدة، نريد أن تخرج الكاميرا إلى الواحات وسيوة، ونتعرف على المصريين من قبائل أولاد على ولهجاتهم الجميلة ، وعاداتهم وتقاليدهم ونذهب إلى أهلنا فى النوبة ونقدمهم لبقية المصريين، ونقترب أكثر من أهلنا فى حلايب وشلاتين نرى تفاصيل حياتهم؛ أكلهم وشربهم، ملابسهم، أفراحهم، أحزانهم.


وكما قلت، مارأيته حتى الآن يبشر، رأيت الزميل أحمد الدرينى وهو يحاور أمير حدود داعش بعد سقوطه فى يد أجهزة الأمن المصرية، وما أعجبنى هو تمكنه من أدواته، حيث جلس وهو على علم بكل تفاصيل ملفه، وبالشخص الذى يحاوره.. خطورة مثل هذه البرامج أنها قد تأتى بعكس المطلوب لو لم يكن المذيع على المستوى الفكرى المطلوب. 


وخطورة غيابنا عن عالم القنوات الوثائقية، كان يتمثل فى تخلينا طواعية عن أداة ووسيلة فى غاية الخطورة، لأننا ببساطة كنا نترك لغيرنا يكتب تاريخنا على هواة ووفقاً لرؤيته وأجندته، ويترك لك رد الفعل، من اليوم ومع «الوثائقية» سنكون فاعلين.

ولن نبقى نتفرج، ومن حقنا ان نكتب تاريخنا، ونتركه للاجيال القادمة غير مشوه، نمتلك الكفاءات التى تمثل العمود الفقرى لكل المشاريع المماثلة فى عالمنا العربى، وآن الأوان لاستقطابها، وكما فعلنا فى قناة القاهرة الإخبارية، ها هو أوان قناة «والوثائقية» ومهما كانت أعباءها المالية، فالمردود السلبى لغياب دورها ورسالتها لا يقدر بثمن. 


ونحن أمام انطلاقة قوية لا تخطئها عين محايدة لأول قناة وثائقية مصرية.. وعبرها سوف يتابع المشاهد حكايات لرموز أسطورية مصرية مثل قصة أدهم الشرقاوى وتاريخ «المسرح القومى» القومى الثرى والفريد.


قناة «الوثائقية» خطوات جديدة من «المتحدة للخدمات الإعلامية» فى معركة الوعى وأنتظر أن تقدم لنا «الوثائقية» جرعة تاريخية وفنية وثقافية بما يليق بحضارة وحاضر مصر وبما يليق بالجمهورية الجديدة.

اقرأ ايضاً | أحمد الدرينى لـ «أخبار اليوم»: ملفات مهمة على مائدة «الوثائقية» وهدفنا تقديم محتوى عالمى

نقلا عن مجلة الأدب: 

2023-2-25