يوميات الأخبار

معنـــى الحــــب

نوال مصطفى
نوال مصطفى

هل فكر أحدهم أن يجلس قليلًا مع نفسه، وأمامه ورقة وقلم، أو شاشة كمبيوتر وكيبورد، ويكتب سؤالًا مهمًا يوجهه إلى نفسه: ما هو الحب؟

الحب له صور كثيرة، لكنه يبدأ بحب الإنسان لنفسه. كيف يحب الإنسان نفسه؟ سؤال كبير جدًا، خاصة أنه يتضمن فكرة تتعارض مع كل ما تربينا ونشأنا عليه، ويؤسفنى الآن أن أقول إنه خطأ فادح.  

قالوا لنا إن الإنسان الذى يحب نفسه أنانى، وهى صفة مذمومة. لكن ما توصلت إليه الدراسات النفسية والاجتماعية تقول إن حب الذات مهم.

وأول خطوة لتحقيق ذلك هى أن يرتقى الإنسان بنفسه فى كل دائرة من دوائر حياته. يشغله دائما فكرة كيف يكون إنسانا أفضل؟ كيف يكون له عقل يفكر بطريقة إيجابية تجلب له الخير والسعادة؟ بالقراءة والتفكير أو ما يطلق عليه بالإنجليزية «the mindset». كيف يأكل طعامًا مفيدًا لجسده وعقله وصحته التى هى أكبر نعمة منحه الله إياها. كيف يساعد غيره؟ لأن هذا سوف ينعكس عليه إيجابيًا، بأن يمنحه فيتامينات السعادة. كيف ينقل خبراته للآخرين؟ وكيف يحاول أن يكون مؤثرًا فى نطاق دائرته الصغيرة، بأن ينقل إليهم عدوى السعادة المبنية على العمل والعطاء والخير.

هذا هو المعنى الأول للحب، أن تحب نفسك.

احتفل العالم قبل أيام قليلة بعيد الحب العالمى «The valentine٫s day». اكتفى الكثيرون بتبادل الهدايا وأشهرها الورود والدباديب. لكن هل فكر أحدهم أن يجلس قليلا مع نفسه، وأمامه ورقة وقلم، أو شاشة كمبيوتر وكيبورد، ويكتب سؤالا مهما يوجهه إلى نفسه: ما هو الحب؟.

لو فكرت فى هذا السؤال بعمق، ستصل إلى هذه النتيجة، وهى أن الحب يبدأ من داخلك، ثم يصل إلى الآخرين. وهذا هو سر العلاقات العاطفية الناجحة بين رجل وامرأة، تتعمق العلاقة، وتستمر إذا كان طرفاها متحققين، بدأ كل طرف بنفسه، أحبها، وحافظ عليها، وطوّرها، وهنا فقط أصبح قادرًا على التقاط ومضات وإشارات الحب الحقيقية القادمة من الطرف الآخر، الذى يكتمل بوجوده.

أما العلاقات الاعتمادية، أى التى يتوقع الإنسان أنها هى التى ستمنحه السعادة المطلقة، فغالبًا ما يكون مصيرها الفشل، أو عدم الاستمرار.

الرضا والتحقق هو مسئولية الإنسان تجاه نفسه، ويجب ألا ينتظره طرف من الطرف الآخر، الحب هو احتياج للاكتمال والوقوف على أرضية مشتركة فى فهم الأمور، والتقدير المتبادل، والمشاعر الحقيقية، تشابه كل منهما فى التعامل مع الحياة، المساندة طبعًا مطلوبة، من كل طرف للآخر، لكنها تختلف عن الإتكاء على الآخر تمامًا، وتحميله المسئولية وحده عن نجاح أو فشل العلاقة.

ليس مهمًا أن يتحقق الإنسان من خلال عمله فحسب، فهناك من النساء من تشعرن بأنهن يجدن أنفسهن فى بناء بيت جميل، والاعتناء بأطفالهن، هذا نوع من التحقق والرضا أيضا، يجعلها تعطى لهذا الشيء الذى تحبه بصدق، وشغف، المهم أن تجد نفسك بنفسك وتحبها.

الحب فى رمضان

شعورك بالرضا سوف يخلق  لديك الرغبة والقدرة على العطاء، وشهر رمضان الكريم، الذى يفصل بيننا وبينه شهر من الآن هو الشهر الذى نكثر فيه العطاء بكل أنواعه، المادى والمعنوى، صلة الرحم تبدو فى أقوى صورها خلال الشهر الكريم، نشاهد العزومات، والزيارات، ورغم أننا نحولها إلى سلوك استهلاكى هائل، إلا أنها تشكل أحد مظاهر شهر رمضان الذى تتميز به مصر على وجه الخصوص.

لمة رمضان هى تقليد مصرى أصيل، شكل الشوارع،  امتداد الزينة والفوانيس تملأ القلوب بالبهجة، قماش الخيامية التى تتفنن كل سيدة فى تزيين بيتها به قبل حلول الشهر الكريم. البسطاء يتمنون لو كانت السنة كلها رمضان، لأن البيوت تخرج الطعام، وموائد الرحمن تفترش الشوارع لتقدم الإفطار لكل محتاج. 

وهنا أتمنى أن نفكر جميعا فى أن العطاء له معنى أبعد من ذلك، ويجب ألا يكون مرتبطا فقط  بقدوم رمضان. فهناك بيننا من هم أقل حظاً، هؤلاء يحتاجون أن نقف معهم فى كل وقت، وأن ندعمهم، ليس فقط بتقديم المساعدات، ولكن بفتح باب رزق لهؤلاء، إذا كنت تستطيع تشغيل أى إنسان محتاج سواء فى بيتك أو فى عمل تملكه أو تديره، امنح هؤلاء على قدر ما تستطيع فرصة للحياة، هذا فى رأيى أهم من تقديم مساعدة عابرة، أو فى المناسبات، ولا تضمن له استمرار الدخل، ولقمة العيش. اجعلهم يشعرون بكرامتهم وبأن عملهم له قيمة، هذا العطاء المعنوى مهم جدًا وإنسانى.

أتمنى أن نعيش جميعا شهر رمضان بسعادة وإحساس بالرضا وشعور بالآخرين. لأنه شهر الخير والكرم والعطاء والجمال كله والروحانيات فى أعلى صورها.

طيف التوحد

كنت أتابعها عن بعد وهى تمد يدها بحنو وحرص لتسحب «عمر» من شرنقته الاختيارية التى عاش داخلها ما يقرب من ربع قرن.

أراه يرافقها فى كل مكان، دار الأوبرا المصرية، المتاحف، المسارح، معارض الفن التشكيلى، سفراتها المختلفة فى أنحاء مصر.

ولأننى أعرفها جيدا، شعرت بما تريد أن تفعله، وما تتمنى أن تنجح فيه بتوفيق من الخالق الأعظم، وهو أن تشد قلبها الثانى الذى يخفق خارج جسدها كما وصفته فى كتابها «عمر.. من الشرنقة إلى الطيران» لكى يشتبك مع الحياة ولو قليلا، ليس مهما أن يفعل ذلك مثلما نفعل جميعا، لكن أن يفعلها بطريقته المختلفة، المتوحدة مع قيم الجمال، العدل، النظام، والصدق.

أتحدث عن الكاتبة، الشاعرة فاطمة ناعوت التى أعتز بصداقتها، ليست لأنها كاتبة قديرة تملك أدواتها، فحسب بل لأنها إنسانة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

طلبت منها أن تسجل تجربتها كأم مع ابنها الذى شاء قدره أن يصاب فى الثالثة من عمره بمرض «طيف التوحد». قالت لى فى البداية: لا..

لن أستطيع. سيكون صعبًا عليّ جدًا اجترار ذكريات قاسية، ومشاهد مؤلمة عشتها. قلت لها: هذا الكتاب سيكون مختلفًا عن كل كتبك ودواوين الشعر التى أصدرتها من قبل.

هذا الكتاب سوف يكون قطعة حية نابضة بالمشاعر، ممزوجًا بمعلومات طبية متخصصة عن هذا المرض الذى يصيب الأطفال فى عمر مبكر ويستمر معهم باقى حياتهم. سوف يستفيد منه الكثير من الأمهات والآباء وبهذا تكونين قد قدمت عملًا إنسانيًا، ثقافيًا، تربويًا، تعليميًا فى كتاب واحد.

عكفت فاطمة على الكتابة الموجعة، وكما قالت فى مقدمتها للكتاب إنها لم تكتبه بقلم الكاتبة والشاعرة، ولكن بقلب أم ينبض بالألم والأمل معا. اهتمت المؤسسة العربية الحديثة  بتبنى نشر هذا الكتاب المهم، الذى أهدته  الكاتبة «إلى كل أم أهداها الله طفلًا متوحدًا، ليكون قرّة عينيها».

يقول دكتور أحمد عكاشة فى تقديمه لهذا الكتاب: لقد اكتشفت فاطمة ناعوت أن ابنها «عمر» يعانى من «مرض الجمال» وبالطبع هو ليس مرضاً، بل سمو ورقى وطيبة، وجنوح نحو النبل والأخلاق الرفيعة. نعم «عمر» يختلف عن بقية الناس، ولكن فى اختلافه جمالًا وفرادة.

نبوغه فى الرسم، حبه للخير، احترامه للآخر خاصة مع الضعيف. كل هذه صفات يتمتع بها عمر، صارت نادرة الوجود خصوصًا فى عصر هيمنت عليه المادية وثورة التكنولوجيا التى أبعدت أفراد الأسرة بعضهم عن بعض.

وقد كتب الكثيرون عن «متلازمة أسبرجر» وعن «الذاتوية» وطيف التوحد، لكن نادرا ما نقرأ ما تكتبه وتعيشه الأم نفسها.

شكرًا الشاعرة، الكاتبة والأم فاطمة ناعوت على هذا الكتاب الذى سيكون ضوءًا كاشفًا لخبايا عديدة تود أمهات وآباء كثيرون، أن يفهموها عن أبنائهم الذين يواجهون نفس المرض.

مدموزيل من فضلك

لفتنى هذا العنوان لمجموعة قصصية صدرت للكاتبة علا سمير الشربينى، توقعت أن موضوع المجموعة يدور حول مشكلة العنوسة فى مصر، لكنى اكتشفت بعد قراءتى لأكثر من قصة أنه يعالج مشاكل مختلفة يعانى منها المجتمع المصرى بأسلوب اجتماعى، إنسانى. ليس فقط تأخر سن الزواج، بل أيضاً معاناة الشباب فى مجال العمل الحكومى والخاص، العلاقات الخاصة بين المرأة والرجل، وغيرها من الموضوعات الحية التى يعيشها معظمنا بشكل أو بآخر.

تتميز علا برشاقة الأسلوب، وعمق الرؤية، وكذلك التشويق الذى يعتبر أهم عنصر يربط القارئ بالعمل الأدبى. بالإضافة إلى الحس الساخر الذى يضيف للنص متعة خاصة.

فى القصة التى تحمل اسم المجموعة «مدموزيل من فضلك» تعانى الشخصية المحورية «نور» من الوحدة بعد وفاة والديها، وزواج أختها الصغرى. لا يعوضها عملها الذى تقضى فيه ساعات طويلة من يومها هذا الافتقاد للصحبة، وفى الوقت نفسه هى لا تؤمن بالزواج لمجرد الزواج، أو بالمثل القائل «ضل راجل ولا ضل حيطة».

لذلك رفضت العديد من العرسان الذين تقدموا إليها، لأنها أحست أنهم يريدون زوجة مناسبة فحسب، ولا يجدون فيها شيئا خاصا بها يميزها عن الأخريات.

ثم تقدم الكاتبة علا الشربينى جزءا ثانيا من القصة، نكتشف من خلاله أن «نور» بحثت عن حل لمشكلة الوحدة، وافتقاد الونس، لم تحد عن موقفها فى مسألة الزواج، بل شاء القدر أن يتعرض زوجان شابان من أسرتها لحادث يودى بحياتهما، ويتركان «مريم» طفلة صغيرة لم تكمل العام الأول من عمرها، وفى عزاء الأبوين تثار مسألة الطفلة، ومن سيتولى رعايتها، ويقترح البعض وضعها فى دار أيتام، وهنا يضيء الحل فى الأفق فتبادر «نور» بقبول احتضان الطفلة وتولى مسئولية رعايتها ماديا، و معنويا، وتبدأ معها رحلة الأمومة التى حرمت منها. 

وكأن الكاتبة تريد أن تقول إن الحل يأتى من القناعة بما نؤمن به، وليس بالتنازل عن ذواتنا لإرضاء المجتمع، وتحقيق ما يريده الآخرون. كذلك قصة «بعد النهاية» التى تحكى قصة حب دامت بين زوجين لمدة أربعين سنة، ثم يتعرض الزوج لمحنة قاسية بوفاة زوجته، لكنه يحول الفجيعة إلى عمل وأمل، وفكرة مضيئة بالحب.  «مدموزيل من فضلك» مجموعة قصصية تستحق القراءة. تقدمها كاتبة متميزة حقًا.
كلمات: 

«الحب فى الأرض نوع من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لاخترعناه».. نزار قبانى.